من باب العزيزية الى سجن الزنتان» تناولت البدايات الأولى للدولة وكيف أن سيف الاسلام نجل القذافى من زوجته الثانية صفية فركاش، تجاوز أخاه الاكبر محمد الى وراثة عرش معمر القذافى .. وكيف بدأت والدته صفية تجهيزه منذ الصغر لهذة المهمة .. واستعرضت الحلقة مسيرة سيف الاسلام التعليمية وأبرز محطاتها حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة لندن بأطروحة أعدها له اكاديمى ليبى سابق ونال الثمن تعيينه سفيرا.. أما الجامعة التى هزتها الفضيحة فقد طالب أحدD أعضاء مجلس النواب البريطانى باستقالة المسؤولين عنها .. وتوقفت الحلقة أمام بواكير طموحات سيف الاسلام التى اتكأت على المشروعات الاعلامية ، وكانت أحد أدواتها فضائية ليبية حاولت محاكاة الاعلام الحر فاستدعت الاعلامى المصرى حمدى قنديل ليقدم عبرها برنامجه الشهير «قلم رصاص»، بيد أن المشروع وأده غضب الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك ومقربون من معمر القذافى أوغروا صدره على سيف الاسلام فذهب بنفسه ليغلق القناة ويودع مديرها السجن.. وفجأة حسبما جاء فى الحلقة الأولى – وتحديدا في عام 2008 انسحب سيف الاسلام من الحياة السياسية ليعود فيما بعد بمشروعه الاصلاحى.. اختلف المؤيدون والمعارضون حول الأفكار والمشروعات الاصلاحية التى حاول سيف الاسلام أن ينقذ من خلالها النظام السياسى المنهار داخليا والمنبوذ خارجيا ، فالمعارضة التى أصبحت فى الحكم الآن تعتبرها محاولات لإطالة عمر النظام وتفتيت وحدتها، بينما يعتبرها المؤيدون انها لو نجحت وأخذت وقتها كانت ستأخذ ليبيا فى مسار أفضل مما هى عليه فى الوقت الحالي. ويعتقد بعض المؤيدون أن سيف الإسلام قام بنشاط بارز لتعزيز حقوق الإنسان؛ حيث قامت جمعية حقوق الإنسان التابعة للمؤسسة التي يرأسها بحملات واسعة للإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين السياسيين، كما أطلقت الجمعية حملة ضد التعذيب في ليبيا والشرق الأوسط، وقامت عام 2006 بزيارة أماكن الاعتقال وقدمت توصيات بتحسين أوضاع المساجين وتوفير العلاج للمرضى. وتدخل سيف الاسلام في حل عدد من عمليات احتجاز الرهائن، ودعا في أغسطس 2006 إلى استحداث دستور ثابت لليبيا، مقترحا القيادات الشعبية والقيادة التاريخية لثورة الفاتح، كما دعا في خطاباته إلى التحول السياسي إلى من «ليبيا الثورة» إلى «ليبيا الدولة». وقاد سيف الإسلام القذافي مشروعا سمى «ليبيا الغد» يهدف سياسيا لاخراج ليبيا من العزلة الدولية التي فرضت عليها نتيجة سياساتها المعادية للولايات المتحدة والتي بلغت دروتها بالعدوان الأمريكي عليها عام 1986، فيما هذف اقتصاديا إلى ترميم التصدعات التى حدثت للاقتصاد الليبي نتيجة تلك العزلة، واجتماعيا استهدف إطلاق العنان للجماهير وخاصة الشباب لتبدع وتتألق دون قيود وتبني ليبيا على الوجه الذي ينبغي ان تبنى عليه دولة تتمتع بإمكانيات ليبيا الاقتصادية في الالفية الثالثة. وقد فشلت حسب هؤلاء المؤيدين محاولات سيف الاسلام بسبب الحرس القديم رغم محاولاته لتمرير مشروع دستور وتحرير الصحافة من سيطرة الدولة، ودافع سيف الاسلام منذ 2007 عن مشروع الاصلاحات دون الاقتراب أوالتعدي على الثوابت الاساسية للنظام الليبي التي تقضي بعدم المساس بالقذافي وسلطة الشعب والدين. إصلاح وهمي ورأى عضو المؤتمر الوطنى الليبى «البرلمان» المستقيل حسن الأمين، أن ما سمى بالمشروع الإصلاحى الذى تبناه سيف الاسلام مشروع «وهمي» ولا وجود له ، وأنه مجرد أكاذيب روجها نظام القذافى دون عمق أو رغبة حقيقية فى الاصلاح والتغيير ، مضيفا أنه في بعض الاحيان كان القذافى يدفع بسيف الاسلام ، وأحيانا أخرى يدقع بابنه المعتصم بالله ، ومرة ثالثة بابنته عائشة للترويج لهذا الوهم لإطالة عمر القذافى. واشار الأمين فى حوار ل «عكاظ» إلى أن سيف الاسلام الابن الأول لزوجة القذافى صفيه فركاش التى أنجب منها جميع أبنائه ما عدا محمد الابن البكر ، وقد لعب هذا الأمر دورا مهام فى محاولة توريث سيف الاسلام الحكم. وحسب الأمين فإن سيف الإسلام يختلف عن أخيه الأكبر محمد من حيث طريقة العمل ومنهجية التفكير ، ولذا ربما رأى نظام القذافى أن سيف الأنسب للحكم، بيد أن مشروع الاصلاح الذي يتحدثون عنه لاوجود له، وكنت اسميه ب «الأب والابن والروح الشريرة»، أى الأب القذافى والابن سيف واللجان الثورية، لأنه ببساطة يفتقد لمقومات أى مشروع حقيقى مثل وجود الارادة السياسية والتخطيط، والبدايات الصحيحة اللازمة لمثل هكذا مشروعات . واعتبر الأمين ان هناك تناقضا بين ما يدعيه سيف الاسلام وما يحدث فى الواقع، فهو مثلا يتحدث عن السجناء دون أن يأتى إلى البيئة التشريعية والقانونية التى ساهمت فى دخول هؤلاء للسجون، كما أن قانون الشرعية الثورية كان يعطى القذافى كل الحقوق دون أى واجبات، فالقذافى يقول ويفعل ما يشاء، وهذه القوانين لم يتعرض لها مشروعه اتلوهمي على الاطلاق. لعبة سياسية بامتياز ومضى عضو المجلس الوطنى المستقيل قائلا: لذلك كان مشروع سيف الإسلام للتوريث وليس للإصلاح ، وكان الهدف إعطاء زخم لما يقوم به ، وليس الهدف تحقيق نقلة نوعية على الأرض، لكن العامل المهم فيما قيل عن مشروع الاصلاح المزعوم أنه كان فى وقت لا بد فيه للنظام أن يقوم بحلحلة ما ، بفعل تعرضه لضغوط داخلية وخارجية لذا كان لا بد من البحث عن تركيبة ما لتحريك الوضع فى ليبيا بعد تورطها فى قضية لوكيربى ، فهى لعبة سياسية بإمتياز، لكن المعارضة والشعب الليبى استغلها لخلق فجوات وفتحات فى جدار النظام السياسى. وهنا كان الجانب الايجابى -كما يقول الأمين- إذ بدأت المعارضة وبعض الصحفيين يتحدثون عن الفساد وعن القضايا التى ما كان يمكن التطرق لها من قبل ، صحيح كانت هناك خطوط حمراء لكن كانت هناك فجوات بدأت تظهر في ما يمكن تسميته بثقافة الاحتجاج لأول مرة فى حياة الليبيين ، إذ إن الطرح الذى تم به مشروع الإصلاح هو من ساعد فى خلق هذه الفجوات، مشيرا إلى أنه لم يوجد قبل تلك الفترة أى حديث عن الدستور، لكن بعد المؤتمر الذى عقدناه فى لندن عام 2005 صار هناك حدث عن الشرعية الدستورية والدستور . ويضيف الأمين بعد أربع سنوات، أي فى عام 2009 جاء سيف الإسلام الى جامعة لندن ، وحشدت السفارة الطلاب الدارسين والذين تدفع لهم الدولة الرواتب ، ويومها تظاهرنا كمعارضة ورفعنا لافتات معارضة للنظام ولسيف الاسلام فتم الاعتداء علينا ، لكننا نجحنا فى حرمان سيف الاسلام من المرور على الموكيت الأحمر ، وتم إدخاله من باب خلفى، وكان من نتيجة ذلك أن الصحافة والرأى العام الغربى والبريطانى جاء فى صفنا ، إذ اكتشف العالم أن سيف الإسلام الذى يروج له فى الغرب بأنه مصلح سياسى واجتماعى ، يعتدى على المعارضين فى لندن ، ما يؤكد أنه لم يكن لديه مشروع حقيقى، بل إن هدفه إطالة عمر النظام. افتقاد الكفاءة ويتابع حسن الأمين حديثه بقوله: لم يكن سيف بالكفاءة المطلوبة ، ثمة من كانوا يقولون إن سيف درس فى أوروبا لكن ليس كل من درس فى أوروبا يمكن أن يكون مصلحا أو قائدا للتغيير ، والصحافة الانجليزية تحدثت عن هذا بوضوح وقالت إن نجل القذافي ليس مؤهلا ويفتقد للكفاءة ، وقد تأكد كل ذلك بعد الأحداث التى اندلعت فى ليبيا فى 17 فبراير ، حيث انتظر الجميع أن يخرج سيف الإسلام بخطاب سياسى ينتصر للرؤية الاصلاحية التى كان يدعيها ، وأن يدعو إلى الحوار، وأننا بدأنا بالفعل الاصلاح ولا يجب أن ننهيه بهذا الشكل ، لكن فى تلك اللحظات ظهر سيف الاسلام على طبيعته وحقيقيته ، وبرهن في هذا الوقت الحرج على أنه لايختلف كثيرا عن أبيه ، ولو ظهر سيف الاسلام بخطاب مختلف ربما كان الامر تغير بعكس الصورة التى سارت عليها الانتفاضة فى ليبيا. وحول ما كان يدعيه سيف الاسلام من رغبة فى الانتقال بليبيا من خانة الثورة إلى الدولة، قال حسن الأمين إن القذافى كان يعمل عكس ذلك تماما ، وكان دائما يتحدث فى أننا ما زلنا فى ثورة ، ويحاول تجذير وتعميق مفهومها ، وكانت توقعاتنا أن سيف لو تسلم الحكم قد يكون هناك تغيير ما ، لكن لن يكون أبدا إصلاح حقيقى ، إذ أنه لعب كثيرا على قضايا حقوق الانسان والحريات دون التعمق فى القضية أو الدخول إلى الجوهر. بلدوزر القذافي ومجزرة بو سليم يحكى عضو المجلس الوطني، أن القذافى قاد بلدوزرا لهدم ما قال أنه آخر سجن فى ليبيا عام 1986 ، وبعدها حدثت المجزرة المشهورة بحق سجناء بوسليم، مايؤكد لنا أن كل الخطوات التى قام بها القذافى عن طريق سيف كان الهدف منها تخفيف الاحتقان خاصة فى السنوات الأخيرة ، لافتا إلى أن سيف الاسلام فى سبيل تسويق نفسه فى الداخل والخارج ، اعتمد على شركات دعاية وتحسين الصورة من الولاياتالمتحدة ، وبدأ يراهن على الشباب ويتقرب من الفنانيين، لكن كل هذا لم ينطل على الشعب الليبى. ويتحدث الأمين عن جانب آخر على محاولة توريث الحكم لسيف الاسلام بقوله: سيف الاسلام حاول اللعب بقضية المبعدين فى الخارج، رغم المبعدين ومنذ السبعينات كان منهم من يرجع بشكل طوعى ودون أى تدخل من السلطات أو تحسن فى الواقع الليبى، لكن سيف حاول أن يقول انه فعل شيئا جديدا بإعادة هذا الشخص أو ذاك ، وليبيا لديها الالوف من ابنائها فى الخارج فى كندا وامريكا ومصر وبريطانيا وغيرها ، وكان المعروف أن المجموعة الفاعلة فى المعارضة الليبية حوالى 200 أو 300 شخص ، ورغم ان الكثيرين خرجوا من ليبيا وحصلوا على لجوء سياسى إلا أنهم لم يشاركوا يوما فى المظاهرات أو الفعاليات ضد النظام الليبى ، وسيف ذهب إلى هذه الشريحة غير المسيسه بالفعل ، وقدم لهم بعض المغريات والتسهيلات حتى يقال إن سيف أقنع المعارضة فى الخارج بالعودة مرة اخرى ، رغم أن هؤلاء لم يكونوا يوما ما معارضين ، وكانوا يذهبون لليبيا بشكل شبه دورى. سيف الإسلام والإخوان وينقلنا الأمين إلى محور آخر في الحديث عن شخصية سيف القذافي ، وهو المتعلق بجماعة الإخوان المسلمين فى ليبيا باعتبارها قوه تنظيمية كبيرة داخل صفوف المعارضة ، وكانت تعلم أن مشروع سيف الاسلام الاصلاحى وهمى، فيما هو يعلم تماما أنه لا يمكن أن يثق فى الإخوان ، بيد أنه استفاد منهم من خلال خلق شرخ كبير فى المعارضة، والإخوان كانوا يهتمون بوضعهم المستقبلى لذلك عندما وقعت أحداث 17 فبراير كان الإخوان جاهزين أكثر من غيرهم فى الساحة السياسية الليبية من خلال مشروعاتهم الاعلامية ومشروعاتهم فى المجتمع المدنى، لذا تصدروا المشهد فى بنغازى ، وفى المجلس الانتقالى فيما بعد. ويعترف بأن المعارضة عانت كثيرا من هذه الشروخ السياسية التى أحدثها سيف الاسلام حتى أنهاانشغلت ببعضها فى السنوات الاخيرة أكثر من انشغالها بمعارضة سيف الإسلام وأبيه، وكان كل حديث المعارضة عن قضية الاصلاح المزعومة، وفى الوقت الذى كان الإخوان يجتمعون معنا كانوا يجتمعون مع سيف الاسلام ، وفى عام 2006 نظمنا مؤتمرا فاشلا بسبب الارتباك الذى أحدثه سيف الاسلام فى صفوف المعارضة. مشروع لضرب المعارضة يقول حسن الأمين إن سيف الاسلام خرج بمشروع وهمى آخر سمى «البيت الليبى فى الخارج»، وتولى مسؤوليته على الريشى وزير المغتربين ، وحاول أن يستحوذ على الجالية المعارضة بحيث يكونوا هم الممثلين للشعب الليبى فى الخارج وليس المعارضة ، وهو ما يوضح أن الهدف من الاهتمام بالليبيين فى الخارج ليس الإصلاح لكن تزييف الحقائق وضرب المعارضة. وحول الصحف التى كانت توجه بعض الاتهامات للوزراء، أوضح الأمين أنه حتى الصحف كان لها خط أحمر ، كانوا يتحدثون عن الفساد لكنهم لا يتحدثون عن الفساد السياسى ، وسيف الإسلام نفسه قال إن هناك ثلاثة خطوط حمراء (القذافى والدين والتراب الليبى) ، والحديث عن التوريث ليس فقط عن سيف الاسلام بل عن المعتصم وحتى عائشة بدعوى أن معها دكتوراة ، ويمكن ان تكون الوجه الناعم والجميل لليبيا ، والقذافى كان يلعب لعبة التوازنات حتى بين أبنائه، فإذا ظهر سيف الإسلام بعض الوقت على الساحة يضربه بشخص آخر من أبنائه، والتسريبات عن المعتصم كانت لتحجيم سيف الاسلام ، والقول بصراحة له إن القذافى لديه أبناء آخرون، لذلك حاول تقريب المعتصم واعتباره المسؤول عن الأمن القومى أو مسشاره الأمنى ووقف بجواره في إحدى القمم العربية، ومن هنا فإن مشروع سيف السلام استفاد منه النظام أكثر من المعارضة. تجميل الصورة السياسية ويؤكد حسن الأمين أن صفقات سيف الاسلام ، مثل صفقة إنهاء أزمة الممرضات البلغاريات ، أو طائرة لوكيربى وإعادة عبد الباسط المقرحى، هدفت إلى تحسين الصورة السياسية لنظام القذافى، ولم يكن الهدف منها حصول مؤسسة سيف الاسلام على الأموال ، إذ انه كان يتعامل مع أموال الدولة وكأنها «عزبة أبيه»، لافتا إلى أنه جرى استخدام أكثر من محور لإيهام البعض أن هناك إصلاحا فى ليبيا مثل مشروع ليبيا الغد وشبكة المحامين فى الخارج ، لكن سيف ربما استفاد فقط من المنهجية التى يتعامل بها الغرب فى ضرورة وجود مستشارين أو مساعدين وشركات للعلاقات العامة أو غيرها. المستقبل والفلول ويستبعد حسن الأمين، أى دور لسيف الإسلام فى المستقبل، وقال إن الشارع لا يمكن أن يقبل أى دورله فى إطار المصالحة الوطنية ، هناك شخصيات عملت بشكل أو بآخر مع النظام ويمكن أن تكون جزء من المصالحة، لكن بالنسبة لسيف فهو مرفوض تماما من الشعب والنخبة وهو متهم بتهم كثيره قبل وبعد 17 فبراير ، معتبرا أن المجموعات الموالية للقذافى ضعيفة وليست بالقوة ليصبحوا رقما صعبا فى المعادلة السياسية الليبية فى المستقبل ، وهناك محاولات لمحاكمة سيف الإسلام فى الخارج ويقف وراء هذه المحاولات شخصيات وجهات استفادت من سيف الاسلام ، لكنه فى النهاية خسر شعبيته فى الداخل كما خسرها فى الخارج. ويعتقد محدثنا أن مشكلة سيف الإسلام أنه ليس مسجونا لدى الدولة الليبية ، لكنه مسجون لدى قبيلة الزنتان ، ولا أعتقد ان هناك أى نوع من التفاهم بين عائلة القذاذفة والزنتان فيما يتعلق بسيف الاسلام ، لذا سوف تستفيد الزنتان من هذه الورقة ، ونحن لدينا مشكلة كبيرة بأننا لم نعالج مشكلة المصالحة، ويختتم الأمين حواره مع «عكاظ» بقوله إن ما حدث فى ليبيا ليس ثورة ، لأن الثورة يقف خلفها فكر وتنظير ما ، وما حدث لدينا أقرب إلى الانتفاضة وليس الثورة.