جلست تحكي للفتيات عن (رديمتها) التي زينت كل العرائس بفلها الأبيض في ليالٍ ممزوجة بالفرح وأصوات الزغاريد ورقصات رجولية تثير غبار الذكريات. تقول لها صفية: احكي لنا عن شجرة الفل هذه، وكيف استطاعت الصمود في وجه قسوة الأيام؟ تتنهد بعمق، وتلتفت للأغصان المتسلقة على تلك الدعائم الخشبية.. والأوراق الخضراء تتراقص مع هبوب العصر القادم من جبال بعيدة، وبياض الفل يلوي خصره، وكأنه يغري الفتيات الحالمات بليلة فرح صيفية. رديمتي غرستها بيدي شتلة صغيرة متحدية أيام الجفاف والجدب.. أنا من لمسها بشوق وأزال من تحتها أشباح الموت التي كانت تحيط بها، ويوما بعد يوم كنت أشعر بها تهتز لتكبر وقلبي يرتعش شوقا لمولد أول زهرة بيضاء تعبق برائحة العشاق. كبرت معي، وبدلت أوراقها التي كانت بمثابة أيام عمري الذي تساقط مع السنوات.. لتعود وتكتسي بأوراق نضرة كبقايا الأمل التي لم تفارق روحي. عندما كان يطرق الحزن بابي كنت ألجأ إليها حتى تخبئني تحتها. هي مثل الجميع تعرف كل الأخبار، فأنا أحكي لها كل ما يحدث في القرية. كانت تعدني كل عام بصيف عاطر بالفل. قبل موعد الأعراس بوقت طويل آتي إليها كل صباح وأخبرها بأسماء الصبايا اللاتي سيخطفهن موسم الفرح ويغادرن إلى القرى المجاورة. حاولت أن أعد العرائس اللاتي تزين بفلها، فلم أستطع حصرهن لم أعد أذكر كم صيفا مر بنا، وكم ليلة أشعلتها قناديل الفرح؟ رديمتي هذه تحمل سنواتي الثقال. من خلف هذا الجدار الذي يسندها استمعت لحكايات وقرع أقدام مسافرة غابت طويلا.. حكايات خبأتها لترويها لي وحدي. وقبل أن تكمل.. التفتت إلى صفية، لم تجدها.. ذهبت وغابت في البياض مثل الحكايات التي لا تكتمل. داهمها الحزن المرير، وقالت: حاولت أن أمنعها من تسلق الجدار والنظر للوجوه العابرة، لكنها كانت تغافلني وترمي أغصانها خارجا تنتظر قدوم الص.. نص رديمة.. من مجموعة روائح مبعثرة