شكّل اعتقال «ثوار الزنتان» سيف الإسلام القذافي في الجنوب الليبي، أمس، دفعة دعم غير منتظرة لرئيس الوزراء المكلّف عبدالرحيم الكيب عشية إعلانه حكومته الانتقالية الأولى، الذي أعلن أن «المعتقل» سيلقى محاكمة عادلة في ليبيا. ويعني «تحييد» سيف أن معارضي الحكم الجديد لم تعد عندهم شخصية من عائلة العقيد المقتول يمكنها تولي قيادة ما يعتبرونها «مقاومة» ضد المجلس الوطني الانتقالي، بعدما قُتل أبناء القذافي الباقون أو فروا إلى المنفى. وبغياب سيف تخلو الساحة لقريبه رئيس الاستخبارات العسكرية السابق عبدالله السنوسي المنتمي إلى قبيلة المقارحة الذي لا يزال طليقاً يختبئ على ما يبدو إما في الجنوب أو في مالي في حماية قبائل الطوارق. وجاء إعلان اعتقال سيف الإسلام مباغتاً قبل ظهر أمس على لسان عدد من قادة ثوار الزنتان، كبرى مدن الجبل الغربي. وأفيد أن وحدة من ثوار الزنتان، بالتعاون مع ثوار من الجنوب الليبي كانت تحرس منشآت نفطية وتتولى تأمين المعابر الحدودية التي يسلكها المهربون على الحدود مع الجزائر والنيجر، هي التي تمكنت من اعتقال نجل القذافي. وقال العزمي علي العتيري قائد سرية الثوار التي نجحت في القبض عليه خلال مؤتمر صحافي مساء أمس في الزنتان إن معلومات وصلتهم قبل أيام مفادها أن شخصاً مهماً في النظام السابق غادر مدينة سبها في اتجاه الجنوب، وأنهم تمكنوا من الاتصال بشخص حدد لهم مسار موكب سيف الإسلام فكمنوا له جنوب مدينة أوباري. وقال إن سيف ومرافقيه كانوا في سيارتين عندما طوقهم الثوار الساعة الأولى بعد منتصف ليل الجمعة، مؤكداً أن «مواجهة بسيطة» فقط وقعت بين الجانبين استسلم خلالها نجل القذافي. والمعتقلون إضافة إلى سيف هم مراجع سعد عبدالصمد المقرحي، وعبدالسلام عمر القذافي، وعامر بلقسام، وخالد عمر. ونفى العتيري معلومات عن أن سيف حاول رشوة الثوار، مفنداً بذلك معلومات عن تقديمه ملايين الدولارات لمن يُفرج عنه. وقالت مصادر الثوار إن سيف قال بعد توقيفه إنه يوافق على نقله إلى الزنتان فقط وليس إلى مكان آخر، في إشارة ربما إلى خوفه من الثوار إذا نُقل إلى مدينة أخرى. وتحدث في المؤتمر الصحافي نفسه رئيس الوزراء المكلف عبدالرحيم الكيب الذي جاء إلى الزنتان للاحتفال مع الثوار، وأكد أن سيف الإسلام سيلقى محاكمة عادلة، معتبراً اعتقاله «لحظة تاريخية»، ومعرباً عن أمله بأن يؤدي ذلك إلى «طي مرحلة الثورة وبدء بناء الدولة». كما تحدث نائب رئيس المكتب التنفيذي علي الترهوني واصفاً سيف الإسلام بأنه «الابن المدلل القاتل» لوالده. وقالت مصادر في صفوف الثوار إن خبيراً في المعابر الصحراوية لجأ إليه نجل القذافي لمساعدته في الهرب جنوباً في اتجاه حدود النيجر أبلغ ثواراً من الجنوب بتحركاته فتم نصب مكمن له في الساعات الأولى من فجر أمس. وكان سيف الإسلام يرتدي ملابس أهل الصحراء، في محاولة منه على ما يبدو للتخفي كأنه أحد أبناء الطوارق أو قبائل التبو الذين يسكنون الصحراء جنوب ليبيا. وبعد اعتقال سيف مع عدد من معاونيه تم نقلهم بطائرة من الجنوب الليبي إلى الزنتان حيث يُتوقع أن يبقوا هناك في انتظار بت الحكومة الليبية الجديدة مصير نجل القذافي ومكان محاكمته. وسيف متهم من المحكمة الجنائية الدولية بالتورط في جرائم ضد الإنسانية، ويتوقع أن يصل مدعي المحكمة لويس مورينو أوكامبو إلى طرابلس خلال أيام لتحديد الخطوة المقبلة في محاكمته، علماً أن الثوار أكدوا أنه سيُحاكم في ليبيا وليس في لاهاي، مقر المحكمة الجنائية. وكان لافتاً أن حشوداً ضخمة توافدت إلى مطار الزنتان فور شيوع خبر نقل القذافي بطائرة إلى هناك. وتجمعت الحشود حول طائرة حطت في المطار وحصل إطلاق نار وهرج ومرج، ما أثار مخاوف من تكرار ما حصل للعقيد القذافي ونجله المعتصم اللذين قُتلاً بعد اعتقالهما في سرت. ولم يكن واضحاً بالفعل هل الطائرة المتوقفة في مطار الزنتان كانت بالفعل الطائرة التي أقلت سيف الإسلام، إذ ترددت معلومات عن أنه كان قد نُقل بالفعل في طائرة حطت هناك في الصباح قبل إعلان نبأ توقيفه. وذكرت «قناة الزنتان»، في هذا الإطار، إن الثوار قبضوا «على شخصين من خارج الزنتان ... حاولا محاولة يائسة لاغتيال المجرم سيف القذافي بإطلاق النار على الطائرة التمويهية (المتوقفة في المطار) ظناً منهما أن المجرم متواجد فيها». وعرضت قناة تلفزيون موالية للثوار صورة لسيف الإسلام وبدت أصابع يده اليمنى مضمدة. وسرت مخاوف من أن يكون الثوار قد عمدوا إلى بتر أصابعه التي يقولون إنه كان يهدد بها الليبيين خلال الانتفاضة ضد والده. لكن مصادر الثوار قالت إن هذه الإصابات ناتجة من حادث تعرض له سيف في بني وليد المدينة التي كان يختبئ فيها بعد فراره من طرابلس. وسبق لأحد حراسه أن أبلغ وكالة أنباء أجنبية بعد سقوط بني وليد أن سيف الإسلام تعرض لقصف من طائرات «الناتو» خلال انسحابه منها في منتصف تشرين الأول (أكتوبر). ولم يكن سيف الإسلام يشغل أي منصب رسمي في الدولة الليبية، لكن كان يُنظر له على الدوام على أنه «خليفة» والده بعدما قدّم نفسه على مدى سنوات بوصفه «مهندس الإصلاحات» والحريص على تطبيع العلاقات بين ليبيا والغرب. لكن موقفه هذا تغيّر تماماً بعد اندلاع «ثورة 17 فبراير» وصار يستخدم لغة تحريضية ضد الثوار مهدداً إياهم ب «أنهار من الدماء». وفي لندن، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن الزعماء الليبيين أبلغوه أنهم يضمنون محاكمة القذافي «طبقاً للمعايير الدولية». وأضاف: «ستقدم بريطانيا كل مساعدة ممكنة للحكومة الليبية وللمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبته بالكامل ومحاكمته على ما اقترفه». وفي واشنطن دعت الولاياتالمتحدة الليبيين إلى ضمان محاكمة عادلة و»معاملة إنسانية» لسيف الإسلام. وقالت نيكول تومسون المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إن اعتقال سيف الإسلام ومحاكمته «سيمثلان خطوة اخرى تنأى عن الحقبة المظلمة التي دامت أربعين عاماً من تاريخ ليبيا وتساعد في نقل الشعب الليبي نحو مستقبل سلمي وديموقراطي هو جدير به».