سؤال يتبادر إلى الذهن الإنساني كلما امتلكت نفسه شيئاً من المتعة، يريد المزيد ويفكر في المزيد، وفي إطار تشوقات النفس الإنسانية إلى ذلك المزيد ترتبك مشاعر جميلة كان من الممكن أن تتعمق في العقل والقلب في إطار فن واحترافية الاستمتاع باللحظة. ماذا بعد؟ هناك من يرتشف كوب قهوة رائع النكهة، وبدلا من أن يستنشق رائحتها الزكية ويتذوق ببطء طعمها اللذيذ، يترقب ما بعد تلك المتعة، وهناك من يتناولها ببطء شديد تاركا مذاقها الرائع ينعش أنفاسه ويرضي حاسته للتذوق ويلملم شتات عقله، وينظر إليها متأملا لونها الداكن وذوبانها السلس في الماء المغلي ورغوتها الغنية، ويتساءل في نفسه، عن هوية البن ومن أي بلد جاء وتاريخه وأصله وفصله، والطريقة الإبداعية في تحضيره، ويظل متأملا متذوقاً مستمتعاً بكل رشفة إلى آخر قطرة، مقدرا في نفسه اليد التي حضرته واللحظة التي عاشها. ماذا بعد؟ سؤال جيد، طامح، يريد صاحبه الاستزادة أكثر وأكثر، يجدر بالعقل طرحه في كل لحظة سعادة ليطمح بالمزيد، ويا حبذا لو كان طرحه في الإطار المعرفي والأكاديمي والروحاني بحماسة مدهونة بشيء من الاتزان مما يسمح للنفس بالتروي في تذوق كل شيء بحلوه ومره، ومن يتناول طبقا لذيذ التحضير بسرعة وحماسة مفرطة تريد الطبق الثاني لن يذوق جمال أحدهما. غالبا ما يمنع الطمع النفوس من تذوق الكثير من نكهات السعادة، ويهبها الطموح الموزون الراضي بكل أريحية بقسمة الله تعالى الكثير من المتعة في حاضرها ومستقبلها. ماذا بعد؟ أحيانا لا يكون ثمة شيء بعد ويكون النصيب من الدنيا ما كتبه الله تعالى للإنسان من رزق وعلم وتوفيق، وأحيانا يأتي النصيب بما هو أكثر من كل خير، ولكن المهم هي اللحظات التي نعيشها في إطار لحظة النعم بحلوها ومرها لأن المرارة أيضا قد تكون من أعظم النعم، ونكهة القهوة العربية المعطرة بطعم الهيل والخالية تماماً من المذاق الحلو تصبح أروع عند تناولها مع الرطب أو التمر. اللحظة.. تصبح جميلة حين تتكلل النفس بالحمد والرضا والامتنان لكل قدر يكتبه الرحمن، ويتقن العقل فن الاستمتاع باللحظة قبل أن يبدأ بطرح سؤاله، ماذا بعد؟