صحا اللبنانيون صبح الجمعة على تفجير ضخم أودى بحياة الوزير السابق والسياسي المعتدل محمد شطح، مع رفاقه، ومع أكثر من سبعين جريحا. هذا التفجير يعيد إلى أذهاننا الاغتيالات التي لم تترك رمزا في لبنان إلا واغتالته، من كمال جنبلاط، وإلى رفيق الحريري، وبشير الجميل، وجبران تويني، وبيير الجميل، وسمير قصير، ووسام الحسن، والآن تمتد اليد لتصل إلى الوزير المعتدل صاحب المبادرات والمفاوضات بين المتخاصمين. محمد شطح، ولئن انتمى إلى تيار 14 آذار تنظيما واسما، غير أن استقلاليته واضحة وضوح الشمس، من خلال تمييزه لنفسه حين تنشب الأزمات، تجاوز الطائفية المقيتة، وافتخر بسنيته، لكن من دون أن تثنيه عن الانفتاح على التيارات الأخرى. الكل سيرثيه من السياسيين بطبيعة الحال، لكن السؤال من الذي يحرض؟! ومن الذي يمارس هذا التجييش ضد الساسة والرموز في لبنان؟! العجيب أن الأسماء التي اغتيلت كلها كانت معتدلة. الاسم المتطرف يبقى سواء لجهة اليمين أو اليسار، كل الأسماء التي اغتيلت من 2004 وإلى اليوم ليست أسماء دموية، أو متطرفة، أو صاحبة خطاب متشنج، من رفيق الحريري إلى وسام الحسن إلى محمد شطح، هل يدلنا هذا على أن الاعتدال لا مكان له في بيئة سياسية حادة مثل لبنان؟! الأصوات الحادة تعيش في بحبوحة من الأمن، بينما يكسر قلم جبران تويني، ويغتال اسم سمير قصير، ويقبر جسد رفيق الحريري! المشكلة هنا تعيدنا إلى سوسيولوجيا لبنان التي درسها سمير قصير في كتابه الكبير : «تاريخ بيروت»، وتعيدنا إلى أطروحة الراحل غسان تويني : «حروب الآخرين في لبنان»! قدر لبنان أن يعيش في مكانٍ خطر، وأن يغتال أهله بعضهم بعضا، هذا البلد الغض الذي كان موئلا للباحثين عن الحب، والجمال، والشعر، للباحثين عن الطبيعة والمناخ الجميل، كل لبنان الجمال الذي كان في منتصف القرن العشرين يذبل الآن مع بدء السنة الرابعة عشرة من القرن الحادي والعشرين. رحم الله جبران تويني حين قال: «لكم لبنانكم ولي لبناني»، هذا لسان حال كل محب للبنان تؤلمه مشاهد التفجير، والتهشيم، والاغتيالات.