إنها خطوة نظامية مهمة نحو مكافحة الفساد، أن تصدر المملكة نظاما يكافح جريمة التزوير، وقبل أيام نشرت الصحف بعض مواد هذا النظام وما تضمنه من عقوبات تأديبية للمزورين. التزوير، من المشكلات الكبرى التي نعاني منها في المجتمع، فهو يمثل إحدى صور الفساد الذي نشكو من انتشاره وتغلغله في كل مكان، بل إنه عصب الفساد الذي يمكن أصحابه من اختلاس المال، والاستيلاء على الأراضي، ومخادعة الناس والاحتيال عليهم، وحمل مؤهلات علمية مزيفة، ووكالات شرعية كاذبة أو منتهية الصلاحية.. وغير ذلك. التزوير في كل صوره، كبيرها وصغيرها، من أكبر معيقات التنمية والمتسبب في ظهور كثير من المشكلات الاجتماعية. وصدور مثل هذا النظام الذي يصف جرائم التزوير ويحدد عقوباتها، هو خطوة إيجابية نحو الحد من هذا الداء الخبيث الذي بات كالسرطان منتشرا في مختلف خلايا المجتمع. لكنه لن يأتي بالثمرة المرجوة منه إلا بمراعاة مسألتين، إحداهما أن تكون جرائم التزوير وعقوباتها التي شملها النظام معلنة وبارزة للناس في أماكن كثيرة ليعرفها كل أحد، ولتبقى ثابتة دائما في الأذهان فلا تغيب عن الذاكرة. والمسألة الثانية، هي أن يحظى هذا النظام بما يدعمه من برامج المراقبة والمتابعة الدقيقة والدائمة، التي تقوم بمطاردة حالات التزوير بكل أشكالها فتضيق عليها الخناق حتى لا تترك لها حيزا تختبئ فيه. وما لم توجد الرقابة والمتابعة فإن نظام منع التزوير سيظل جميلا على الورق فقط. الشيء الآخر أن هذا النظام عرف التزوير بأنه (كل تغيير للحقيقة بإحدى الطرق المنصوص عليها في هذا النظام، حدث بسوء نية قصدا للاستعمال فيما يحميه النظام من محرر أو خاتم أو علامة أو طابع، وكان من شأن هذا التغيير أن يتسبب في ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي لأي شخص ذي صفة طبيعية أو اعتبارية). لكن هذا التعريف لا يتضمن الإشارة إلى أنواع أخرى من التزوير، كإصدار الوثائق العلمية الوهمية، أو توظيف أشخاص غير مؤهلين ليقوموا بأعمال تتطلب تأهيلا خاصا، كمن يوظف من يحمل مؤهلا علميا في المحاسبة ليقوم بعمل ممرض، أو مهندس معماري، أو كهربائي. فمثل هذا النوع من التزوير لا يعتمد (تغييرا للحقيقة)، وإنما يعتمد الكذب في ادعاء شيء غير موجود أصلا. وللأسف أن هذا النوع من التزوير من أكثر صور التزوير انتشارا في المجتمع، حيث يتفشى في كثير من الأعمال الخدمية، فبعض أصحاب الأعمال يستقدمون عمالا ليعملوا في مجالات غير مؤهلين لها، فيتسببون في كثير من الأضرار للناس، خصوصا متى كان العمل الذي يقومون به خطيرا كمهندس الكهرباء الذي قد يتسبب في إحداث حريق كهربائي متى لم يكن مؤهلا حقيقة للقيام بذلك العمل.