لبيتنا القديم سقف من خشب.. تتشكل شقوقه في مخيلتي بحسب أفكاري. أحيانا تكون شراعا وأشعة الشمس تلتقيه عند ساعة الغروب الأخيرة لتروي له المسافات التي قطعتها ويصف لها طعم الملح. ومرات تتحول الشقوق لأهل قريتي وهم يركضون نحو الوادي لاستقبال السيل الذي هجرهم طويلا في مواسم الجفاف. كنت أحسد الذين يولدون في فصل الشتاء؛ لأنهم يحملون وجوها بيضاء صافية، وقلوبا خالية من أمراض الجفاف. أما أنا فوجدت نفسي أحبو بين ركام مُغبرٍ قاحل.. وكأن المكان يشرب من بؤس الخريف واصفرار الأجساد. من بين الركام كنت أشم ما تبقى من أنفاس المقهورين، كانت تنسل ليلا من بين سوادٍ متناثرٍ يحيط بي فتفوح في الأرجاء كموسيقى الوداع. لفصل الشتاء تجليات أشعر معها أني كائن حي، كائن نظيف.. إنسان يسكنه الأمان برغم برودة الأماكن والجدران وانطفاء فانوسنا المتكرر. لم ينتبه أبي إلى علاقتي مع السقف والشقوق المتناثرة في سماء الغرفة الوحيدة التي كانت تجمعنا. بينما كانت أمي تقرأ على رأسي بعض الآيات خوفا علي كلما رأت بصري شاخصا معلقا نحو الأعلى. حفظت أماكن الشقوق وأسماءها وطريقة مشاكستها لي أكثر من حفظي لدروسي الثقيلة. في موسم المطر كنت أهرب من تحتها لأنها لم تكن تحميني من البلل.. هنا، لا فرق بين السقف والعراء فكلاهما يبللان الأجساد مع أني كنت أتنفس بعمق رائحة الأخشاب المبللة خشية أن أفقد من رائحتها شيئا تخبئه عني شقوق السماء. من مجموعة (رقصة الغجر) قيد الطباعة.