استغل الكثير من أصحاب المصالح الخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، ليحولوها إلى سوق للمتاجرة وتبادل الخادمات، بأسعار خيالية وبسمسرة تفوق الوصف. ويبدو أن أزمة العمالة المنزلية التي ألقت بظلالها لاسيما في أعقاب الحملة التصحيحية التي نتج عنها ترحيل عدد كبير من هذه العمالة المخالفة والتي كانت تقبل العمل بأي سعر، ألقت بظلالها على سوق الخادمات، الأمر الذي شجع الكثيرين ممن لديهم خادمات نظاميات، أن يعرضوا التنازل عنهم بمقابل مبالغ فيه، يصل إلى عشرات الآلاف من الريالات، الأمر الذي اعتبره مراقبون سوق سوداء للمتاجرة بالعمالة، حيث وجد سماسرة الخادمات والسائقون الخصوصيون فرصتهم في وسائل التواصل، باعتبارها تصل إلى القاصي والداني، ليعرضوا عبرها التنازل عن عمالتهم، بمبالغ تصل أحيانا إلى 30 ألف ريال، مما يجعلها السوق الثاني ربحا بعد مزايين الإبل. «عكاظ» من جانبها قررت التأكد من مصداقية تلك العروض والصفقات، وما إذا كان الأمر مجرد عروض وهمية أم أنها تمتد لتصل إلى الجدية، فقررت تقمص شخصية أحد الراغبين في نقل كفالة خادمة، وتبدأ في البحث والتقصي عن عروض التنازل والتي وضع أصحابها هواتفهم المحمولة علنا. أحمد .ج .ع عرض على مواقع التواصل الاجتماعي التنازل عن خادمة ادعى أنها على كفالته، لكنه اشترط 25 ألف ريال يدفعها له المستفيد بخلاف رسوم نقل الكفالة، ورغم إدراكه لعدم قانونية هذه الممارسات إلا أنه كشف ل «عكاظ» باعتبارنا أحد الراغبين في الخادمة أنه لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لسهولتها وكونها الأوسع انتشاراً بين جميع شرائح المجتمع، موضحا أنه خسر مقابل استقدام خادمته 14 ألف ريال، معترفا أن المبالغ المطلوبة مقابل التنازل على العمالة المنزلية تكون في أغلب الأحيان مبالغ فيها إلى حد كبير، لأن الشخص المستفيد يكون في حاجة ماسة إلى وجود هذه العمالة لديه كالخادمة مثلاً، فيضطر إلى دفع المبلغ المطلوب، موضحاً أنه بمجرد تقديم العرض يتصل عليه أحد الأشخاص ويفصح عن موافقته وقبوله لهذا العرض ويتم اللقاء وتوثق العملية بأوراق يتحمل فيها الراغب مسؤولية الخادمة، وبعد نقل كفالة الخادمة يرسل خطاب إلى سفارة بلدها بنقل كفالتها وبموافقتها. 25 ألفا على الجانب الآخر لم تتوقف حركة الشراء أو قبول التنازل من الكثيرين، ممن دفعتهم ظروفهم لذلك، حيث يكشف مصطفى ل «عكاظ» أنه اضطر لقبول نقل كفالة خادمة عرضها أحد الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي مقابل مبلغ 25 ألف ريال بخلاف رسوم نقل الكفالة، مع تيقنه أنه وقع ضحية الاستغلال لظروفه، وأن المبلغ المطلوب مبالغ فيه إلى حد كبير. وأوضح أن ما دفعه إلى قبول هذه الوسيلة هي الظروف العائلية والأسرية فغالباً ما يكون لدى من يقبل هذه العروض ظروف أسرية معينة تجبرهم عليها كأن يكون أحد أفراد الأسرة مريض ويحتاج إلى عناية بصفة مستمرة مع انشغال باقي أفراد الأسرة بدواماتهم، أو وجود أطفال صغار أو غيرها من الظروف الأسرية والعائلية التي لا يمكن حصرها، بالإضافة إلى طول مدة الانتظار لإتمام عملية الاستقدام بالطرق النظامية وارتفاع تكاليفها أيضا، وهنا يظهر الاستغلال من مقدمي هذه العروض مستغلين هذه الظروف، كما أن صاحب العرض لا يريد أن يخسر الرسوم التي تكبدها لإحضار هذه الخادمة من بلدها. السمسرة بالتراضي من جانبهم أوضح أحد الموظفين في مكتب خدمات أن عملية الاستقدام تكلف 22 ألف ريال بعد سداد الرسوم واستخراج الإقامات، وعندما يتجه شخص إلى نقل كفالة عاملة على كفالته فيكون على الأقل يريد تجنب الخسارة أو يحرص على تحقيق شيء من الربح، لأن الاستغلال يكون من صاحب العرض وليس من المكتب وأعتقد أن هذه العملية قانونية لأنها في النهاية عبارة عن نقل كفالة من كفيل إلى آخر، وبأوراق صحيحة، أما المبالغ فهي بالاتفاق بين الطرفين وبرضا من العاملة أو العاملة، لكن السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار هي قلة عدد الجنسيات المسموح باستقدام العمالة المنزلية منها، بالإضافة إلى طول مدة الانتظار التي تصل إلى 7 شهور لإتمام عملية الاستقدام، وقد تكون هناك ظروف خاصة داخل الأسرة تدفعهم إلى الرضوخ لهذا الاستغلال. أكد المحامي أثير قربان أن هذه الممارسات تعتبر بصفة عامة غير قانونية، لأن فيها استغلال نص عليه نظام مكافحة الإتجار بالأشخاص، خاصة أن المبالغ المطلوبة مبالغ فيها إلى حد كبير وهي استغلال لحاجة المواطن خاصة بعد سفر أعداد كبيرة من العمالة المنزلية في أعقاب الحملة التصحيحية كونها غير نظامية، وبصرف النظر عن قيمة المبالغ المطلوبة فإن العملية غير جائزة قانوناً ولا شرعاً ونطلب من المواطنين عدم التعاطي مع هذه الممارسات وإبلاغ السلطات النظامية والتوجه لشركات الاستقدام التي توفرها الدولة، كما نطالب بفرض العقوبات المنصوص عليها في نظام مكافحة الإتجار بالأشخاص على هؤلاء. وأشار إلى أن نظام العمل والعمال في مادته السابعة المتعلقة بخدم المنازل والتي حكمت العلاقة بين صاحب العمل والعامل، أو لائحة عمالة الخدمة المنزلية الصادرة من مجلس الوزراء، لم يتعرضا إلى هذا الموضوع ولم تحدد طريقة نقل الكفالة أو أسلوبه سواء عبر وسائل التواصل أو غيرها من الوسائل، وكان وزير العمل قد صرح قبل أيام أن استقدام العمالة وتركها بدون عمل حقيقي على أرض الواقع يعتبر إتجارا بالبشر، فالأولى من وزارة العمل إسباغ هذا الوصف على المستغلين لحاجة الناس والعمال.