أصاب الصديق العزيز والزميل الدكتور عبد الله العسكر، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى، عين الحقيقة حين ذكر في حديثه لصحيفة الوطن قبل بضعة أيام أن «أسهل شيء لدينا فى المملكة الحديث عن السياسة والرياضة، رغم أن السياسة هي علم ودراسة وتجربة ومهارات، وأن هناك فرقا بين السياسة والدبلوماسية». وصديقي الدكتور عبد الله يعلم جيدا ما يقول، فهو كان رئيسا للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى لعدة سنوات. وهناك من يقول إن السياسة هي «فن الممكن»، وهذا في رأيي الخاص تعريف مبهم، وهو في حد ذاته تعريف «سياسي» أو «دبلوماسي» قد لا يدل على شيء. وهناك تعريفات أخرى كثيرة، منها ماذكره بنيتو موسوليني أن «السياسة هي فن حكم البشر»، بمعنى ضبط أهواء وأنانيات ومصالح البشر في ضوء نظام عام يتعدى نظام حياة الفرد، أما نيكولو مكيا فيللي فقد كان متشائما جدا فيما يتعلق بطبيعة البشر، بل إنه كان يحتقر العامة من البشر، ويصمهم بكل مظاهر السلبية والخبث والطمع والنفاق، ويؤكد أن «الغاية تبرر الوسيلة» في العمل السياسي. أما صديقي العزيز الدكتور صدقة فاضل، أستاذ العلوم السياسية وعضو مجلس الشورى حاليا، فقد عرف السياسة في كتابه «مبادئ علم السياسة» بأنها تعني القيام بأمر من أمور الناس بما يصلحه، وأن كلمة «سياسة» توحي بشيء يتعلق بالشؤون العامة للبشر، وأنها كلمة مشتقة من «سوس» بمعنى رئاسة، ويضيف أن لفظة «سياسة» تعني في أصلها اللاتيني تدبير شؤون الدولة أو المدينة (أو المجموعة)، وأصبحت الآن تعني كل ما يتعلق بشؤون الدولة، والعلاقات بين الدول، وخطط الأفراد والجماعات، بغرض تحقيق أهداف معينة، ويقال إن أي قرار يمس حياة أو مصير أو طموحات الآخرين هو في حد ذاته قرار سياسي. واختصارا فقد وجدت شخصيا أن أبسط تعريف لمفهوم السياسة هو أنها برنامج عمل أو منهج عملي قابل للتطبيق، ويتعلق بمصير الآخرين، وله نتائج إما إيجابية أو سلبية على المستويين المحلي والخارجي. ذكرني تصريح الصديق الدكتور عبد الله العسكر بصديقي الآخر الأستاذ المتخصص في العلوم السياسية، حين كان في زيارتي ذات يوم وأخذ يتصفح صحيفة محلية ثم ألقى بها جانبا وهو يزفر قائلا: أصبحت السياسة لعبة لكل من هب ودب، ويفتي فيها كل من يعلم ومن لا يعلم. وهذه ظاهرة خطيرة حقا، فنجد أن بعض كتاب الصحف المتخصصين في الرياضة أو الأمور العامة يتحولون فجأة إلى محللين سياسيين وكأنهم خبراء في علوم السياسة والعلاقات الدولية، لذلك كثيرا ما تكون كتاباتهم غير المدروسة أو المتخصصة إما مضللة أو أقرب ما يكون إلى الهزل. وإن كنا قد نجد بعض العذر لبعض الكتاب الذين يهرفون بما لا يعرفون في أمور السياسة والعلاقات الدولية والدبلوماسية، فكيف يمكننا أن نفهم تحول بعض الفنانين من الممثلين والممثلات والغانيات والراقصات المتقاعدات أيضا، الذين وجدوا في القنوات الفضائية ضالتهم المنشودة ليقدموا من خلالها برامج سياسية واجتماعية جادة على طريقة «فش الخلق»، تتناول آخر وأهم القضايا السياسية في عالمنا العربي المجيد والعالم الإسلامي وفي بقية العالم؟ وكما أوضح الدكتور صدقة فاضل في كتابه «مبادئ علم السياسة» أن المعرفة السياسية تتدرج تصاعديا من المعرفة السياسية البديهية (وهي أبسط أنواع المعرفة السياسية وأكثرها انتشارا)، إلى المعرفة السياسية الفلسفية (وهي انطباع الفرد عن أمور سياسية ومحاولته صياغة وتحديد ما يجب أن تكون عليه حسب وجهة نظره)، وأخيرا إلى المعرفة العلمية السياسية، وهي أرقى درجات المعرفة السياسية. ولكن الملاحظ أن بعض من يكتب في الأمور السياسية الشائكة والمعقدة، وبعض من تحول من التمثيل والغناء والرقص والتهريج إلى التحليلات والبرامج السياسية، لا يتمتعون إلا بأقل القليل من المعرفة السياسية البديهية، ثم يغلفونها بالكثير من التضخيم الزائف والكلمات المنمقة. المحصلة النهائية بالطبع هي القليل من الفكر والإبداع، والكثير من السخف والهزل.