آخر ما وصل إلى أسماع المجتمع وجود إداريين ذوي مستويات وظيفية مختلفة، يديرون مهام وظائفهم حسب مزاجهم اليومي وهو مزاج متقلب مثل الطقس في الخريف، وعلى تقلبه يبني الموظفون التابعون له والمراجعون لمكتبه خطواتهم الوجلة قبل الدخول عليه ويكون لأولئك الموظفين أو المراجعين عيون ترصد مزاجه فإن قيل لهم: تقدموا مطمئنين لأن الابتسامة المشرقة تعلو محياه والسعادة تملأ كيانه إلى حد الخفة قدم كل موظف أو مراجع ملفه إليه وهو يفرك يديه دليلا على التفاؤل بأن ما جاء من أجله سوف ينجز كما يحب لأن مزاج ذلك المسؤول «رايق» وصاف مثل الثلج البلوري، أما إن قيل للموظفين والمراجعين: ارجعوا وراءكم والتمسوا وقتا آخر، فإن ذلك يعني أن مزاجه معكر مثل مياه السيول الحاملة للأتربة والنفايات، لأن التقدم إلى مكتبه وطرح الملفات والمعاملات بين يديه وهو في تلك الحالة النفسية التعيسة ربما يعقد تلك الملفات ويجعلها تخرج من مكتبه وعليها شروحات لا يفك عقدتها حتى «أرشميدس»، وعندها فلا يلومن ذلك المراجع أو الموظف إلا نفسه لأنه غامر بمصلحته ومعاملته وعرضها على سعادته وهو يعلم عن طريق العيون والآذان أن مزاجه على غير ما يرام فقد يكون قبل خروجه من داره العامرة قد أخذ لطمة أو لطمتين أو لطشة أو لطشتين «بالتاسومة» من أم العيال أو يكون قد بلغته أنباء عن تأخر ترقيته في الوزارة التابع لها أو أن أسهمه قد تهاوى سعرها في السوق أو أن ابنه المدلل قد رسب في سبع مواد، وعندها فإن على من حوله من موظفين ومراجعين أن يدفعوا ثمن ما أصابه من تعكر مزاج في ذلك اليوم، وهو تعكر قد يمتد أحيانا إلى أيام وربما أسابيع فعلى الجميع التمسك بأهداب الصبر والتحلي بضبط النفس وانتظار أن تنفرج أساريره ويعتدل مزاجه الكريم، وذلك لا علاقة له بالنظام ومواده ولا بواجبات الوظيفة وحقوق المراجعين والموظفين ولا بأنه موظف يأخذ أجرا شهريا على عمله وأن الباب «يفوت جملا» لو أنه لم يستطع القيام بأداء واجبات الوظيفة، كل ذلك لا علاقة له بما ذكر بل علاقته متصلة بأحوال مزاجه وهو يدير وظيفته ويوجه أعمالها حسب ذلك المزاج ويظل ماضيا في نهجه على ما فيه من اعوجاج ولأنه يرى أنه لا يتعامل مع موظفين ومراجعين بل مع كتيبة من الدجاج!