قد يبدو الأمر في الحديث عن عودة «ثنائية القطب» في العالم فيه نوع من النوستالجيا السياسية لابتعاده عن الواقع وتفاصيله السياسية والاقتصادية وحركة التطور التي يشهدها العالم وتحديداً في عالم الاتصالات. في عملية تأملية بسيطة في مصطلح «ثنائية القطب» لاجتراح تحليل لها نجد أنفسنا مضطرين لإعادة صياغة «صلب الموضوع» للولوج في قراءة مجدية، وهنا نعيد صياغة السؤال من ثنائية القطب إلى هل بقي في العالم قطب واحد أم أننا نتجه إلى غياب القطب؟! لا شك أن الملف السوري والطريقة التي تعاطت بها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع هذا الملف كشفا عورات الإدارة الأمريكية الديمقراطية لشؤون العالم لا بل كشفا عن مراهقة سياسية في التعاطي مع القضايا الكبرى وما يشبه الطلاق ما بين الممارسة السياسية الأمريكية من جهة وشعارات السياسة الأمريكية من جهة أخرى من حقوق الإنسان إلى مبدأ المحاسبة إلى كثير من الشعارات. هذا التخبط الأمريكي قد يكون أسقط القطبية العالمية لكن ليس بالضرورة أنه أنتج ثنائية القطب ودائماً «الملف السوري» هو المؤشر على ذلك، أوباما فشل في قول كلمته في سورية لكن أيضاً بوتين فشل في قول كلمته أيضاً هو استطاع أن يمنع سقوط حليفه بشار الأسد لكنه لا يستطيع أن يمنحه النصر أو الاستمرار في مستقبل سورية. ثمة صفقة أمريكية روسية حول سورية، لكن من المؤكد أيضاً أن الأمريكي والروسي غير قادرين على فرض هذه الصفقة. يقول الحكماء إن الأرض التي لا تصلها جيوشك لا يمكنك حكمها وهنا جوهر المسألة، فالعالم كل العالم بالصالحين فيه وبالظالمين يدرك أن الامريكي لا يريد أن يقاتل ويدرك أيضاً أن الروسي وإن أراد القتال لا يملك القدرة على ذلك ووفقا لهذا الأمر العالم لا يتجه إلى الثنائية بقدر ما يتجه إلى صياغة معادلة جديدة معادلة تحتاج لبعض الوقت لتتبلور وفقاً لمصالح الدول وأدوارها وعزيمتها. * باحث سياسي