ما من شك بأن الإنسان مهما تعلم فإن مساحة الجهل هي التي تسيطر. وكلما ازدادت معرفة الإنسان ازداد اكتشافه لمساحات جهله، لهذا يتواضع العالم، ويتكبر الجاهل. قبل أيام ثار أحد النواب الكويتيين على أمسية ستقام وقال إن جلال الدين الرومي سيكون بها، ولا بد من منعها، ومن منع جلال الدين الرومي. أفاد النائب في مداخلته: «لقد تحدثت مع وزير الإعلام بضرورة منع هذه المهرجانات التي تعلم الرقص وتقتل الحياء، كما تحدثت مع وزير الأوقاف بهذا الخصوص، وطالبت وزير الداخلية بمنع دخول هؤلاء». واعترض النائب على تضمن الدعوة وصفا للرومي ب«مولانا»، على اعتبار أن الله تعالى هو مولانا وليس جلال الدين الرومي. سؤال اعتراضي: هل فعلا لا يعلم الوزراء الذين ذكرهم من هو جلال الدين الرومي؟! صديق كويتي قال ربما اختلط عليهم بحكم وجود عائلة كويتية بهذا الاسم «الرومي». بمناسبة منع جلال الدين الرومي من إقامة أمسية فقد شبع الرومي من الموت إذ توفاه الله عام 671 للهجرة 1273 ميلادية! مشكلة هؤلاء الذين يدخلون في الشأن الثقافي وهم لا يعرفون الثقافة، ويحاولون منع أي فعالية لمجرد وهمٍ داخلي ذاتي! جلال الدين الرومي صاحب «مثنوي» الذي يعرفه أهل التصوف بفنائه في الوجود، وبحبه لله، وبقربه من إشكاليات الإنسان وعلاقاته مع الغير، هو أيقونة الشعر الصوفي بامتياز. أتمنى على كل من يتداخل في الشأن العام أن يضع مستشارين له وأن تكون إسهاماته مبنية على علم وعلى بحث، لا أن تكون مثل هذه المداخلة المفاجئة والتي هزت الخليج وأصبحت ميدانا للتندر، حتى أن أحدهم قال إن: «الأخطل وجلال الدين الرومي والمتنبي وسعد علوش يلقون أمسية شعرية»! المزيد من الهدوء، والانفتاح، والقليل من الرقابة، والثقافة البوليسية. [email protected]