منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي) وتاريخها ومسار إنجازاتها، تعكس حقيقة وطبيعة ومستوى العلاقات بين الكثير من أعضائها، فالعلاقات بين هذه المجموعة تمر بفترات ازدهار ونمو يكاد يبلغ درجة التنسيق، لكنها ما تلبث أن تنتكس وتتدهور حتى تكاد تسقط في دوامة وخطر المواجهة. وقد تولى مسؤولية قيادة المنظمة لفيف من رجالات العالم الإسلامي، عرب وأفارقة وآسيويون، كل يحمل خبراته وتجاربه ومؤثرات بيئته وقدرته على استخلاص المشتركات بين دول المنظمة التي تساعده على أداء مهمته دون الوقوع تحت الضغوط غير المنظورة. وليس المجال هنا للمقارنة بين أداء وإنجازات أمنائها السابقين طوال عهدها، لكن من المفيد التذكير بأن نجاح أمانة المنظمة في خدمة الأهداف المشتركة لدولها مرتبط إلى حد كبير بإرادة الأعضاء، وبدون تلك الإرادة وتفعليها والعمل على ترجمتها في برامج ومشاريع تنعكس على الشعوب، ستظل جهود الأمين - مهما كانت قدراته- غير مكتملة، وغير محققة للغايات الكبرى. وخارطة العالم الإسلامي في هذه المرحلة الصعبة، تتمدد عليها تشوهات وتحديات الاصطفاف الطائفي والانحياز المذهبي والفرز العرقي، مع اتساع أعمال التطرف وأصوات التشدد في الكثير من الدول والمجتمعات التي تمر بتغيرات، بعد أن اجتاحت بعض مناطقها موجة من الاضطرابات والتغيرات والدعوات، سقطت في غبارها أنظمة وصعدت تيارات إلى مسرح الأحداث، ارتبكت خطواتها فارتكبت من الأخطاء ما عجل برحيل بعضها، وزرع الشك في نفوس الكثيرين تجاه مثيلاتها في أكثر من بلد. وكان من نتائج هذه «الحال السائلة»، بروز حدة اختلاف وجهات النظر وتنازع الإرادات. وما تزال الحرائق مشتعلة، تتسع دائرتها بتدخل الآخرين، حتى باتت المنطقة العربية مكشوفة لكل أصحاب المطامع. في هذه الظروف وبكل تعقيداتها، يتولى إياد أمين مدني أمانة المنظمة، وهو أول سعودي يتولى هذا المنصب منذ ولادة المنظمة من رحم أزمة عام 1969 م، بعد حريق المسجد الأقصى على يد صهيوني متطرف. ومدني يصفه أصدقاؤه والقريبون منه باعتدال المزاج وهدوء الطبع الذي لا يفقده ميزة التفاعل مع المشكلات المتعامل معها، مع القدرة على التخطيط وتحريك الخيوط لبلوغ الأهداف، يستصحب رؤية واضحة تجاه قضايا التحديث وأهميتها لدفع عجلة التطوير العلمي، للخروج بالمجتمعات من دائرة التخلف واللحاق بركب الحياة المعاصرة، مارس الإدارة العليا في القطاعين الخاص والعام وقبلهما العمل في المجال الإعلامي، الذي يتقن التعامل مع وسائله لخدمة أغراض المنظمة التي يقودها. ويعتقد الكثيرون أن المنظمة مقبلة على مرحلة جديدة من جمع الكلمة وتوحيد الجهود في سبيل تعظيم المنافع المتبادلة بين دولها، رغم مصاعب وعراقيل الظروف المحيطة.