كلما ضيَّقت على الناس سبل العيش الكريم وأقفلتَ في وجوههم الطرق النظامية لقضاء حوائجهم المشروعة، كلما فَتَحتَ أمامهم أبواباً خلفية للفساد، وأجبرتهم على الدخول منها قسرا تحت ضغط الحاجة، مع ما يترتب على ذلك من إفساد للذمم، وخسارة للأموال، والوقوع تحت طائلة الأنظمة. ومنذ فترة ليست قصيرة يشتكي مواطنون من الوضع السابق الذي قد يدفع بعضهم دفعاً لسلك أساليب تخالف قناعاتهم وتصطدم مع الأنظمة، ولكنهم يعتقدون أنهم مجبرون عليها بسبب ما يعتبرونه تعنُّتاً من الشركة السعودية للكهرباء التي يرون أنها تُضيِّق واسعاً عليهم برفضها تركيب عدادات كهرباء إضافية لمنازلهم التي أنفقوا الملايين لإنشائها، وتم تشييدها وفق تصريح بناء وحدات سكنية منفردة؛ لاستبعادهم في حينه احتمالية حاجتهم لتقسيمها مستقبلا. موقف شركة الكهرباء الرافض لتجزئة التيار أدى لرواج سوق سوداء لتحقيق ما عجز «النظام» عن تحقيقه لأولئك المواطنين وذلك باستخدام طرق تحايلية تشمل الاستعانة «بخدمات» بعض فنيي الكهرباء لإجراء «تعديلات» على العدادات من شأنها إعطاء قراءات غير صحيحة تقلل من احتساب مقدار الاستهلاك الفعلي!. الأخطر من ذلك هو تجرؤ بعض ضعاف النفوس على سرقة وبيع التيار الكهربائي للمتضررين من سياسة الشركة مقابل مبلغ يخضع للتفاوض ويدفع لمرة واحدة، ويتم ذلك بتمديد كابلات التيار من كبائن الكهرباء الفرعية ومن ثم توصيلها مباشرة لطبلون الكهرباء الرئيسي الخاص بالبيت بدون أن تمر على العداد وبالتالي فهي كهرباء.. ببلاش! لأنه لن يتم إصدار فواتير عليها أو احتساب أية تكلفة على استهلاكها!، الأمر الذي يعتبر جريمة سطو «مكهرب» لا تبررها الحاجة، وقد تكون أحد أسباب الخسائر المزمنة لشركتنا العتيدة!. تجدر الإشارة هنا إلى أن العامل المشترك بين تلك البيوت هو اتساع مساحتها نسبيا على نحو أتاح لملاكها تقسيمها «داخليا» لوحدتين أو أكثر، لكل منها مدخله المستقل وذلك عندما برزت الحاجة لتأجيرها أو لتسكين من يتزوج من الأبناء فيها على ضوء ارتفاع أسعار الإيجارات، وغلاء أسعار الأراضي داخل النطاقات العمرانية للمدن، والزيادة المضطردة على كلفة البناء وقيمة مستلزماته. ولأن معظم تلك المنازل تعتمد حاليا على عداد كهرباء واحد، لا يكفي غالبا حاجة المسكن بعد تقسيمه، لذلك فإن إصرار الشركة على رفض مطالب تجزئة التيار قد ترتبت عليه أضرار دائمة لا تتوقف عند الانقطاعات المتكررة بسبب زيادة الأحمال بل أيضا في ارتفاع مستمر على معدل الاستهلاك والذي ينعكس بدوره على زيادة مبلغ الفاتورة الشهرية هذا إضافة لإثارة الخلافات بين السكان على توزيع قيمة الفاتورة المشتركة. والملفت هنا هو أن الشركة لا تمانع في الإجراء العكسي، أي «تقوية» التيار على العدادات الوحيدة لتلك البيوت لأن ذلك يصب في مصلحتها نظراً لأنه يؤدي لزيادة التعرفة وبالتالي ارتفاع قيمة الاستهلاك!. ومما لا شك فيه فإن هناك سببا لامتناع الشركة عن تجزئة كهرباء تلك المنازل، ولكنه سبب جدلي في رأي الكثيرين وبالإمكان إيجاد حلول نظامية وتنظيمية؛ عادلة وعملية لتجاوز هذه العقبة والتيسير على المواطنين مثل زيادة قيمة التعديل المطلوب عن السعر المعتاد، الأمر الذي سيسهم أيضا في زيادة دخل الشركة، وحلحلة أزمة السكن المتنامية عن طريق زيادة الطاقة الاستيعابية للبيوت القائمة، وتحقيق العدالة بين السكان بشأن توزيع مبلغ الفواتير. ويرجع سبب رفض شركة الكهرباء مطالب أولئك المشتركين إلى اشتراطها حصول مالك المسكن على موافقة البلدية على تقسيم البيت، الشرط السابق قد يبدو منطقياً في ظاهره ولكنه على أرض الواقع ليس كذلك لأن البلديات بدورها تشترط أن تكون تلك المنازل قد تم بناؤها وفقا لتصاريح بناء متعددة الوحدات في حين أن تلك البيوت قائمة فعليا، وتم تقسيمها، ومن الصعوبة بمكان تعديل تصاريح بنائها لتتوافق مع متطلبات شركة الكهرباء والبلديات. ختاما، فإن استمرار الوضع السابق دون حل أوجد سوقا سوداء أخرى تتمثل في استعانة بعض المتضررين «بخدمات» بعض المكاتب الهندسية التي لا تختلف خدماتها عن خدمات فنيي الكهرباء!، وبذلك تتسع دائرة التجاوزات والفساد والإفساد، مع استمرار دوران أصحاب تلك المساكن في حلقة مفرغة من الأنظمة الجامدة التي لا تراعي المتغيرات الديموجرافية والاقتصادية ولا المصالح العامة والخاصة!.