هربت من الكتابة وهمومها إلى مضارب البادية وهناك جزء من أهلي وعشيرتي قلت أقضي يومين أو أكثر خلال العطلة الدراسية الأسبوعية فوجدت هموما مختلفة عن من يعيشون وسط المدينة بزحامها وربكتها المرورية بل هناك يعيشون ويتكلمون بفطرتهم وإذا جاء المساء عادوا من رعيهم وشبوا النار وأخذوا يتسامرون بقلوب صافية بعيدا عن الماديات وحياة المدينة الاجتماعية الطاحنة. ولم أكن أتصور أنهم إذا جاءهم ضيف من المدينة يحتفلون به احتفالا كبيرا على الطريقة البدوية، بحيث يذبحون له الخراف لكنه عندما يترجاهم بأن عايش المدينة يختلف كليا عن عايش البادية، حيث أوصاه طبيبه برجيم غذائي محدد، هنا تكون قد أعطيتهم الحجة بكره المدينة التي يقولون إن من يعيش وسط المدينة عمره قصير لكثرة «بلاويها» من زحام وحركة دائمة طوال الأربع والعشرين ساعة. وهذا يا خوي الذي يجعلنا نفضل البادية عن العيش في المدينة التي منعتك عن أكل لحوم خرفاننا الحرية.. قالها أحدهم صادقا فقلت له لقد صدقت يا ابن العم. وقد عايشتهم في تلك المضارب وتمنيت لو أستطيع أن أهجر مدينتي جدة بكل وسائل الحضارة فيها من كهرباء وماء وسيارات لأن كل هذه المميزات اضطرتني إلى أن أعيش الحضارة بكل تفاصيلها الكبيرة والصغيرة الضارة منها والنافعة. لذا وجدت أبناء عشيرتي في مضاربهم يعيشون عيشة هنيئة مختلفة بكل العوامل الصحية لأنهم لا يعرفون الطريق إلى الطبيب، والواحد فيهم قد قارب التسعين عاما وعندما تسأله عما تشتكي منه يأبو فلان يضحك ويقول: عندما اضطر للسفر إلى المدينة إلى حيث أدوخ وترتبك أمعائي. ناس في عالم آخر لا أجمل ولا أحلى منه، أما نحن سكان المدينة فعالمنا مقرون بالمشقة والتعب والقلق وبعض أمراض الحضارة حتى أنني عندما زرتهم وعدت من هناك لم أتعاط حبة دواء واحدة بل رجعت وكيس أدويتي في يدي استعدادا لمعاودة تعاطيه مع أول ازدحام مروري قابلني وأنا داخل إلى مدينتي جدة وقبل حتى الوصول إلى المنزل هل تصدقون ذلك نعم إنني فعلتها مضطرا نعم يا أحبتي.!