تعتبر السير الذاتية وتدوينها وذكر مناقب اصحابها روافد عطاء للاجيال حيث يتعرف الخلف عن رجال السلف خصوصاً الشخصيات الدينية والعلمية والفكرية التي انغمست في الحياة وعركت السنون واهتمت بالجوانب المفيدة لحياة امتها والشأن العام لخير امة اخرجت للناس فاذا رحل هؤلاء الاعلام والعلماء الى الدار الآخرة فإن الموجب الشرعي والانساني يتطلب ذكر اعمالهم وما أنجزوه من ثمرات افادت أمتهم، فمن هؤلاء الاعلام استاذنا الفاضل الدكتور صلاح الدين المنجد رحمه الله الذي غيبه الموت في ارض المملكة بعد جهاد عظيم بالعمل والقلم والتأليف. تعرفت عليه في مجالس ثقافية وعلمية وكذلك في اروقة دور النشر، وقد سبق اللقاء به سمعته العلمية وغزارة انتاجاته الفكرية، اما الجانب الآخر فهو اهتمامه بالتراث وتحقيق المخطوطات القديمة المفيدة، جلست اليه أيامًا أثناء إقامته في جدة وحكى لي اهتماماته البحثية وعمله في جامعة الدول العربية كمدير لإدارة معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية، وقد شهد له عمله يرحمه الله في اعادة هيكلة وتنظيم المعهد ورسم خطط له في تكوين مكتبة ثقافية سياسية دبلوماسية لهذه الجامعة نواة من جامعة عريقة تضم انفس التراث المتعلق بعلماء المسلمين والدراسات الاستشراقية حول النظرية الغربية من قبلهم حول الاسلام. أهدي إليَّ رحمه الله كتابه القيم النظم الدبلوماسية في الاسلام وهو عصارة فكر وافكار وقف من خلالها على كتب التراث الاسلامي المتعلق بالعلاقات الدولية في الإسلام حيث حقق كتاب السير الكبير للامام الشيباني ونشر في عام 1947م كتاب رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة للامام ابن العزاء ويعد هذا السفر الكتاب الوحيد الذي وصل الى المكتبة الاسلامية من التراث القديم في الرسل والسفراء في النظام الاسلامي وقد اضفى عليه دكتورنا المنجد فصولا متعلقة بالمقارنان التشريعية في فقه العلاقات الدبلوماسية بين الدول الاسلامية والدول الغربية الصديقة. ومن خلال اطلاعه على الكتاب العتيق لابن العزاء في الاعمال الدبلوماسية الخارجية لمنظومة الدولة الاسلامية في الشأن الخارجي فتح الله على شيخنا المنجد آفاقًا جديدة وتطويرًا تحديثيًّا لفقه العلاقات الدبلوماسية واعداد البرمجة بصورة تجديدية للدبلوماسية من خلال كتابه القيم الموسوم ب "النظم الدبلوماسية في الاسلام" طبعة 1983م والذي اتضح من مضامينه الصفحات الوضاءة في الدبلوماسية الاسلامية والقانون السياسي الدولي فيما يتعلق بأصول العلاقات السلمية بن الغرب والشرق القائمة على السلم والسلام والتبادل الثقافي والتجاري والاغراض الدفاعية والاتفاقيات والمعاهدات الانسانية ومن الحقائق المسلم بها ان الغرب وقف على البروتوكولات في الفقه الدبلوماسي الاسلامي واستحدث تطويراً لنظرية العلاقات ملائمًا للقرن العشرين وما احدثته النوازل والمتغيرات الدولية. وكيف كان التكيف السياسي في تطعيم مفاهيم الدبلوماسية والتحولات العالمية الاقليمية له الدور الكبير. وقدم العلامة المنجد القواعد الاسلامية في اختيار السفراء في انظمة الدولة الاسلامية والشروط الواجب توافرها فيمن يعتلي العقبة الدبلوماسية من كونه يجب ان يكون نافذ الرأي حصيف العقل، محتال بذكاء على الامور بصيرًا بها وقوراً، ثابت العقل، وان تكون حججه تحت لسانه، يفهم بالإيماء، رسولا سفيرا قائما على تحسين العلاقات بين دولته والآخرين. وبعد: فإن رحيل قامة شامخة كالعلامة المنجد خسارة كبيرة فالرجل جمع العلم الشرعي والقانوني وقدم خدمات جليلة للمكتبة الاسلامية والدولية بعصارات متميزة من غزارة الانتاج وتأسيس معهد للمخطوطات والوثائق في الجامعة العربية التي يحق لها ان تفخر به وتقوم بتكريمه وهو مطلب من الامين العام لجامعة الدول العربية معالي الأستاذ عمرو موسى. وحقا عليّ كطالب علم متخصص في الانظمة السياسية والقضائية أن أترحم عليه واشير مذكراً بعلمه وفضله مطالبا ابناءه وخصوصا نجله الاخ زاهر العناية بتراث والدهم فقيد العلم والتراث وأتمنى ان يخرج الجزء الثاني من كتابه المنتقى من دراسات المشرقين. غفر الله له ورحمه والله ولي التوفيق. أستاذ السياسة الشرعية والأنظمة عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي