ونحن على مشارف إعلان ميزانية المملكة للعام 2014م. وقد سبق الإعلان عن الميزانية المنتظرة توقعات خبراء الاقتصاد، التي أجمعت على أن تكون الأعلى إنفاقا ليس عن ميزانية 2013م فحسب بل في تاريخ المملكة حيث بشرت تلك التوقعات، أن يرتفع إجمالي الميزانية نفطيا وغير نفطي إلى 1.16 تريليون ريال بفائض قدره 290 مليار ريال، ورغم تحفظات الأرقام التقديرية المرتبطة بتقلبات حالة سوق النفط العالمي ندرك أن مستقبل أداء الاقتصاد السعودي سيظل إيجابيا قويا. وهذا لا يمنع من أخذ الحيطة تحسبا لمحاذير التخوف والقلق على الاقتصاد النفطي في الأساس تلزمه الحماية من تلك التقلبات عن طريق الاحتفاظ بفوائض مالية وقائية لمواجهة ذلك للاهتمام بتطوير وتنويع المصادر غير النفطية، وهذا ديدن السياسة المالية للمملكة، التي أكدت على أهمية ترشيد الإنفاق الحكومي ومكافحة الفساد المالي والإداري حرصا على جودة وكفاءة الإنفاق، مما بوأ الاقتصاد السعودي المرتبة الرابعة عالميا، من حيث وضع الاستثمار والثالث كأكبر اقتصاد عالمي في إجمالي الأصول الاحتياطية، التي تزيد بأكثر من 9 أضعاف إجمالي الأصول الاحتياطية لمنطقة اليورو. ويتوقع صندوق النقد الدولي محافظة المملكة على مركزها المتقدم عالميا في فائض الحساب الجاري، فكل تلك الطفرات الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد الوطني تؤكد أن سياسة المملكة المالية جيدة وتمضي في مسارها الصحيح. فقد أسهمت الخطط الجادة في تحقيق هذا التفوق الملحوظ، ومع ذلك يبرز للأذهان سؤالان حائران يبحثان عن إجابة مقنعة يطمئن إليها الجميع!! علمتنا تجارب ميزانيات الأعوام الماضية أن حكومتنا الرشيدة تتبنى عبر كل ميزانية مشروعات جديدة، إيذانا بدخول مرحلة جديدة من زيادة الإنفاق على ملفات عديدة كاستكمال مشروعات الطاقة والبنية التحتية، وضرورة الدعم المالي لصندوق التنمية العقاري لحل مشكلة الإسكان، وتنفيذ مشروعات وقائية لحماية المدن من أخطار السيول وإعطاء أولوية خاصة للقطاعين الزراعي والصناعي، وذلك لخلق قنوات جديدة تسهم هي الأخرى في رفد شرايين الاقتصاد الوطني. علما بأن الاقتصاديين يوجهون إلى ضرورة أن يتم تحويل جزء كبير وحصة وافرة لزيادة الإنفاق على المشروعات الحيوية والصناعات المختلفة ولتحقيق هذا الهدف وإنجاز تلك المشروعات لا بد من الاستفادة من الشركات العالمية، ولا يكفي الاعتماد على الشركات المحلية وهذا خير ضمان لتفادي عمليات التعثر في إنجاز تلك المشروعات ولا بد من استثمار جزء من فوائض الميزانية العامة للدولة للتوسع في قطاعات الإنتاج. مما سبق من حقائق وتوقعات، يتضح جليا أن تحويل الفائض إلى الاحتياطي يؤمن مسيرة الأوضاع المالية المستقبلية، إذا طرأ طارئ وكان سببا لا سمح الله في شح الموارد النفطية. وهذا بلا شك خير تفكير وأفضل تدبير يذكرنا بالمثل القائل (القرش الأبيض لليوم الأسود) ومع احترامنا لهذه السياسة التي ما أجيزت إلا بعد دراسات سكب فيها خبراء الاقتصاد عصارة تفكيرهم وخلاصة خبرتهم، وقد أثبتت نجاحها من خلال المكانة العالمية المرموقة التي تبوأتها مملكتنا. ولكن هذا لا يمنع المواطن العادي أن يتحسس طريق الآمال ودروب الأحلام التي قد توصله إليها سياسة تحويل الفائض، وكيف ستخدم تطلعاته وأحلامه المشروعة، فهناك ما يؤرقه ويشعره بأن ثمة ما ينقصه، وأكبر هاجس يؤرقه يتمثل في مشروع الإسكان، فحلم المواطن يدور حول امتلاك سكن يؤويه ومنزل يكفيه هم الإيجارات الباهظة الارتفاع، ومن هواجس المواطن الملحة أيضا أن تكون ميزانية الخير الجديدة متضمنة بندا يدعم آليات درء خطر البطالة المتفشية. فمن المفارقات غير المنطقية أن معدل البطالة المرتفع في السعودية، لا ينسجم مع حجم النمو الاقتصادي المرتفع والموارد المتاحة، ومن المتوقع زيادة نسبة معدل البطالة نتيجة تزايد أعداد الخريجين وكثرة الداخلين إلى سوق العمل من الجنسين.