انتهت اجتماعات جنيف بين مجموعة 5+1 وإيران، إلى اتفاق مرحلي يمتد إلى ستة أشهر، ويهدف إلى إجراءات متبادلة بحيث تتراجع إيران عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% وتتخلص من الكمية الموجودة لديها مقابل التخفيف من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بما يسمح لها بالاستفادة مما قيمته 4 مليارات دولار من عائدات النفط ومشتقاته. فهل الاتفاق.. بداية الطريق لحل هذا الملف الإشكالي والذي كان سيفتح الباب لحرب جديدة في المنطقة، أم هي الطريقة الوحيدة لتطبيع موقع إيران غربيا كدولة إقليمية ذات اعتبار ونفوذ؟ من المبكر القول إن إيران كسبت الصراع نهائيا وفي كل الأبعاد بحيث تتحول بعد ذلك إلى موقع ريادي في المنطقة عقب تطبيع علاقاتها مع الغرب، كما أنه من قبيل التعجل اعتبار أن إيران تنازلت نهائيا عن ملفها النووي بسبب ثقل العقوبات الاقتصادية التي تكاد توصلها إلى الإفلاس المالي. ولو أردنا أن نكون أقرب إلى الموضوعية في هذا المجال، فإنه علينا تلمس الرغبة المشتركة الأمريكيةالإيرانية في إنهاء التوتر وإيجاد المخرج الملائم لكلا الطرفين، فلا إدارة أوباما تريد التورط في حرب جديدة فيما تستعد للخروج من أفغانستان بعد العراق، ولا الحكم الإيراني يريد الصدام العنيف مع الغرب ولا الخضوع للعقوبات القاسية لفترة أطول، فيما يسعى البلدان إلى احتواء الموقف المتفجر في سورية والذي ينذر بإشعال المنطقة بأسرها. لكن هل يعني الاتفاق المبدئي في الملف النووي تسهيل الحل السياسي في سورية؟ وبأي اتجاه سيكون هذا الحل استنادا إلى ما تم إنجازه نوويا في جنيف؟ لا يمكن الخلط بسهولة بين الملفين المختلفين جذورا وحلولا، لكن الأثر قائم مع ذلك بينهما لو اعتبرنا أن جوهر مفاوضات جنيف هو بناء الثقة بين إيران والغرب، وأن الهدف الأساس الذي من أجله انتخب الرئيس حسن روحاني لهذه المرحلة هو تأسيس مشروعية إيرانية في السياسات الإقليمية بعدما أصبحت بلاده رقما وازنا في المعادلة الإقليمية ما بين أفغانستان ولبنان على الأقل، وبالتعاون والتنسيق مع إدارة جورج بوش في ملفي أفغانستانوالعراق، وأن التخصيب النووي ليس سوى ذريعة الوصول إلى اتفاق بهذا المعنى مع الغرب كما كان السلاح الكيماوي في سورية ذريعة التفاهم بين روسيا والولايات المتحدة لعقد اتفاق مبدئي يضمن للأسد بقاءه حتى نهاية ولايته الدستورية العام المقبل، وبما يحيل الأزمة إلى بند وحيد هو ترشحه لولاية ثانية أم لا؟ إذا كانت الأولوية لدى إيران هو اكتساب القدرة النووية بأي درجة ممكنة، فإن اتفاق جنيف سيضع حدودا معقولة لنسبة التخصيب مع فتح كل المواقع المفترضة للتفتيش الفجائي من طرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسيكون الاتفاق باب التطبيع النسبي مع أمريكا في المدى المنظور. أما إذا كان نفوذ إيران في سورية هو الأولوية فستكون المعادلة المرسومة هي إما التخصيب النووي أو بشار الأسد، بمعنى التخلي عن الطموح النووي بمعناه العسكري مقابل الإبقاء على الأسد ونظامه. لكن هذا سيكون ممكنا فقط لو أن أوراق اللعبة كلها بيد المتفاوضين في جنيف.