لا أحد يستطيع التنبؤ بدقة عن تفاصيل الأحداث المستقبلية، فالمستقبل كما نعرف بيد الله علام الغيوب، وهو يحمل الكثير من المفاجآت. إلا أنه من الممكن بالتحليل العلمي للأوضاع الراهنة تخمين الاتجاهات العامة التي تسير نحوها الأمور في بلد ما أو في العالم أجمع. وهذا ما حاول فعله نائب الرئيس الأمريكي السابق آل قور في كتابه الأخير «The Future» الذي حدد فيه ستة محركات للتغيرات الكونية: 1 ترابط الاقتصاد العالمي بصورة متزايدة عما كان في السابق. 2 ثورة الاتصالات التي اجتاحت العالم فربطت أفكار ومشاعر المليارات من البشر بعضهم ببعض. 3 التوازن الجديد للقوى السياسية العالمية الذي لا تلعب فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية الدور القيادي كما فعلت في النصف الأخير من القرن العشرين، مع تحول المبادرة والتأثير من الغرب إلى الشرق ومن الدول الغنية إلى القوى الآخذة في النمو، ومن الحكومات إلى القطاع الخاص، ومن النظم السياسية إلى اقتصاد السوق. 4 النمو السكاني المتسارع وغير المستدام وما يصحبه من استهلاك للموارد مثل التربة الصالحة للزراعة ومصادر المياه و ازدياد التلوث. 5 التطورات الكبيرة في علوم الأحياء والكيمياء التي تجعل من الممكن تغيير التركيبات الجزيئية للمواد والبنية الوراثية للحيوان والنبات والإنسان مع التحكم في خواص الأنواع واختراع فصائل جديدة لم تكن موجودة في السابق. 6 التغير الجذري في العلاقة بين الإنسان والنظم البيئية لكوكب الأرض أو التأثير الجيولوجي للبشر، وخصوصا على المناخ الذي يعتمد عليه استمرارية ازدهار النوع البشري، مع بداية تحولات عالمية هائلة في قطاعات الطاقة والصناعة والزراعة والبناء لإعادة تكوين علاقة صحية متوازنة بين الإنسان والمستقبل. وهناك إجماع على أن المستقبل الذي بدأ يتشكل حاليا سيختلف بصورة جذرية عن كل ما عرفناه في السابق. وسيرى العالم فترات محملة بالفرص الواعدة أو المخاطر لم يشهد لها مثيلا. في الفصل الأول يتحدث آل قور عن الأرض كشركة مساهمة (قرية كونية) مترابطة وبالغة التعقيد، وعن القوة العاملة، وعن الاعتماد المتزايد على التقنيات الآلية (الروبوت)، وعن أهمية سرعة انتقال المعلومات، وعن مساوئ النظام الرأسمالي الذي يزداد فيه الأغنياء غنى والفقراء فقرا وضرر ذلك على الاقتصاد. كذلك يتحدث عن الصين التي من المتوقع أن تحتل المركز الأول اقتصاديا في العالم خلال العقد القادم، وعن عودة الهيمنة الاقتصادية إلى شرق آسيا مثل ما كان عليه الوضع لفترات طويلة سابقة قبل الثورة الصناعية التي انتقلت فيها الهيمنة إلى الدول الغربية. في الفصل الثاني يتحدث آل قور عن الفكر العالمي وأثر الشبكة العنكبوتية الكونية والثورة المعلوماتية وأثرها على الديموقراطية والنظم السياسية بما في ذلك دول «الربيع العربي»، كما يتحدث عن تطور التعليم حيث سمحت إمكانية التوفير الفوري للمعلومة بتقليص الحاجة إلى الاستظهار وشجعت على التفكير الإبداعي، كما يتحدث عن تأثير الشبكة المعلوماتية على النظم الصحية وعلى الخصوصية الفردية. في الفصول التالية يتحدث آل قور عن توازن القوى وتراجع مركز الولاياتالمتحدةالأمريكية وانحدار الديموقراطية فيها بسبب نفوذ رأس المال، وعن الحروب الإلكترونية والحرب الآلية، وعن ازدياد نفوذ الشركات العملاقة والقطاع الخاص. ثم يتحدث عن النمو السكاني والاستهلاك وأثر ذلك على الموارد الطبيعية وعلى الأنظمة السياسية وعلى المرأة وعلى الهجرة واللجوء. ويتحدث بعد ذلك عن تقنيات الجينوم الوراثية والآثار المترتبة عليها مثل إمكانية توقع نسبة الإصابة بالأمراض الوراثية والسرطانية وشخصنة العلاج، وعن الهندسة الوراثية وتأثيراتها العلاجية، وعن الأعضاء الصناعية، وعن الاستنساخ، وعن انتاج فيروسات صناعية للعلاج، أو إنتاج لقاحات جديدة وعن المحاصيل المعدلة وراثيا. في الفصل الأخير يركز آل قور على الموضوع الذي اشتهر به وهو تغير المناخ الناتج من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بسبب حرق الوقود الأحفوري، وكيف يضع هذا التغير، إضافة إلى استهلاك كافة الموارد بصورة غير مستدامة، كوكب الأرض على حافة الهاوية. في الختام يرى آل قور أن الإنسان قادر على إنقاذ مستقبله إذا تصرف بحكمة فازداد التواصل والتفاهم بين الأفراد والشعوب بواسطة الشبكة المعلوماتية لبناء مجتمع ديموقراطي عالمي لا تغلب عليه المصالح المادية للقوى الرأسمالية الكبرى، وتمت مواجهة عوامل التغير المناخي وتنظيم النمو السكاني واستخدام الموارد بطريقة مستدامة والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. وسيظل العالم في حاجة إلى قيادة حكيمة تتبنى القيم الإنسانية النبيلة لتحافظ على مستقبل البشرية المهدد بالمخاطر.