رغم ضخامة الميزانية السعودية وحجم الإنفاق الحكومي وما شهدناه من زيادة بالناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض في الدين العام، ونمو في معظم القطاعات إلا أنها لا تزال مقلقه، وغير مستقرة للأجيال القادمة في اقتصاد يعتمد في إيراداته بنحو 90 في المئة على النفط، وهي مادة قابلة للنضوب. حيث سبق وأشار تقرير الصندوق الدولي الأخير حول التوقعات الاقتصادية والتحديات السياسية في منطقة دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط إلى أن البلدان العربية المصدرة للنفط يجب أن تخطط للحد من الارتفاع في الإنفاق الحكومي حتى لا تتحول فوائض الميزانيات إلى عجز بحلول عام 2017، مستندا على أن تدهورا كبيرا في الاقتصاد العالمي يمكن أن يأتي بتطورات شبيهة بما مرت به المنطقة خلال عام 2009 مع انخفاض حاد في أسعار النفط، وانخفاض تدفقات رأس المال. لا شك أن هذا يدعونا إلى أن نفكر في توظيف هذه الفوائض في استثمار رأسمالي ينعكس على هيكلة الاقتصاد وبقنوات استثمارية جديدة تحاكي المفهوم الجديد للاستثمار، وتضمن استدامة الإيرادات والفوائض. لذا علينا أن نفكر جديا في خطة استراتيجية لتنمية وتنويع مصادر الدخل لتحول الاقتصاد من ريعي إلى اقتصاد صناعي ومنتج، ونضع الآليات المناسبة لتحقيقها فرغم جمال الفوائض الحالية إلا أنها مسكنات ومفعولها لن يدوم طويلا، فتجربة نمور آسيا كشفت أن التنمية المستدامة بدأت بوضع الخطط الاستراتيجية، وشاركت جميع الجهات التنفيذية في وضع الخطط وآليات تنفيذها وتمويلها، والأهم أنه تم الالتزام بها ومتابعة تنفيذها ونتائجها. على الجانب الآخر، أعتقد أننا في المملكة ما زلنا نعاني من غياب العمل التكاملي الحقيقي، بل هناك عمل «تصادمي» ما بين القطاعين الخاص والحكومي وهذه حقيقة يجب أن نواجهها، لأن أساس التنمية المستدامة ليس بزيادة إيرادات الدولة أو نمو الناتج المحلي الإجمالي، بل بالعمل المؤسسي التكاملي، وهنا تكمن الإشكالية فلدينا رغبة ودعم من القيادة يزيدان من حجم المسؤولية على الأجهزة التنفيذية، فكل الإمكانيات متوفرة وبقي صدق العمل.