أجمع اقتصاديون في ندوة «عكاظ» في المكتب الإقليمي في الرياض أمس، بعد صدور الميزانية، على متانة الاقتصاد الوطني وقدرته في مواجهة الأزمات والصعوبات، وأكدوا أن الفائض الذي قدر ب108 مليارات ريال يؤكد حكمة السياسة المالية التي تتخذها المملكة، وطالبوا باستخدام الفائض في تقليص الدين العام، وإطلاق المزيد من المشاريع الخدمية، وزيادة الاحتياطات المالية للمملكة لتكون خير سند في ظل مواجهة الأزمات. وأشاروا إلى أهمية تفعيل الدور الرقابي على المشاريع التنموية للحد من التعثر والاستفادة الحقيقة من الإنفاق الحكومي على قطاع البنى التحتية، مبينين أهمية دمج شركات قطاع المقاولات للحصول على كيانات كبيرة قادرة على مواجهة الطلب القوي على تنمية البنى التحتية في المملكة. وفيما يلي تفاصيل الندوة: • ماهي القراءة الأولية لميزانية هذا العام؟ د. أسامة قباني: أسال الله عز وجل بأن يعود خادم الحرمين الشريفين والد الجميع وقائد التنمية الحقيقية للوطن إلى وطنه بثوب العافية، أما فيما يتعلق بالميزانية فإنها ركزت هذا العام بشكل أساسي على التعليم والصحة من خلال زيادة الإنفاق في هذين القطاعين، لأنهما من القطاعات التي تلامس حاجة الإنسان الضرورية، مما يؤكد أن الإنسان هو محور التنمية ومحور الخطط التنموية. دعم الاقتصاد عبد الحميد العمري: إن السياسة المالية?للحكومة استمرت في اتجاهها الذي أعلنته منذ نهاية 2008م بدعم الاقتصاد الوطني، والتركيز على مواقعه الحيوية المرتبطة بالتنمية المستدامة، وتعزيز مستويات الرفاهية للمواطنين، والأخذ بيد القطاع الخاص في مواجهة تداعيات الأزمة المالية العاصفة، التي أحدثت إرباكا عالميا غير مسبوق على مستوى الاقتصاد العالمي، وبدا ذلك جليا في مساهمة الإنفاق الحكومي نسبة?إلى الاقتصاد الوطني بنسب فاقت 40 في المائة من حجم الاقتصاد السعودي، هذا عدا الدور الرئيس الذي ساهمت من خلاله الدولة في دعم استقرار الاقتصاد العالمي طوال الأزمة المالية العالمية التي تدخل عامها الثالث، سواء عبر دورها الريادي في مجموعة العشرين الكبرى، أو عبر دورها الرئيس في مجموعة الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي، وهو الخط الذي رسمته السعودية?منذ أربعة عقود؛?سواء عبر سياستها النفطية?واستعدادها الدائم لدعم استقرار احتياجات الاقتصاد العالمي من النفط، وحرصها الكبير على ألا تتأثر الأسواق بأية تداعيات سلبية نتيجة التباين في قوى العرض والطلب، أو عبر شراكاتها التجارية مع مختلف دول العالم والذي تتوج بانضمامها المستحق لجموعة الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، ومؤخرا عبر سياساتها السخية في توطيد أسباب استقرار الاقتصاد السعودي كأهم وأكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، إنها أدوار وسياسات انتهجتها المملكة طوال العقود الماضية، استندت فيها جميعا إلى إدراكها وشعورها بحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقها تجاه العالمين العربي والإسلامي، وتجاه دول العالم الناشئة، وتجاه الدول المتقدمة، دون الإخلال بمعادلة التوزان الدقيقة التي عملت وتعمل وستعمل على بقائها متوازنة لما فيه تعزيز وتوطيد استقرار اقتصادات أي من تلك المواقع والأجزاء من الاقتصاد العالمي. ارتفاع الإيرادات خالد الجوهر: استنادا لقراءاتنا الأولية، حققت الميزانية لهذا العام فائضا يقارب 108 مليارات ريال، وذلك نتيجة لارتفاع الإيرادات النفطية بسبب ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير هذا العام، فقد ارتفع معدل سعر النفط من 65 دولارا في العام 2009 إلى 80 دولارا في العام 2010 (أي بنسبة 23 في المائة). أما الإيرادات غير النفطية حققت لها بعض الانخفاض الطفيف بسبب تراجع نسبة الفوائد على أدوات الدين العالمية، لكن ذلك لن يكون مؤثرا كون الانخفاض في نسب الفائدة لم يكن كبيرا مقارنة بالعام الذي سبق، علاوة على زيادة حجم موجودات المملكة الخارجية نتيجة لزيادة الإيرادات من تصدير النفط. بناء عليه، فيما بلغت الإيرادات الإجمالية ?742 مليار ريال هذا العام. ومن جانب النفقات، زادت نسبتها إلى 13 في المائة لتصل 113 مليار ريال نتيجة لبروز بعض النفقات العسكرية والأمنية، علاوة على تسريع وتيرة الإنفاق على المشاريع الممولة من الدولة. انعكاس إيجابي للفائض • كيف تقيمون سياسة الإنفاق الحكومي العالية هذا العام بالمقارنة مع الأعوام السابقة؟ د. أسامة قباني: إن السياسة المالية الحكيمة التي تعمل بها الحكومة انتجت هذا الفائض الكبير في ميزانية هذا العام والذي سيكون لها انعكاس إيجابي في تخفيض الدين العام للدولة إلى ما نسبة 10 في المائة من الناتج القومي المحلي، وأثبتت المملكة أن سياستها المالية المدروسة والقائمة على التخطيط أنتجت الكثير من المشاريع التنموية مع الانعكاس الإيجابي للنمو الاقتصادي المحلي. عبد الحميد العمري: جاءت الميزانية استمرارا لنهجها المقرر منذ نهاية 2008م بالتركيز على البنى التحتية، والإسراع في تجهيز احتياجات الاقتصاد والمجتمع المحلي منها، وكما يتبين فقد أفاد كل ذلك المحصلة النهائية للاستقرار الاقتصادي للبلاد، وزاده مناعة تجاه المخاطر الكبيرة التي أودت بالكثير من توازنات الاقتصادات حول العالم. إنها انعكاس قوي لالتزام الحكومة بضرورة ضخ المزيد من الإنفاق المباشر?أو التمويل عبر مؤسساته وصناديقه التنموية?في مختلف قنوات الاقتصاد الحيوية، لا شك أنها ستعزز من استقرار الاقتصاد، وتخفف كثيرا من حدة تداعياتها السلبية على مستوى دخل الفرد، وتؤهله بحول الله للمضي قدما نحو آفاقٍ أكثر في خياراتها التنموية المشروعة والمأمولة. تقليص الدين العام د. فهد بن جمعة: فيما يتعلق باستخدام الفائض في تقليص الدين العام، أعتقد أنه يجب الاستفادة من الفائض في تقليص الدين العام بشكل بسيط بحدود 30 مليارا، واستخدام الباقي في زيادة الاحتياط للدولة وزيادة الموجودات النقدية للمملكة من خلال استثماره في سندات محدودة المخاطر. وفيما يتعلق بتركيز الميزانية على قطاعي التعليم والصحة وتلافي تعثر المشاريع، يجب أن لا نكون حساسين في جانب تعثر المشاريع التي تكون تعثرها بحسب الوقت البسيط، هناك تأخير ولكن ليس بالشكل الظاهر، وأعتقد أنه يجب على الشركات أن يكون لها دور حقيقي في تنفيذ الجيد للمشاريع من خلال الاستفادة من التقنية والمعرفة. التركيز على التعليم خالد الجوهر: ركزت الحكومة في موازنة هذا العام على التعليم والتعليم العالي بتخصيص 26 في المائة من حجم الموازنة لهذا القطاع، وهذا برأينا توجه إيجابي ويعبر عن استثمار استراتيجي في الإنسان السعودي نتوقع أن نجني ثماره على المدى البعيد، وبما أن هذا النوع من الاستثمار يتميز بطول الأجل، فإننا نتوقع استمرار تخصيص نسب عالية من الموازنة للقطاع التعليم، والمجالات الأخرى للإنفاق نتوقع لها أن تركز على المشاريع التنموية خاصة تلك المتعلقة بالإسكان، للمساهمة في توفير المساكن المناسبة للمواطنين وتنمية الأماكن البعيدة عن العاصمة، بعد ذلك تأتي الإنفاقات على الصحة التي توليها الحكومة أهمية خاصة، إضافة إلى النقل والمياه والطاقة وغيرها من القطاعات الحيوية. ?إدارة إيجابية للفائض • كيف يمكن الاستفادة من هذا الفائض؟ د. أسامة قباني: إدارة الفائض بشكل إيجابي مطلوبة وخاصة في عملية تخفيض الدين العام إلى نسبة معقولة مقارنة مع الناتج القومي، إضافة إلى وضع جزء من الفوائض المالية كاحتياط عام للدولة. عبد الحميد العمري: لعبت الفوائض المالية القياسية للمالية العامة?دورا بارزا?في زيادة حصص الإنفاق الرأسمالي، والتي استهدفت تطوير وتوسيع قاعدة البنية التحتية للبلاد والاقتصاد الوطني، حيث بلغت قيمة تلك الحصص خلال الفترة (20032009) نحو 634.4 مليار ريال، مسجلة ارتفاعات نسبية من إجمالي مصروفات الدولة للفترة من نسبة 13 في المائة من الإجمالي خلال العام 2003م، إلى أن تجاوزت نحو 30.2 في المائة من الإجمالي خلال العام 2009م، فيما سجل الفائض لهذا العام والذي بلغ نحو 108 مليارات ريال، أي ما نسبته 25 في المائة من إجمالي المصروفات الحكومية خلال العام. إن كلا التوجهين السابقين المتمثلين في سداد الدين الحكومي من جانب، ومن جانب آخر التوسع في الإنفاق الرأسمالي ساهما بصورة ملموسة في تعزيز استقرار الاقتصاد الوطني، وزادت من صلابته في مواجهة تداعيات الأزمة المالية الشرسة، حيث أدت عمليات السداد إلى زيادة السيولة المحلية في الاقتصاد، وإلغاء ما عانت وتعاني منه عموم الاقتصادات حول العالم من مزاحمة القطاع الحكومي للقطاع الخاص على السيولة المتاحة في الاقتصاد، وفي جانب الزيادة المطردة في الإنفاق الرأسمالي على البنية التحتية، فقد ساهمت بقوة في العمل على توسعة حجم الاقتصاد الوطني، وزادت قدراته الإنتاجية، إضافة إلى أنها لعبت دورا حاسما وبصورة أكبر تحت تداعيات الأزمة المالية العالمية في إيجاد فرص الاستثمار وتعزيزها، وزادت في رصيد عوامل جاذبيته أمام المدخرات الوطنية لتأسيس المزيد من المشاريع المتعلقة بالإسكان والطرق والمطارات والسدود والعديد من متطلبات التنمية المستدامة والشاملة للبلاد والاقتصاد الوطني. تخفيض البطالة خالد الجوهر: برأينا أن أفضل أوجه الاستثمار هو في إيجاد مشاريع إنتاجية تساهم في تخفيف نسبة البطالة بين الشباب وكذلك في تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين لا سيما الصحة والتعليم كي يشعر المواطن بشكل ملموس بالمكاسب المتحققة. • ركزت الميزانية على قطاعات التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والخدمات العامة، كيف يمكن تسريع المشاريع التنموية في هذا القطاعات مع تلافي بطء تنفيذ المشاريع؟ د. أسامة قباني: الحقيقة أن الحكومة تنفذ مشاريع تنموية كبرى.. ولكن من جانب التنفيذ نحتاج إلى شركات تكون مؤهلة بشكل جديد للتنفيذ.. وأدعو من هذا المنبر رجال الأعمال إلى مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه قطاع المقاولات وذلك من خلال دمج الشركات الصغيرة لتكون كيانات كبرى للاستفادة من المعرفة والموارد لدى الجميع. عبد الحميد العمري: أعتقد أن مزيدا من الرقابة والمتابعة والمحاسبة أمر مطلوب، وعلى مستوى عال من الأهمية القصوى،?ولعل دور ديوان المراقبة هنا هو المعني بضرورة القيام بهذه المهام الجسيمة، وأخذها بعين الاعتبار. أيضا على القطاع الخاص الموكلة إليه عقود تنفيذ تلك المشاريع الحيوية أخذها على محمل الجدية القصوى، مع ضرورة قيام الجهات الحكومية المتعاقدة معها بمراقبة ومتابعة درجة إنجازها، والكشف عن تلك التطورات للمجتمع والرأي العام بما تحقق، وبما تأخر إنجازه، وهنا يأتي دور ديوان المراقبة، بمتابعة هذه الجزئية والتأكد من الالتزام بها، ووضع الإجراءات للمحاسبة والمتابعة في موقع التنفيذ على أي جهة مقصرة. كما لا ننسى دور مجلس الشورى في جانب مهامه ومسؤولياته على مستوى التأكد من تنفيذ تلك المشاريع والمناقصات الحيوية الهامة جدا، والالتفات إليها بالمزيد من الاهتمام والعناية والبحث عن حل أي معوقات من شأنها تعطيل أو تأخير عجلة التنمية، ووضع الحلول الملائمة لها، وكل هذا مجتمع ممثل في?سلة الجهود المبذولة من قبل كافة الأطراف يجب أن يكون واضحا ومعلنا بشفافية عالية كجزء من تحمل المسؤولية تجاه القيادة الرشيدة والمجتمع السعودي. ضيوف الندوة: الدكتور أسامة قباني عضو مجلس الشورى. عبدالحميد العمري عضو جمعية الاقتصاد السعودي. خالد الجوهر الكاتب والخبير الاقتصادي. د. فهد بن جمعة الكاتب والخبير الاقتصادي.