لعقود خلت، لم يجد الأدباء والشعراء العرب في التكنولوجيا الغربية المتنامية بوتائر مدهشة ما يرفد نصوصهم بأية قيمة مضافة على المستويين المعرفي والجمالي. ذلك أن الكشوفات العلمية والتقنية الوافدة لم تكن سوى نتاج طبيعي للعقل الغربي الذي عرف منذ عصر النهضة كيف يتخفف من الشعوذة والجهل والتخلف، ويبني عمارته فوق أرض آهلة بالتأمل والتنوير والاستبصار. في حين أن العقل العربي ظل عاطلا عن العمل بفعل هيمنة الأمية والفقر والاستبداد على الواقع السادر في ظلامه. لقد بدا ما كتبه معروف الرصافي وأحمد شوقي عن القطار والطائرة والسيارة وغيرها في مطالع القرن الفائت أقرب إلى المحاكاة السطحية لروح العلم النابتة في مكان آخر، وتأكيدا غنيا بالدلالات على انفصال الشعر عن موضوعه المتناول، حيث اقتصرت القصائد والمقطوعات الشعرية على التوصيف الخارجي السطحي والانبهار بالتقنيات الحديثة. سيمر وقت طويل بعد ذلك قبل أن يعلن الشاعر التونسي يوسف رزوقة «حالة الطوارئ»، داعيا في بيان شعري تأسيسي إلى كتابة جديدة تفيد من المنجز العلمي و«مخالب التكنولوجيا» وكل ما تجود به الشبكات العنكبوتية للاتصال، وهاتفا في إحدى قصائده «انظر بطاقتك الممغنطة القديمة/ ما امحى الأثر الإلكتروني، مضمون اتهامك، من رواسبها/ لتنجو من غد هو ليس لك». لكن الشعر الذي يمشي، وفق نوفاليس، عكسيا مع الزمن سيبدو مرة أخرى غريبا عن موضوعه ومقحما نفسه في ما ليس من طبيعته، وهو الكائن البري المتصل بفوران الدم وتوتر العصب وبراءة اللغة. قد تكون المسألة مع النثر والسرد والنص المفتوح أقل خطورة على الأرجح. فكتاب الإعلامي رامي الأمين «معشر الفسابكة» ينجح في تقديم صورة دقيقة وطريفة عن العلاقات الافتراضية السريعة التي تقوم بين البشر. وكتاب أحمد بيضون الأخير «دفتر الفسبكة» يقدم إضافة معرفية هامة حول طبيعة النصوص التي يقترحها الفيس بوك على الأدب والشعر. أما الشاعر اللبناني عقل العويط فيقدم في كتابه الجديد «سكايبنغ» أحد أكثر نصوصه السردية تألقا واحتفاء بالعاطفة، متخذا من شبكة السكايب الذريعة الملائمة للحوار العميق والمكثف مع المرأة المعشوقة والملهمة.