يسجل حضورا متواضعا هنا كل أسبوع أبعد ما يكون عن الصورة النمطية الضيقة الشّائعة عنه.. التي ربما يصدقها هو عن نفسه أحيانا...! *** .. مازلت أتذكر معلمي.. معلم اللغة العربية، حين طلب منا أن نكتب عن موضوع إنشائي عنوانه: (تحدث عن حديقة منزلك!) فكتبت: نحن الفقراء لاتوجد لدينا حديقة منزل. فقام حينها ووبخني وأعطاني صفرا من ثمانية. ...هذا ما كتبه حضرة المواطن «أحمد» وهو في الثلاثين من عمره اليوم عن إحدى تجاربه المحبطة أيام الدراسة الابتدائية. سأسمح لقلمي الآن بتغيير حبكة القصة لتكون صالحة كي أرويها على مسامع صغيري في حال أراد حين يكبر أن يكون هو بدوره معلما..!! «كان يا ماكان، في قريب الزمان، صبي في عمر الزهور صادق اسمه أحمد... طلب منه ومن زملائه يوما معلم اللغة العربية الوقور والكفؤ !!!! أن يكتبوا موضوعا بعنوان «تحدث عن حديقة منزلك». ولأن أحمد من عائلة فقيرة، ولا يملكون سوى بيت متواضع صغير بدون حديقة، كتب سطرا واحدا مختصرا: «نحن الفقراء لا توجد لدينا حديقة». فابتسم مدرسه مربي الأجيال المحترم حين قرأها !!! ونادى على أحمد في اليوم التالي أمام كل زملائه ليخبره: ممتاز حبيبي أحمد..!! رائع ما كتبته... فقط أتمنى عليك أن تكمل جملتك وتشرح لنا أكثر عن شعورك، وعن ما تتمناه، كيف هي يا ترى حديقة أحلامك..؟ وماهي الموانع برأيك من تحقيقها... ماالذي يمكن أن تفعله حتى تجتاز كل العوائق وتحقق حلمك؟ إن لم يكن لك اليوم فلأبنائك غدا... ماذا عن جيرانك هل لديهم حديقة؟ ماذا عن حيكم الذي تقطنون به .. ألا توجد به حديقة عامة؟ أتذكر حين أخبرتكم بأن الوطن هو بيتنا الأكبر؟ هل تعلم يا أحمد بأنه وفي كل مخطط أراضي في وطننا لابد ولزاما أن توجد به حديقة؟ ابحث واسأل واستفسر لتعرف ما هي الأسباب التي لم تحقق هذا الشرط في حيكم؟ اعرضها على والدك وأعمامك وجيرانك وإمام مسجد الحي وبلدية المنطقة... كل طفل في هذا الوطن المبارك بالخيرات الكثيرة من حقه حديقة يلعب بها يا صغيري!! اكتب عن كل ذلك يا أحمد.. اكتب بصدق.. كي تستحق الدرجة العالية التي رصدتها لك. وأنا بدوري سأحمل موضوعك الإنشائي بكل جهد بحثك فيه إلى الإدارة المدرسية، التي ولا شك ستكرمك عليه. سنحمله للصحافة أيضا...! فقطعا هنالك صحفي ما.. في مكان ما.. يشبهك..! في موهبتك وصدقك وأحلامك وسيرغب قطعا بلقائك. سينقل قضيتك للناس جميعا وللمسؤولين.. الرأي العام والمسؤولون سيعملون سويا على تعديل أي خطأ جرى، منعك من أن تكون لك حديقة تلعب بها يا أحمد!!! هكذا تتطور وتتقدم الأوطان يا بني... بممارسة أمر هام جدا له الفضل في بناء أكبر الحضارات التي تراها في زماننا وما سبقنا من الأزمان. هذا الأمر يدعى: الحراك المدني السلمي المبني على حسن النوايا والثقة في بعضنا البعض. ... وبالفعل برقت عينا أحمد... واجتهد وتحمس... وتحمس معه بقية زملائه، فكان بحثهم رائعا، وكان تفاعل المدرسة ووزارة التعليم معهم مثارا للفخر، وكذا الإعلام والبلديات والجهات المعنية وكل أهل المدينة... شكرا للمعلم.. فلم تكن سوى عدة أشهر حتى دشنت حديقة أبناء الفقراء.. الذين لعبوا كثيرا... وحلموا أكثر..!! وكبروا ليحققوا كل أحلام الصغار من حولهم. تصبح على غد أفضل يا صغيري .. تكون فيه معلما نقف له، ونفه التبجيلا..!