قررت منى أحمد ترك وظيفتها في إحدى شركات القطاع الخاص، بعد أن اصبحت عرضة للتحرشات اللفظية من قبل ضعاف النفوس، خصوصا أثناء انتظارها سيارة الأجرة على أبواب الشركة لتقلها إلى منزلها في ساعات الليل المتأخرة. وقالت منى: «مرتبي البسيط لا يسمح لي باستقدام سائق خاص، لذا أستعين بسيارات الأجرة في الذهاب والعودة من العمل، ما يجعلني أنتظر بعض الوقت أمام بوابة الشركة، عندها أعيش أوقاتا عصيبة، خصوصا أن ضعاف النفوس يقفون أمامي يعرضون علي خدماتهم بطريقة مبتذلة»، مشيرة إلى أنها لم تحتمل الوضع فقررت ترك العمل والبقاء في المنزل، على الرغم من أنها في أمس الحاجة للعمل، مطالبة بردع المتحرشين، بسن عقوبات صارمة. وعاشت هند عادل الموظفة بأحد المحلات التجارية معاناة سابقتها ذاتها، إذ شكت من المضايقات التي تلقاها من زوار المتجر الذين يأتون برفقة زوجاتهم فيستغلون انشغالهن في الشراء ويبدأون بالتحرش بالموظفات، مشيرة إلى أنها اضطرت لترك العمل والتوجه لأكثر من محل بحثا عن مكان آمن من المضايقات. وأوضحت سيدة الأعمال عزيزة عبدالقادر أن الخوف من الله والتمسك بالتعاليم الدينية يردعان النفس من الوقوع في الفساد للطرفين، مطالبة المرأة بالتصرف بشدة وحزم وحكمة في حال تعرضت لموقف غير لائق في عملها، حتى تردع المتحرش من تكرار الأمر معها أو مع سواها، مبينة أن امتثال المرأة بالحجاب الشرعي والسلوك القويم يحميها من التعرض لجميع أشكال التحرشات سواء كانت لفظية أو فعلية، حتى لو كانت تعمل وسط ألف رجل. وذكرت عبدالقادر أنه على الرغم من أن عملها يستوجب عليها التواصل مع الكثير من الرجال، إلا أنها تطبق القاعدة القرآنية والتي على عدم الخضوع واللين في القول مع الرجال من غير المحارم في قول الله تعالى (فلا يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا)، فالمرأة إن كانت متمسكة بتعاليم الشرع وأمور دينها فستكون هذه أكبر حماية لها من التحرش أو الوقوع في الفتن وشرورها. في حين، رأى محمد البذلي أن انعزالية الجنسين من أسباب التحرش، فدائما ما يوتر الأجواء بينهم ويجعل المتحرشين في شغف لمعرفة الجنس الآخر أو أذيته، في حين تدخل الفتاة في حالة توتر للدفاع عن نفسها. وبين البذلي أن من أسباب التحرش دور التربية للذكر والأنثى وهم أطفال، فالأنثى غير مسموح لها بأشياء كثيرة بينما الذكر متاح له كل شيء، مشيرا إلى أن الفتاة حين تكبر يطلب منها والدها احترام شقيقها صغيرا كان أم كبيرا فيولد لديها شعور بالاضطهاد. وذكر أن ديننا الإسلامي حفظ للمرأة حقوقها، ولم يميز الرجل عنها، لافتا إلى أن حلول التحرش منها بعيدة المدى تبدأ من التربية السلمية التي يجب أن يخضع لها أبناؤنا وبناتنا، ونساوي بينهم ولا ننظر للأنثى بأنها ضعيفة، فلا يغدق عليها الحنان على حساب الشاب، أو نمنح الذكر امتيازات أكثر من الأنثى. وأشار إلى أن من الحلول القصيرة للتحرش تكريس الاحترام المتبادل بين الشاب والفتاة في المناسبات العامة، وإخضاع كل من يسيء الأدب للعقوبات الصارمة، ويجب على الشاب أن يعامل أي فتاة كأخته التي لا يرضى أن تتعرض لسوء. وحذر من عملية العزل الصارم بين الجنسين؛ لأنه يؤدي إلى رغبة الشباب في البحث والفضول في هذه الأمور. في حين عزت كوثر إسماعيل التحرش إلى ثقافة المجتمع والعقليات المتحجرة ورؤية متوحشة من جهة الشاب والفتاة، مبينة أنه تصدر من الطرفين تصرفات غير لائقة في الأسواق أو التجمعات. وطالبت الطرفين بالتحلي بالآداب والأخلاق وأن يحترم كل واحد الطرف الآخر، ويعامل الولد الفتاة كأخته، وهو المطلوب من الفتاة أيضا، موضحة أن مثلث البيت والمدرسة والمجتمع معني بغرس التربية الفاضلة بين الشاب والفتاة. ورأت أنه لا يمكن العزل بين الذكر والأنثى بشكل كامل، إذ من المقبول السماح لهم بالتواجد في الأماكن العامة ولكن بضوابط، وسن عقوبات صارمة على كل مخالف. بدوره، تمنى المخرج والممثل الدكتور فهد غزولي اختفاء ظاهرة التحرش من المجتمع، محملا أهل الشاب والفتاة جزءا كبيرا من المسؤولية، بتركهم أبناءهم دون رقابة ومتابعة مع من يخرجون ويسهرون؛ لأنهم يتعلمون من بعضهم التصرفات السيئة. وحث على مراقبة الشباب والعيش معهم وتلمس احتياجاتهم، ومعاقبة كل من يتجاوز ويرتكب الأخطاء. وألمح إلى أن الفراغ لدى الشباب ذكورا وإناثا من أسباب تفشي التحرش في المجتمع، فهم يفضلون قضاء أوقاتهم في التسكع في الأسواق والمولات، مشددا على أهمية أن ينشغل الشباب بقضاء أوقاتهم في أمور مفيدة، بالتنسيق مع الجهات المختصة. بينما، وذكرت أحلام جعفري أن الشوارع الخالية ساحة ملائمة لتحرش ضعاف النفوس خصوصا بطالبات المدارس، مطالبة بتشديد العقوبات على كل من تسول له نفسه إيذاء الفتيات. وفي السياق ذاته، عزت هدى خويري ظاهرة التحرش إلى أسباب عدة، أهمها ضعف الوازع الديني، قلة التوعية الهادفة من المنزل بأهمية الحفاظ على النفس، الابتعاد عن الأبناء ما يسبب خوفهم بعدم الإفصاح عن بعض الممارسات التي تحدث لهم، مشددة على أهمية الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في عزل الذكور والإناث في التربية. وروت سمية العزي قصة معاناتها من التعرض للإيذاء والتحرش من بعض الشباب، موضحة أنها تعمل في أحد المولات ويعتذر في بعض الأوقات السائق عن الحضور، فتضطر إلى انتظار سيارة الأجرة حتى ساعات متأخرة ما يعرضها للمضايقات. بينما أكدت نداء علي بأن التحرش أصبح يحدث مؤخرا بين الفتيات في المدارس بكثرة خصوصا المراهقات، موضحة أن الطالبة تتحرش بمثيلتها، متمنية فصل طالبات المتوسطة عن الثانوية حتى لا يحدث ما لم يحمد عقباه. من جهتها، أكدت الأخصائية الاجتماعية في لجنة إصلاح ذات البين بمكةالمكرمة شادية جنبي أن التحرش سواء كان لفظيا أو فعليا لا يختص بمجتمع مختلط فيه الرجال والنساء كالمستشفيات وغيرها بل حتى في الأماكن الخاصة بالنساء كالكليات وغيرها من المدارس والجامعات الخاصة بالبنات، موضحة أنه تأتيهم كثيرا شكاوى من البنات عن تعرضهن للتحرش من أخريات ويكون ذلك بحركات الوجه أو اللمس أو كلمات الغزل والإيماءات. وأرجعت تلك التجاوزات إلى الفراغ العاطفي الذي تعيش فيه الفتاة وتأخر سن الزواج وصعوبته، معتبرة التحرش ظاهرة خطيرة جدا. وأوضحت أن من أسباب التحرش تتلخص في ضعف الوازع الديني، وتأخر سن الزواج والإحصان، والبطالة والفراغ فلو كان هناك عمل ينشغل الشباب به لما فكروا في مثل هذه القضايا وكنا سنرى شبابنا أكثر نضوجا. وحملت جنبي الإعلام جزءا كبيرا من مسؤولية تفشي ظاهرة التحرش عبر انتشار القنوات الهابطة للأغاني والأفلام والمسلسلات الأجنبية المعربة والتي تعرض مشاهد خادشة للحياء على مدار 24 ساعة بطريقة يندى لها الجبين، وكذلك الإنترنت والمجلات والصحف التي تنشر صورا عارية، فيجد الشاب في التحرش سواء لفظي أو فعلي بعض الإشباع لغريزته، منوهة بأن تعاطي المخدرات والخمور وغياب العقل أو عدم اتزانه من أسباب عدم الحكمة والتصرف السليم القويم فيلجأ المتعاطي للتحرش. ورأت من أسباب تفشي التحرش عدم التزام الفتيات بالحشمة داخل البيت وخارجه في لباسهن بارتداء الثياب القصيرة والبنطلونات الفاضحة والتي تكشف عن مفاتنهن مسايرة للموضة والغرب غير عابئات بما يحدثه ذلك في الذكور، هذا مع الحرمان الذي يعانون منه بالعجز عن الزواج فيفقدون السيطرة على أنفسهم ويتجهون للتحرش، كذلك التجاوز في حديث الفتيات بالخضوع في القول والميوعة، وكذا في آداب جلوسها، ومزحها غير اللائق مع الشباب. بدوره رأى الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز المصلح الأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أن ظاهرة التحرش بالفتيات في الأسواق أو أماكن العمل عمل غير أخلاقي ونبذته كل الأديان، وحرمه الدين الإسلامي، مطالبا بمعاقبة كل من يتحرش بأي فتاة وفي أي مكان. وتطرق الدكتور المصلح إلى أضرار التحرش، موضحا أنها تتركز حول أنه وسيلة لوقوع الفاحشة، وجلب غضب الله تعالى، ومن أقبح الذنوب لأن فيه إيذاء للآخرين واستحلالا لأعراضهم (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا)، وفيه اعتداء على عرض المسلم، ويسبب النزاع والشقاق والعنف بين أفراد المجتمع. وحول كيفية مكافحة التحرش، أوضح الدكتور المصلح أنه يكون بتقوية الوازع الديني، ومنع التبرج، والتقليل من الاختلاط، واسترجاع الدور الحقيقي والتربوي للأبوين، وتربية الأبناء على الحياء، إضافة لدور التوعية من أضرار التحرش من قبل مؤسسات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، والمؤسسات الدعوية. وطرح الدكتور المصلح أمرين هامين لردع المتحرشين، هما: العقوبة الرادعة، حيث إن الشريعة الإسلامية فرضت عقوبات مشددة لمنع التحرش الجنسي، وتربية النفوس على العفة، فقد انتقلت الشريعة من مرحلة العقوبات إلى إشاعة العفة بين الناس لتحول بينهم وبين الوقوع في الشهوات والعقوبات.