مصر لها في القلب بستان من الحب وأشجار عنب التنوير وأنهار الأدب والفن والثقافة. ولها في القلب: فضاء سرمدي مفتوح بلون الطيف، المتمثل في قوس قزح الجميل، يعبق برائحة الحضارات والناس الطيبة والفل والنيل. لا يمكن لأي وطن جميل في هذه الدنيا الاستحواذ على مكانها الشاهق في سفوح القلب والروح. لا يمكن أن أنسى تلك الكوكبة من المعلمين والأستاذة في كل مراحلي التعليمية: من الابتدائية حتى الجامعية، والذين علموني ألف باء تعليم وثقافة. لا يمكن أن أنسى تلك الكوكبة من الأطباء الذين عالجونا في حارات الطين وو.. لا يمكن أن ننسى تلك القامات الثقافية والمطبوعات الهائلة من الكتب والمجلات والدوريات والصحف في مصر، ومحاولات اختزالها في بعض الأسماء السياسية والثقافية الطارئة التي استغلت الدين وحاولت توظيفه في شؤون الدنيا والوصول إلى سدة السلطة والتسلط، تلك الأسماء التي بلا رصيد ثقافي ومعرفي يشار إليه بالبنان من قبل. تذكرت كل هذا، عندما ألفيت المصريين يخرجون ويصوتون بلا تردد وبنعم كبيرة لدستورهم المدني الجديد. خرجوا رغم الإرهاب الإخواني للشعب منذ عدة أشهر قولا وفعلا، ومطالباتهم بعدم الخروج من بيوتهم للتصويت. صوتوا للدستور الذي كتب بتوافق الجميع، ماعدا رأي أقلية إرهابية، تحب الخروج على نص التوافق الوطني. فأي دستور عصري ودائم يجب أن يكتب بعيدا عن رؤى أي حزب فائز مهما كان حجمه في الشارع. وإقرار الدستور المصري وخروجه إلى النور، سيكون بداية الطريق لدولة مصر القرن الحادي والعشرين، الجمهورية العريقة المدنية.. احترام الدستور الجديد والعمل بمواده سيكون الإعلان الحقيقي لمصر ثورة الشباب غير المؤدلج، لمصر البهية الشابة، لمصر العروبة، لمصر الريادة والرائدة في المشروع المدني النهضوي.. سقوط مصر لا قدر الله في مستنقع الفوضى، هو في النهاية سقوط مشروع التنوير والاعتدال في العام العربي من الخليج حتى المحيط، ودخول الجميع بلا استثناء في حروب وصراعات عشائرية وطائفية ومناطقية واختفاء أوطان من الخارطة. عموما، الخاسر الأكبر في عرس إقرار الدستور المصري الجديد، كانت جماعة الإخوان المسلمين، حيث تتزايد عزلتها وتتراكم خسائرها كل يوم، بعد فقدانها للسلطة وتبني العنف ومطاردة رجالاتها، وبعد استيقاظ خلاياها النائمة والمتعاطفين معها، وبعد محاصرة وتجفيف منابع تمويلها. والأهم بعد خروج أبناء الشعب المصري عن وصايتها، ورغبتهم في وطن آمن ومدني.