يسألني كثير من الصحفيين في حواراتهم عن كيف بدأت القراءة أو الكتابة. ودائما أكتشف بعد الحديث أني نسيت أهم شيء، وهو أنني أول عهدي بالقراءة وجدت في مكتبة المدرسة روايات مثل روبنسون كروزو ومرتفعات ويذرنج ورحلات جاليفر وكوخ العم توم وديفيد كوبرفيلد وأوليفر تويست وغيرها مبسطة باللغة العربية والإنجليزية أيضا. قرأتها بشغف، وكانت أحيانا تقدم لنا في المدرسة كهدايا حين نتفوق في مادة دراسية أو كل المواد. عرفت من البداية أن هذه النسخ مبسطة، أجل، لقد تم تبسيط الرواية الأصلية ليقرأها الناشئة في أوربا والعالم. ولأنه في مصر كانت حركة ناشطة للترجمة ذلك الوقت، الخمسينات من القرن الماضي والستينات، فكانت هذه الروايات المبسطة تصل إلينا بالعربية. لكني أيضا رحت منذ كنت في الثانية الإعدادية أقرأها في لغتها الإنجليزية، وأحيانا أترجمها لنفسي من باب تعلم اللغة الإنجليزية. أصبح سعيدا جدا وأنا اكتب على ظهر الكراس ترجمة الشاب الصغير... ثم بعد ذلك تضيع الترجمة التي طبعا لم تكن بمستوى كبير، لكن تبقي الروايات في روحي، فأبحث عن الروايات الأصلية مترجمة وغير مترجمة. حين تقدمت في العمر قليلا وصرت في المدرسة الثانوية أقلعت عن قراءة الروايات المبسطة، وصارت الروايات الأصلية هي هدفي، لكن ظل سؤال يلازمني كل هذه السنين: لماذا لا يكون ذلك في بلادنا؟ لا أقصد تبسيط الروايات العالمية فهو موجود، لكن تبسيط الروايات العربية وما أكثرها. تعاني الرواية العربية من الرقابة في كثير من البلاد في بعض المعارض العربية وفي غير المعارض. ومن ثم لا تعبر الروايات كل الحدود إلا قليلا. كما أن الروايات لا تقرر على طلاب المدارس، خصوصا مراحل التعليم الأساسي قبل الجامعة، لما فيها من مشاهد ومواقف قد يراها القائمون على التعليم مفسدة للأخلاق. هم الذين يرونها كذلك، والحقيقية أنها ليست كذلك، فالإبداع رغم أنه قد يهز روح صاحبه ونفسه، لكنه في الحقيقة يجعل أرواح القراء أكثر سوية، ولكن فكرة مفسدة الأخلاق هذه تجعل وجود الروايات الأصلية في المكتبات المدرسية أمرا عسيرا. لذلك أسال هذا السؤال وهو: لماذا لا تتم عملية تبسيط للروايات كما يحدث للروايات العالمية في الخارج. يحدث ذلك في الخارج رغم أنه لا توجد رقابة على الكتب ولا على أي شيء، لكن المسألة في الخارج هي أن فهم الرواية الأصلية سيكون ثقيلا على الناشئ الصغير، كما أن لغة الكتابة قد تكون وغالبا ما تكون صعبة في أن يتلقى صبي صغير ظلالها، وهذا أيضا موجود في الرواية العربية، ومنها ما هو مستغلق كثيرا على القارئ العادي فما بالك بالناشئة! إذن، تبسيط الروايات العربية أمر هام لو انتبه إليه الناشرون ووزارات التعليم التي يمكن أن تكون هي وراء هذا المجهود كله، لتستقر آلاف النسخ المبسطة في النهاية في مكتباتها في كل الوطن العربي. الناشرون الذين حين يعرفون أن مكتبات وزارات التعليم ستشتري الكثير من النسخ سيسعدون جدا. وهذه النسخ المبسطة سيكون عبورها سهلا وطبيعيا بين الحدود العربية، وستكون من المقتنيات السريعة في مكتبات المدارس قبل الجامعة. وما أكثر هذه المكتبات في البلد الواحد، فما بالك بالبلاد العربية كلها. وطبعا لا أظن أن الكتاب سيعترضون على ذلك، فستتسع مساحة قرائهم بما لا يحلمون. وفي هذه الحالة تصل الروايات بأحداثها الرئيسية إلى النشء الذين قد تستهويهم القراءة بعد ذلك، خصوصا إذا أحسن تبسيط الروايات وصارت مشوقة وأخرجت إخراجا فنيا جميلا وزينتها بعض الصور بين صفحاتها. على هذا النحو أيضا ستنتهي الشكوى من اضطهاد الروايات في الرقابة، فهناك الآن طائفة جديدة من القراء، طائفة كبيرة، لم تكن موجودة من قبل. ولا ظلم ولا افتئات على الرواية الأصلية لأن كل شخص يعرف أن رواية النشء مبسطة بينما الرواية الأصلية تنتظره يوما ما. في عالمنا العربي فقط توجد كتب هي قصص للأطفال والروايات للكبار. وإذا وجدت قصص للناشئة فهي مؤلفة لهم مباشرة وليست هي الروايات العربية الشهيرة مبسطة لهم. إذن يستطيع مؤلفو قصص الأطفال، وهم في الحقيقة نابهون فيها، أن يكونوا هم من يقومون بهذه المهمة. المهم أن تعهد لهم وزارات التعليم بذلك أو وزارات الثقافة متعاونة مع دور النشر. أقصد أن لدينا الخبرات في مخاطبة الأطفال والنشء بما نريد، وأذكر مؤلفي قصص الأطفال بالذات لأنهم الأكثر خبرة في التعامل مع الأعمار الصغيرة. تخيل أنت الأطفال والناشئة يعرفون كتاب بلادهم الكبار كم سيسعدون بعد ذلك حين ينضجون فيجدون ما قرأوه مبسطا، كاملا أمامهم، لا بد أنهم سيقبلون أيضا على قراءته من جديد. وهكذا في كل الأحوال سيزداد الإقبال على القراءة وستنشط حركة البيع للكتب نشاطا كبيرا. وكما ستصبح مسألة الرقابة على الكتب مسألة ثانوية وستصبح كذلك في البيوت، فطبيعي حين يشتري الأب أو الأم لابنه الصغير، أو ابنته طبعا، كتابا مبسطا، طبيعي أن يكون مطمئنا ولا يظل يراقب ماذا يقرأ، ويرتاح من النصائح التي لا معنى لها، والتي ينشغل بإعطائها لابنه فيكسرها الأولاد في دقيقة على الإنترنت! لكننا بالقراءة للروايات العربية من فضلك، مبسطة، سنكون قد فعلنا بأطفالنا ما يفعله العالم المتقدم. إذ يضع أطفاله في سن مبكرة وسط الخيال الروحي فينضجون يريدون أن يرتفعوا بشأن هذه الأرض ومن عليها في كل العلوم والآداب. Ibrahim [email protected]