نهضت.. شرعت النافذة, صرخت الشمس في وجهي: الساعة السابعة! تنفست صومعتي بيروت, كنست من وجهي أحلام هذا النوم العميق فرشت أسنان عمري الذي «أنهكته غربة الدراسة» ارتوى لحم رئتي رائحة القهوة, ألقيت الصحف من تصاعد كثبان الملل برفقة جسد زوجتي الذي قطعه المرض أشلاء في مقبرة بعيدة وما بقي غير طيفه كقوس القزح يدور بأرجاء المكان متصدعا بالجدران تجالسني أقول لها: اليوم عصفورة الجنة بضفيرة شرقية يقشعر الخريف بينها, أنجيت طفلا يشبهك كثيرا عودي ها هو الشتاء يلتحم, فتختفي! جررت أقدامي بتكاسل لارتداء معطفي الأبيض وربطة عنق بيضاء وقبعة تحمي صداع هذا الشتاء قال لي صديق حميم: لا تسمع لصوت فيروز وأنت تشعر بالحنين, فهي وسيلة للذبول لا شيء يشدني في هذه الحياة سوى علاقتي الوطيدة مع ملك الموت يأتي بغتة ويأخذ أرواح من بقربي ويتركني غصنا صوب بيروت أشعر بأن قلبي متحف, يعلق ملامح البشر الراحلة من عمري وقال لي يوما: بيروت كلها طرق مظلمة! وهي الأكثر صدقا / واقعا لا يمسها نفاق ركلت باب المنزل أرد التحايا العابرة المعلقة بشرفة المنازل رغم أني أضيع في زحام الصبية والنساء ومياه شوارع المدينة, الحزن, الأصوات, المساجد والمقاهي, والشمس التي قبضت صدري. كان أهل بيروت ينهمر من رؤوسهم المطر فيزهر الربيع في ملامحهم ويسقط مصب النهر من جباههم فما بال بيروت تشيح نظرها للبكاء؟ وكأنها في مغسلة تنتظر الموت بهيبة! حزمت حقائبي وودعت أمكنتي التي أوصدت, رحلت إلى موطني وأنا عاري الحنين لبيروت حبست أنفاسي, تقبلت العتب بتعب! وصعدت الطائرة حتى جررت السماء أتلحف بها لأغفو عن مأدبة البكاء صباح الرياض (2) كنت نائما بمضجع القلق عن أذن ذاكرتي حتى لا يسألني ابني من أي رحم أنا قذفت قبل أربع سنوات من الآن؟ أو حتى لا تتجرأ الرتابة أن تخدش صدر أمي أمي التي تثاءبت يداها بعد فطور هذا الصباح الذي نضج سريعا من أجلي بالأسفل قفز هذا المشاكس, شدني من يدي لننزل من السلم المصنوع من قصب النسيان وهو يردد: بابا جاء! بابا جاء! يالله.. كل الرياض طرقات, كلها تؤدي لمكان يتم يا بني أصبحت في حالة فتور من صخب الرياض ورائحتها الصحراوية خبزها الذي سخن من تنور الغياب يذوب سكرا في فمي وصباح الخير يا أمي. نورة صالح اليوسف - الثانوية (50)