منذ إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي كان الهدف الأول والرئيسي لإنشائها هو الدفاع عن المسجد الأقصى والعمل على إنقاذ القدس من براثن الاحتلال الصهيوني الغاشم، وتحقيق الوحدة الإسلامية والعمل على إرساء مبادئ الإسلام والدفاع عنه في كل محفل داخلي وخارجي، ولكن مع مرور الأيام والسنوات وبسبب تعقيدات السياسة في العالم العربي والإسلامي أصبحت منظمة التي تعد “بيت المسلمين”، كما أن الجامعة العربية هي “بيت العرب” عاجزة عن تحقيق أهدافها في معظم المجالات، على الرغم من نجاح المنظمة على الصعيد الثقافي خاصة وعلى صعيد الدفاع عن الإسلام إلى حد كبير وأيضًا بشكل نسبي على الصعيد الاقتصادي وإن كانت حتى اليوم مازالت غير قادرة على إيجاد أرضية للسوق الإسلامية المشتركة، ولكنها فاشلة بشكل كبير على الصعيد السياسي، وذلك بسبب القطرية التي تشهدها بلدان العالم العربي والإسلامي وتضارب المصالح وتغليب المصلحة القطرية على المصلحة العليا للأمة العربية والإسلامية. “الرسالة” تفتح ملف المنظمة وتضعه على مائدة العلماء والمفكرين وترصد رؤاهم في سياق التحقيق التالي: خطوات جيدة يبتدر نائب رئيس منظمة العدالة الدولية المحامي خالد أبو راشد ملتمسًا العذر للمنظمة بقوله: الجزء الأول في المنظمة يتمثل في إنشائها ووجود (57) دولة إسلامية كأعضاء فيها، معتبرًا أنّ هذا الأمر يعدّ بداية وخطوة جيدة سواء على مستوى البيانات أو الاستنكار أو حل القضايا الخلافية التي تقوم بها المنظمة من ناحية سلمية، ويقول: الدور السياسي للمنظمة يتمثَّل في جمع الصف ومن خلال توحيد الموقف والرأي السياسي، إضافة إلى الدور الاقتصادي المتمثِّل في دعم المساعدات للدول الأعضاء، ومساعدة الشعوب الإسلامية المتضرِّرة إنسانيًا. أما قضية المسجد الأقصى فهي تعدّ أكبر حجمًا من المنظمة، فهي قضية شائكة ودولية، إلاّ أنّها تحاول أنّ يكون لها دور فاعل تجاه ما نراه من تدخل الدول العظمى في القضية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، والقرارات التي تتخذ من قبل المنظمة تجاه قضية فلسطين هي محل التنفيذ بقدر استطاعتها. تحرير الأقصى وفي سياق متصل يرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور عبدالستار قاسم أنّه من المفترض أنّ منظمة المؤتمر الإسلامي قد حررت الأقصى لأنّها تضم في عضويتها 57 دولة إسلامية، أو على الأقل إنشاء مؤسسات تتبنى عملية التحرير ولكن هذا الأمر لم يحصل. ويقول: في الوقت الحالي لا يوجد عمل ملموس للمنظمة سوى بعض الأموال التي تأتي بها الدول الأعضاء إلى الأرض المحتلة وهي ليست كافية، فالمنظمة في النهاية تتبع للدول الأعضاء وهي ليست فاعلة، وحالها في ذلك كحال جامعة الدول العربية. ويعتقد قاسم أنّ مواقف المنظمة وتوصياتها لا تفي بالغرض، حيث تغيب في الاجتماعات الضرورية الدول الفاعلة فلا تجد أي مواقف حاسمة من قبلها تجاه إسرائيل على سبيل المثال إلاّ بعد أن تشن إسرائيل عدوانها أو هجماتها عندها تكتفي المنظمة ببيانات الشجب والاستنكار، من الضروري أن يكون للمنظمة دور مستقل ومؤسسي من خلال إدارتها على مستوى العالم العربي والإسلامي. الاقتصاد هو الحاكم أما الشيخ أبو جرة السلطاني رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية فإنّه يرى أنّ القوى الإسلامية اليوم لا تحقق شيئًا في القضايا الكبرى، إلاّ إذا وجدت الإرادة السياسية وهي أحد الطموحات التي نريدها، خصوصًا تجاه القضية الفلسطينية، فالشعوب في العالم الإسلامي باتت تنتظر الإشارة الخضراء من المنظمة لتحقيق الدور المطلوب للوصول إلى الأهداف وتحمل مسؤولياتها تجاه قضايا الأمة. ويقول: الشعوب العربية والإسلامية تريد حراكًا وفعلًا ولا تريد لغة البيانات التي ملت من سماعها، فالقرارات الصادرة من المنظمة لا بد أن تنجز من خلال الجهات المعنية بها، وينبغي أن ندرك أن الاقتصاد هو الذي بات يحرّك العالم وتتخذ القرارات على الأرض بناء عليه بسبب المصالح التي تحكم هؤلاء. الغريب أن القرارات السياسية الصادرة من المنظمة لم تستند على شيء معين، فما الذي تمخّض عن هذه التوصيات والقرارات، سوى حبر على ورق؟ ولا بد أن تترجم هذه الأقوال إلى أفعال. ويعرب سلطاني عن أسفه لعدم توفر لجان خاصة لتنفيذ القرارات الصادرة من المنظمة على أرض الواقع قائلًا: نحتاج إلى لجان لتراقب مدى تنفيذ هذه القرارات على أرض الواقع، ويتمنى سلطاني على المنظمة أن تعمل على تحديد الأولويات، وأهم أولوياتها هي القضية الفلسطينية، التي يعدها سلطاني بأنّها أم القضايا التي ستعمل على تجميع هذه الدول على موقف واحد. قصور في جوانب من جانبه يوضح الباحث والمفكر الإسلامي الدكتور محمد الأحمري أنّ المنظمة عبارة عن استجابة سريعة لحالة غضب وتنفيس عن ذلك، فالمهم ماذا تفكر فيه وفي عمله، فمن المهم أن تقول المنظمة للمسلمين ما هي وماذا تريد تحقيقه، ويقول: قبل أن نطالب المنظمة بشيء لنسأل عن الحرية التي قدمت لها للعمل، والقرارات التي تملكها، وقدرتها على التصرف، ومدى خدمة مكانها لها، والدعم المالي الذي تجده، وتوجيه اللوم لها قبل تحقيق شروط طبيعية للعمل لا يخلو من جور، فقيادتها الحالية قيادة فطنة ومتطلعة ومتحمسة للعمل ولكنها في منظومة عاجزة، وحكومات لا تريد لها العمل، كم من الدول الإسلامية تريد للمنظمة أن تعمل؟ وكم منها تهتم بها؟ علما بأنّها من حيث عدد الدول ثاني منظمة بعد الأممالمتحدة، التي أنشأها الغرب لتأكيد هيمنته. ويتابع الأحمري حديثه قائلًا: هل توجه العالم الإسلامي ليخفف من الهيمنة الغربية ومن الضغط على نفسه من خلال هذه المنظمة، في الوقت الذي يسارع فيه بعض العرب إلى خطب ود المعتدين، فأي مجال ينتظر المنظمة في بيئة كهذه؟ وحول المجالات التي تهتم بها المنظمة؛ يبيّن الأحمري أنّها تحاول ولكن كثيرًا من الحكومات لا ترى في المنظمة إلا مسألة رمزية وشعار يرفع العتب أمام الشعوب، التي تحب أن يكون لحكوماتها دور إسلامي فتكتفي الحكومات بشعار أنها عضو في المنظمة وقد تحضر مؤتمرًا وتقول خطبة وتكتفي بهذا، مشيرًا إلى أنّ المنظمة تعاني من جميع الجوانب ومن عدم التأييد ومن المشكلات الإدارية والعقبات التي تواجهها في أداء دورها فيطلب منها كثير ولا تعطى شيئًا، لا مالًا ولا قرارًا ولا تسهيلات، الأمر الذي سيجعل المسلمين يتوجهون لها بالدعاء للبقاء كما يفعلون مع القدس التي هي سبب إنشائها! الأمن الجماعي وبدوره يقول مدير مركز الدراسات الآسيوية الأسبق بجامعة القاهرة الدكتور محمد السيد سليم: من أهم أولويات أي منظمة في حجم منظمة المؤتمر الإسلامي أن يكون لها دور في الأمن الجماعي للدول لأعضاء، وفى تسوية المنازعات بينهم بالطرق السلمية، ولكن يلاحظ أن المنظمة ليس بها نظام للأمن الجماعي تتعهد بموجبه الدول الأعضاء بمساعدة الدولة العضو المعتدى عليها، بل إن المنظمة بعد تعديل الميثاق وضعت به نصًا يحرم على الدول الأعضاء استعمال القوة أو التهديد باستعمالها ليس ضد الدول الأعضاء الأخرى فحسب، ولكن ضد جميع دول العالم ولم يستثنِ الميثاق المعدل حالة الدفاع عن النفس أو استعمال القوة لتحرير الأرض المحتلة، ولو كان هذا النص موجودًا سنة 1973 لاعتبرت المنظمة أن استعمال مصر وسوريا للقوة المسلحة لتحرير الأرض عملًا مخالفًا للميثاق، ولعل المجال الوحيد الذي حاولت فيه المنظمة أن تلعب دورا في مجال الأمن الجماعي كان دورها في قضية استقلال البوسنة الهرسك سنة 1993، ولكن هذا الدور كان بمثابة وبال على الجمهورية الوليدة، إذ إن المنظمة في مؤتمر وزراء الخارجية المنعقد في ديسمبر سنة 1992 تعهدت بدعم بيجوفيتش، رئيس البوسنة آنذاك، وحثته على رفض خطة أوين - فانس لتقسيم البوسنة إلى عشر مقاطعات مستقلة ذاتيًا في إطار فيدرالي، ولما حضر بيجوفيتش إلى داكار فى يناير سنة 1993 لحضور اجتماع هيئة مكتب القمة السادسة للنظر في كيفية دعم حكومة بيجوفيتش لم تقدم له المنظمة دعمًا ماديًا مما دفعه بعد العودة إلى البوسنة إلى قبول الخطة الغربية، ولكن الوقت كان متأخرا إذ إن صربيا كانت قد رفضت الخطة، مما أدى به فيما بعد إلى قبول خطة أسوأ من خطة فانس - أوين مما أضر بالبوسنيين، فضلًا عن ذلك لا يوجد بالمنظمة نظام لتسوية المنازعات بالطرق السلمية، صحيح أن هناك نصًا على إنشاء محكمة العدل الدولية الإسلامية ولكنها ظلت حبرًا على ورق منذ سنة 1987، ومن الناحية الفعلية فإن المنظمة لا تتدخل في المنازعات بين الدول الأعضاء إذا كانت تدخل في نطاق الاختصاص الإقليمي لتنظيم دولي آخر، مما أفقدها مصداقيتها كأداة لتسوية المنازعات. أهم الإنجازات ويوضح د.سليم أن أهم إنجازات المنظمة هي التي حققتها في المجالين الاقتصادي والثقافي، ويقول: يعد البنك الإسلامي للتنمية من أنجح أدوات التعاون الاقتصادي بالمقارنة بغيره من البنوك؛ إذ استطاع أن يمول مشروعات ويزيد من حجم التجارة بين الدول الأعضاء في إطار عمليات تمويل تلك التجارة، مما أدى إلى أن تصل نسبة التجارة بين الدول الأعضاء في المنظمة إلى 13% من إجمالي تجارتها الخارجية وهو ما يفوق النسبة المماثلة بين الدول العربية، بالإضافة إلى الدور الذي قامت به المنظمة كصوت جماعي للدول الأعضاء في السياسة الدولية، وبلورة رؤية “إسلامية” لبعض القضايا، ودورها في دعم بعض الأقليات الإسلامية كحالة الفلبين، ودورها في مجال حوار الحضارات والمساهمة في تقديم منظور إسلامي لحقوق الإنسان والإرهاب والبيئة وغيرها من القضايا. ويشير إلى أنه يمكن تفسير ضعف المنظمة في ضوء رغبة معظم الدول الأعضاء في إبعادها عن القضايا الأمنية وقضايا تسوية المنازعات اللهم إلا فيما يتعلق بتأييد ما تفعله الدول في هذين المجالين، ويقول: كذلك يرجع السبب إلى التوسع الشديد في العضوية والتأخر في وضع معيار محدد للعضوية وعدم وجود نظام للجزاءات، مما يفسر مشكلات العجز المزمن في الميزانية الناشئ عن عدم دفع الدول اشتراكات العضوية لعلمها أن الدول الخليجية لن تسمح بانهيار المنظمة، أضف إلى ذلك فإن عدم التجانس الواضح بين الدول الأعضاء في كل شيء تقريبا يجعل من الصعب على المنظمة أن توفق بين توجهاتها المتضاربة، ولكن ذلك كله لا يعفي المنظمة سواء الأمانة العامة أو مؤتمري القمة ووزراء الخارجية من المسؤولية المباشرة عن بعض السلبيات حتى تستطيع القيام بدور أكثر فعالية على الساحة العربية والإسلامية. بيت المسلمين وبدوره يقول أستاذ النظرية السياسية الإسلامية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة الدكتور سيف الدين عبدالفتاح: للأسف الشديد فإن منظمة المؤتمر الإسلامي التي كان من المفترض أن تكون “بيت المسلمين”، كما أن جامعة الدول العربية هي “بيت العرب” لم يعد لها دور ملموس على الساحة العربية والإسلامية بل أصبحت على هامش الحركة السياسية في العالم العربي والإسلامي، والراصد لتاريخ المنظمة يجد أنها أنشئت إثر جريمة إحراق المسجد الأقصى على يد متطرف يهودي صهيوني أعمى، وكان الإعلان عن تأسيسها بالمغرب الذي أصبح منذ ذلك التاريخ رئيسًا للجنة القدس المنبثقة عنها، ولكن أكدت السنوات اللاحقة والمآسي الدموية، التي مرت على القضية الفلسطينيةوالقدس الشريف أن المنظمة فاقدة لمصداقية الفعل، وأن لجنة القدس لم تكن سوى هيئة متابعة ومراقبة لا حول لها ولا قوة، بل إن هذه المنظمة أضفت المشروعية على قرارات أممية في جوهرها أمريكية تنسف المشروعية الإسلامية للقضية الفلسطينية، وفي السنوات الأخيرة تحولت قمم المنظمة إلى استنساخ لقمم الجامعة العربية، بمعنى أنها مجرد قرارات تخرج لصالح القدس والقضية الفلسطينية بشكل خاص والعالم العربي والإسلامي بشكل عام ولكنها تظل حبيسة الأدراج ولا يتم تنفيذها، مما يجعل المنظمة عاجزة عن حماية الهدف، الذي أنشئت من أجله وهو الدفاع عن القدس ونصرة المسجد الأقصى، فمنذ إنشاء المنظمة والقدس مستباحة للصهاينة ولم يتم إنقاذها ولم تتوقف إسرائيل يومًا عن سياسة التهويد والتشريد، التي تمارسها في القدس الشريف، ولم تتوقف عن الحفريات وتهديد المسجد الأقصى المبارك فأين المنظمة من كل ذلك، للأسف الشديد منظمة المؤتمر الإسلامي مكبلة بقيود التمزق العربي والإسلامي الذي وقف حائلًا دون تحقيق أهدافها التي أنشئت من أجلها. إرادة التغيير المطلوب وفي الجانب المقابل يرى أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتور محمد أبو ليلة أن منظمة المؤتمر الإسلامي لعبت بعض الأدوار السياسية والاقتصادية والثقافية على الساحة العربية والإسلامية، ولم توفق في أكثرها لعوامل عديدة، ويقول: بالنسبة لفلسطين كانت قراراتها من حيث المجموع أفضل من غيرها، وربما بلغت قرارات بعض المؤتمرات العشرين صفحة، تناولت فيها القضية الفلسطينية من جميع الجوانب، وأعطت رأيها بصراحة فيها، إلا أن الملاحظ أن هذه القرارات كانت تذوب عند التطبيق، فلا تجد لها الاستجابة الكافية، فكل دولة كانت تتخذ مسارها تجاه القضية، وتسير لوحدها على ضوء ارتباطها بالغرب، الأمر الذي كان ينعكس حتى على نفس هذه القرارات، فتعمل على التراجع عن المواقف المبدئية السابقة، وربما تحقق الإجماع الإسلامي تجاه قضية البوسنة والهرسك كأقوى ما يكون، واستطاعت المنظمة أن تتخذ منها بعض المواقف القوية، إلا أنها لم تحقق المطلوب بشكل كامل، أما على الصعيد الاقتصادي فإن إنجازاتها يمكن أن تتلخص في القيام ببعض المشروعات الاقتصادية المفيدة للعالم الإسلامي، وفي طليعتها البنك الإسلامي للتنمية وغيرها في حين بقيت بعيدة عن تحقيق هدف السوق الإسلامية المشتركة. ويوضح أبو ليلة أن المنظمة تستطيع أن تلعب أدوارًا أكبر على الساحة الدولية ولكن شريطة أن تتوفر في أعضائها إرادة التغيير المطلوب، والمنظمة يجب أن تحقق عددًا من الأمور حتى يمكنها أن تكون قوة فاعلة ومساندة للحقوق الإسلامية، وفي مقدمتها الانسجام الداخلي المطلوب عبر التقدم في المسارات الاقتصادية والثقافية والسياسية وتجاوز المنافع الضيقة نحو الأهداف العليا، ومعرفة القدرات الهائلة التي تمتلكها الدول الأعضاء والعمل على الاستفادة الأفضل من هذه الامكانات الضخمة، والتدخل بكل قوة في الأحداث العالمية خصوصًا بالنسبة لما يرتبط بالعالم الإسلامي، والتعاون الدولي في مختلف المجالات والإسهام الواسع في حل المشكلات الحضارية القائمة ومن الطبيعي أن تحقيق هذه الأمور الإصلاحية داخل المنظمة لن يتم إلا إذا توفرت بعض العوامل وفي مقدمتها؛ إعادة النظر بكل جدية في النظم التي تحكم نشاطاتها والآليات القائمة واعتماد آليات فعّالة تمتلك القدرة التنفيذية المطلوبة وتعلو على العقبات المصلحية الضيقة لتفرض الواقع المطلوب. ------------------ مدكور: المنظمة لم تقدم شيئًا ملموسًا حتى اليوم في القضية الأم للعرب والمسلمين ويبدي أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة الدكتور عبدالحميد مدكور أسفه من غياب دور المنظمة قائلًا: من يطالع بنود الميثاق الذي يحدد أهداف منظمة المؤتمر الإسلامي ودواعي تأسيسها في عام 1972، لا بدّ أن يبدي انشراحه وإعجابه بمقاصد هذه المنظمة التي يطمح أكثر من مليار ونصف مليون مسلم إلى تحقيقها، عندما اجتمع زعماء وممثلو ثلاثين دولة إسلامية أو مختلطة في العاصمة المغربية في 25 سبتمبر 1969 وذلك إثر الحريق الإجرامي الذي تعرض له المسجد الأقصى على أيدي عناصر صهيونية حاقدة، وكان المحور الرئيسي لهذا اللقاء الإسلامي الأول من نوعه هو السعي بكل الوسائل السياسية والعسكرية لتحرير الأقصى الشريف، وقد توالت في ما بعد الاجتماعات التحضيرية لوزراء خارجية الدول الإسلامية التي اقترحت الميثاق والأهداف، حيث أقرتها القمة الأولى في فبراير 1972م، وقد كان يفترض في أكبر منظمة تضم الآن 57 دولة، وهي التالية في حجمها وعدد دولها بعد منظمة الأممالمتحدة، وبعد انفراط عقد منظمة دول عدم الانحياز أو بالأحرى تهافت دورها، أن يكون لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدور الفاعل والمؤثر على الصعيد العالمي في الذود عن القضايا التي تزداد تأزمًا في العالم الإسلامي، على الأصعدة السياسية والاقتصادية بصورة خاصة، التي يضيق المجال لحصرها، بدءًا من أفغانستان فالعراق ثم القضية الأولى للعرب والمسلمين والمنظمة في فلسطين، مرورًا بدارفور والصومال، دون أن ننسى كشمير والشيشان والبوسنة وكوسوفو والجبل الأسود وغيرها من الأزمات التي ينفرد بها عالمنا الإسلامي، وأليس من حق الشعوب الإسلامية عامة والفلسطينيين خاصة أن يتساءلوا عن دور “لجنة القدس” المنبثقة من المؤتمر الإسلامي في الوقوف بحزم ضد المحاولات الصهيونية المستمرة بحفر الأنفاق تحت حرم المسجد الأقصى؟، للأسف الشديد المنظمة لم تقدم شيئًا مذكورًا ولا ملموسًا حتى اليوم في قضية القدس وهي القضية الأم للعرب والمسلمين. ------------------- عالم: قرارات المنظمة مثل قرارات رب الأسرة الذي لا يملك زمام أمرها ويتندر الناشط الحقوقي الدكتور باسم عالم على ما يراه من عجز المنظمة عن تطبيق قراراتها، ويقول: منظمة المؤتمر الإسلامي هي أكبر منظمة دولية بعد الأممالمتحدة من حيث عدد الأعضاء، والتنظيم الداخلي للمنظمة من حيث المنظمات والمؤسسات المنبثقة عنها قادر على تمرير أي قرارات وتعديلات، إلا أنّ الشكل على ما يبدو يغلب على المضمون. ويؤكد عالم أنّ المنظمة بحاجة إلى المضمون الذي يشتمل على الإرادة الجماعية والإخلاص لله سبحانه وتعالى، إذ كيف للدول الإسلامية وكل منها يعاني داخليًا وسياسيًا واقتصاديًا أن يكون لها دور خلاق وبنّاء وهي تعاني داخليًا، منوهًا إلى أهمية أن تعمل كل دولة على إعادة صياغة مفهوم علاقة الحاكم بالمحكوم، والحكومة بالشعب وأن تكون لها القوة والقدرة على الرعاية السياسية والاجتماعية يمكن من خلالها التعاون مع الدول الإسلامية في المنظمة من جهة وأن تكون المؤسسات التابعة لها مؤثرة في الجهة الأخرى. وحول التوصيات والقرارات التي خرجت بها المنظمة يقول عالم: لن يفلح منها شيء ما لم يكن هناك تنفيذ حقيقي على أرض الواقع، فهي أشبه بقرارات وتوصيات رب الأسرة وجدها الكبير الذي لا يملك زمام أمر الأسرة، فخطابها كخطاب الناصح المنتمي الداعي دون قدرة على إيصال ما تريد. والمضحك في هذه القرارات أنّ كثيرًا منها صادر عن وزراء الخارجية وكأنّهم يخاطبون أنفسهم بصفة التمني ومن ثم يعود كل إنسان ويغلق ملفاته وكأنّ شيئًا لم يكن، وتلك القرارات لا تخرج عن لغة الشجب والاستنكار المعهودة عند المنظمة. وينوّه عالم إلى أنّ المنظمة بطبيعتها ونظامها لا يمكن أن تكون مستقلة فهي تعدّ منظمة حكومية، ومرجعيتها يجب أن تكون مستقلة عن الآخرين، وحالها في ذلك كحال منظمة الأممالمتحدة التي لها أعضاء ومجلس أمن ولا يمكنها أن تتخذ أو تمرر أي قرار إلاّ بالرجوع إليهما، لكنّ عالم يرى أنّ المؤسسات الثقافية والاقتصادية التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي قادرة على أن تتخذ قرارات وتوصيات بمعزل عن الدول وأن يكون لها استقلالية في اتخاذ تلك القرارات. ويحكم عالم بالفشل على الأدوار التي تمثلها المنظمة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، منوهًا إلى أنّ المؤسسات التابعة للمنظمة، التي خرجت من تحت عباءتها كالبنك الإسلامي للتنمية ومجمع الفقه الإسلامي باتت ليست جزءًا منها حيث يعين رؤساؤها من دون الحاجة إلى الرجوع مباشرة إلى الدول الأعضاء. ويقول المنظمة بحاجة إلى ما يمكن تسميته “فياجرا سياسية”، ففاقد الشيء لا يعطيه، وكل دولة لها إشكاليات مع الدول الأخرى. --------------------- الوهيبي: من الصعب الحكم على المنظمة بالفشل والنجاح من حيث القرارات السياسية يبتدر الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي الدكتور صالح الوهيبي، مؤكدًا أنّ لمنظمة المؤتمر الإسلامي دورا سياسيا يتمثل فيما تقوم به من جهود، سواء على مستوى الزعماء أو القرارات أو المصالحات التي تقوم بها، إضافة إلى وجود دور اقتصادي ولعله من أعظم الأدوار ممثلًا في البنك الإسلامي للتنمية وغرف التجارة الإسلامية فهذه برمتها تعدّ مظلّة للمنظمة. ويضيف الوهيبي: هناك دور ديني وثقافي عام تقوم به المنظمة على الصعيد الدولي، والدور الاقتصادي هو أول هذه الأدوار ومن ثمّ يأتي الدور الثقافي الديني وفي الدرجة الأخيرة الدور السياسي، ويعود السبب إلى أنّ المنظمة بالدرجة الأولى تعتمد على الدول الأعضاء من الناحية المالية، ومن ناحية الاستجابة واتخاذ القرارات السياسية، فهي ليست مدعومة بشكل كافٍ من الدول الأعضاء. ويرى الوهيبي أنّه من الصعب الحكم على المنظمة بالفشل والنجاح من حيث اتخاذ القرارات السياسية، منوهًا إلى أنّ هناك جوانب نجحت فيها المنظمة، حتى وإن أخفقت في العديد من الجوانب السياسية. ويستدرك قائلًا: البرامج التي قامت بها المنظمة لحماية الأقصى لا تزال قاصرة، فهي مرهونة بتحرك الدول الأعضاء لأنّها لا تستطيع التحرك إلا من خلالها، فإذا كان دور هذه الدول هامشيًا حتمًا لن يكون هناك أي دور كبير للمنظمة. -------------------- الحارثي: لماذا تغيب المنظمة في ظل الفرقة وتفشي حالة الصراع المذهبي؟ ومن جهته يرى الكاتب الصحافي والمحلل السياسي الدكتور زهير الحارثي أنّ منظمة المؤتمر الإسلامي ما زال دورها غير فاعل رغم أنّها لاقت نوعًا من التفاعل عندما عقد المؤتمر في مكة، ويستغرب الحارثي من غياب دور المنظمة في ظل الاحتدام الكبير الموجود في العالم الإسلامي وفوضى الفتاوى وحالة الصراع المذهبي المعلنة قائلًا: السؤال المطروح أين المنظمة من كل ذلك ألا يفترض أن تدخل لمحاولة وضع حد لهذا الصدام، وليكون جميع هؤلاء على كلمة سواء؟ أنا لا أرى إلاّ التكاسل من قبلها لمعالجة مثل هذا الوقع القائم أو الحيلولة دون وقوعها. ويستدرك الحارثي قائلًا: حتى لا نظلم المنظمة أيضًا ونكون واقعيين، فإنّ دور المنظمة هو محصلة للإرادة الإسلامية للدول الأعضاء فيها، فلم يكن هناك استقلال حقيقي في القرار، إذ لا يمكن للمنظمة أن تنفَّذ القرارات من دون وجود أدوات التنفيذ، دور المنظمة يقع على عاتق الدول، لكن على المنظمة التحرك وذلك من خلال التفاعل مع الدول الأعضاء. ويبيّن الحارثي أنّ القرارات والبيانات الصادرة تجاه قضية المسجد الأقصى ليست كافية، ويفترض أن تنتقل هذه القضية إلى المحافل الدولية لعرضها على المنظمات العالمية وذلك بغرض حشد الدعم لها. ويرى الحارثي أنّ الجانب السياسي في المنظمة كان حاضرًا أكثر من غيره، إضافة إلى الجانب الديني الثقافي لمحاولة إيصال رسالة الإسلام الوسطي المعتدل، والذي يؤكد الحارثي أنّ المنظمة قد قصّرت في تغطية هذا الجانب، ويقول: لم تبيّن صورة الإسلام الحقيقية حيال ما تقوم به القاعدة من أعمال لا تمثل الإسلام في شيء، إضافة إلى قيامها بتوضيح موقفها من قضية صراع الحضارات. ويرجع الحارثي سبب عدم تكوين قرارات سياسية واحدة داخل المنظمة إلى العلاقات غير المستقرة التي تشهدها الدول الإسلامية فيما بينها، مشددًا على تغليب بعض الدول لمصالحها على حساب الدول الأخرى مما سبب التشرذم والتمزّق.