أجمعت قيادات حكومية وشبابية وعسكرية يمنية أن اليمن يتجه نحو الاستقرار والتنمية؛ ليمثل نموذجا فريدا لدول الربيع العربي التي لا تزال في المربع الأول، ولم تحدد اتجاهاتها، مشيدة بالدور الذي لعبته المبادرة الخليجية في دعم التطلعات الشبابية والشعبية. وفي ندوة ل «عكاظ» أقيمت بمقر الحوار الوطني تحت عنوان «اليمن إلى أين في ظل التدخلات والصراعات»، دافعت القيادات اليمنية عن الربيع اليمني والدور الدولي، سواء الداعم للبلاد، أو من المحاولات لزرع فتن طائفية، أو حروب أهلية، مبينين أن ما يدور في اليمن مجرد أحلام وأمان، ولا يؤمن بها، مشيرين إلى أن التحديات والعراقيل وأعمال الفوضى والاغتيالات التي تبرز بين حين وآخر ما هي إلا علامة من علامات الأمل والتفاؤل وأمر طبيعي حدوثه مع كل حالة اجتثاث لمرض مزمن. وقال مستشار الرئيس اليمني لشؤون الدراسات وعضو مؤتمر الحوار الوطني، الدكتور فارس السقاف: اليمن تمثل نموذجا من ثورات الربيع العربي، وهي الآن الدولة الوحيدة التي استقرت؛ بفعل الدور الكبير الذي لعبته المبادرة الخليجية، فثورات الربيع العربي بمجملها لا تزال تبحث عن خارطة الطريق، فيما أنجزت اليمن خارطتها، وهي الآن في الختام، وأعتقد أن الحوار سيقرر لا حرب ولا استمرارا للأوضاع، ولا بد من التغيير وتأسيس دولة جديدة. وأضاف : أعتقد أن اليمن على موعد مع التاريخ خلال هذه الفترة المقبلة؛ كوننا نعيش حاليا الأيام الأخيرة من مرحلة الحوار الوطني الشامل التي تحددت فيها الكثير من القضايا؛ لنمضي نحو فترة يبني فيها دستورا جديدا يحدد معالم الدولة الجديدة. بدوره، أعتبر الأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني، وأحد القيادات الشبابية، الدكتور أحمد بن مبارك أن بلاده تتجه نحو مخرجات ناتجة عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي التقت فيها كافة الأطياف ووجهات النظر اليمنية، وناقشت واقع بلادهم، وطرحت حلولا جذرية، لأن مخرجات الحوار الوطني تشير إلى أننا نتجه نحو اليمن الجديد المستقر والحكم الرشيد، مع أن هناك صعابا كبيرة جدا، ناتجة عن أكثر من 50 عاما من التداخلات والمركزية الشديدة وأخطاء وحدة عام 1990م وما شابها من قضايا، بالإضافة إلى ما جرى في حرب صيف 94م، والحروب الستة في صعدة، والكثير من القضايا، وهناك معالجات حقيقية وحثيثة لكل هذه القضايا ورسمها من جديد. طاولة حوار في حين يرى القيادي في الحراك الجنوبي وعضو فريق الجيش والأمن في الحوار ناصر الطويل أن اليمن تتميز بنجاحات كبيرة عن غيرها من بلدان الربيع العربي، حيث اجتمعت مكوناتها السياسية مع التقليدية على طاولة واحدة للتحاور، وتركت الصراعات والسلاح، في حين لا تزال بلدان أخرى في الشارع، وتعيش العنف اليومي، فنحن كيمنيين لدينا تفاؤل وأمل بأن الفرج بات قريبا، وسيخرج اليمن من محنته، فلقد شارفنا على الانتهاء من أهم مرحلة، وهي مرحلة عرض القضايا، ووضع الحلول لها، وكل همنا هو أن نعمل على وضع أسس للدولة التي يتطلع إليها الشارع اليمني، وعمل من أجلها وعلينا أن لا نفكر بالفشل أو العودة للوراء أبدا مهما كانت التحديات. تحديات المرحلة فيما أبدت عضوة مؤتمر الحوار الوطني وإحدى ناشطات الثوة في محافظة مأرب انتصار القاضي تفاؤلا كبيرا بتحقيق أهداف الثورة اليمنية التي خرجت من أجلها، وإنجاح إحدى ثمارها المتمثل بالحوار الوطني، وتنفيذ مخرجاته، وستصبح اليمن عنوان السلام والديمقراطية عما قريب. وقالت: إن التحديات التي تواجه بلادنا في المرحلة الحالية من فوضى وإرهاب لا تخيفني، بل تزيدني ثقة وتفاؤلا بأن اليمن يتجه إلى مخرج حقيقي عما قريب، ويبدو أن كل القوى بدأت تستنفد ما لديها من أوراق، من حيث العنف وما إلا ذلك، وهي في مرحل استعداد للعب دور كبير في اليمن الجديد؛ ولذا مهما طالت الفترة، فإننا لا زلنا بذات العزم والإصرار والأمل الكبير من أجل الوصول إلى دولتنا التي نحلم بها. السقاف: بالتأكيد أن الفترة القادمة هي من المراحل المهمة لدولتنا، وهي مرحلة صياغة الدستور، والاستفتاء عليه، والانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وإنشاء دولة اتحادية من عدت أقاليم، ووصولا إلى يمن مستقر ومزدهر ، فلا خوف على اليمن من المرحلة القادمة، ولن تكون أشد صعوبة من سالفتها. لكن «أمين مؤتمر الحوار» اختلف كثيرا مع السقاف، حيث قال: علينا أن لا نبيع الأماني، بالتأكيد هناك تحديات حقيقية وكبيرة قادمة، ويجب أن نكون مستعدين لها لمواجهتها، ولا يمكن للأطراف التي ستفقد القوة والسيطرة والمال والثروة أن تهجع وتستسلم بكل سهولة، فنحن بالتأكيد مقبلون على معركة بناء حقيقية، ولكن مخرجات الحوار ستكون بحجم الوطن، وتلبي آمال وطموحات المواطن اليمني البسيط، ولذا عليه أن يدافع عن مصالحه البسيطة، وأن يجعل من هذه المخرجات واقعا حقيقيا، يطبق على أرض الواقع، بحيث يشترك فيه الجميع. الانتخابات التنافسية الطويل: بالتأكيد أن المرحلة التي تلي الحوار لا تقل أهمية عن الحوار نفسه، لكننا لدينا ثقة بقدرات بلادنا، وما تحظى به من دعم دولي لتنفيذ كل تلك المخرجات والولوج نحو وضع أسس للدولة الحديثة، وإجراء الانتخابات التنافسية، لكنها لن تكون أصعب من مرحلة ما قبل التسوية السياسية، التي واجهها اليمنيون بحزم وكفاءة وعزيمة ونجحوا في إرساء دعائم الأمن والاستقرار من لا شيء. انتصار: ما تحدث به هي مرحلة الصفر، أما مرحلة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني لا شك أنها ستواجه تحديات كبيرة، لكنها ستكون أقل بكثير من مرحلة الصفر، خاصة أن هناك قوى بدأت تؤمن بضرورة التخلي عن أحلامها والبدء بمشاركة حقيقية، ومع هذا وذاك، فإن الإرادة والقوة والتصميم في تنفيذ كل مخرجات الحوار الوطني هي الفيصل، فهذه المخرجات تمثل ثمرة نضالنا في ساحات الحرية والتغيير، ولن نقف مكتوفي الأيدي حتى تذهب في مهب الريح، ولذا سنظل في جبهة الرقابة والتنفيذ معا، ولن نتعاطف أو نتساهل أو نتغاضى، وإنما سنستحضر العقل والحكمة التي كانت ولا تزال نهجنا السوي للوصول إلى الدولة التي نريدها، وبهذا، سنكون قد وضعنا المصالح الشخصية جانبا وغلبنا الحكمة اليمنية وبنينا دولة الحكم الرشيد والشورى والعدل والمساواة. فترة انتقالية وفي هذا الصدد، يرى السقاف أن التحولات والمتغيرات الكبرى بحاجة إلى فترة انتقالية، ولعل ما يجرى حاليا من إفرازات جميعها ناتجة عن مخلفات العهود السابقة، فإذا لم تستقر البلدان العربية التي اجتاحها الربيع العربي على مدى الخمس السنوات بعد تلك الثورات، ولم تحدد اتجاهاتها، فإنها ستتوجه إلى انفلات أمني، ووضع سيىء، بعكس اليمن التي حددت فيها المعالم، وأصبح الناس متفقين في كل القضايا، عدا بعض التفصيلات التي سيتم الاتفاق عليها، ومنها دولة اتحادية من عدة أقاليم متفق عليه من الجميع، لكن عدد الأقاليم فيه اختلاف بالتفاصيل، وبهذا أقول لك: أحيانا يحدث اختلاف في التفاصيل في القضايا اليمنية. أمراض مزمنة غير أن أحمد بن مبارك اختلف كثيرا في طرحه قائلا: أنا أختلف معكم أن الثورة أنجبت فوضى وإرهاب وغيرها من الأمراض التي نعاني منها، ولكن الثورة جاءت لتصحح تلك الأمراض المزمنة، فعندما يكون لديك جرحا عميقا وأخذت مشرطا لتفتحه وتجري جراحة له فإنك بالتأكيد ستواجه إشكاليات كبيرة منها القيح ومضاعفات أخرى، لكنك بالتأكيد ستكون في الاتجاه الصحيح للشفا، وهو ما يدور في اليمن .. هناك الكثير من القضايا، ونحن على ثقة أننا في نسير في الأتجاه الصحيح، مع أن الجرح كان كبيرا وغائرا ومرضا خبيثا مزمنا، حيث كانت المسكنات في الحقبة الماضية هي علاجه الوحيد، ولذا فإن المرحلة الحالية ستظهر فيها الكثير من التداعيات، لكن الحديث أنها ناتجة عن ثورة الشباب أو الحراك الجنوبي السلمي ووقفته في عام 2007م حديث غير صحيح، هذه المشاكل ظهرت الآن مع أنها متجذرة وكانت تنمو يوميا وتتوغل منذ زمن طويل. الطويل: بالطبع الثورة أنجبت وضعا مستقرا أفضل من الوضع الماضي، رغم قطع الكهرباء والطرقات والقتل في وسط الشارع، لكن هذه كما وصفها الرئيس «رفست الكبش بعد الذبح»، وعليهم أن يعوا أنه لا يمكن أن ينجحوا في هذه الحركات، وأن يخضعوا لما يريد الشعب، ما لم سيكونون خارج التاريخ، المشاكل التي تواجه اليمن يعي جيدا كل الشعب اليمني من يقف وراءها، أما ثورة الربيع العربي فلقد لعبت الدور الذي يمكن أن يقوم به كل وطني شريف وغيور، حيث هي من لها الفضل في جمع الشباب والمرأة والشيوخ على طاولة الحوار؛ للبحث عن حلول، وقد توصلوا إلى ما نسبته 95 في المائة، وبقي فقط النطق في القرار الأخير، وعليهم أن يتشاوروا على القضية الجنوبية باعتبارها المدخل الرئيسي لحل كل المشاكل، ولا بأس أن نتنازل لبعضنا البعض من أجل مصلحة اليمن، وأنا لدي ثقة أن الثورة كانت المنقذ لليمن، وليس مصدر الخراب والدمار. انتصار: أنا لست مع أي رأي يتحدث أن ثورة الربيع العربي هي من خلقت الفوضى، ولكن هناك قوى في الثورة استخدمت أساليب لإضعاف النظام السابق، وبعد أن أصبحت هذه القوى في السلطة استخدم النظام السابق نفس الأساليب التي كانت تستخدم ضده، وبنفس الطريقة، ولذا حاول البعض تشويه الثورة. وقال السقاف: هذا يلغي مفهوم السيادة الذي كان متعارفا عليه من قبل، وأصبحنا ضمن منظومة دولية وإقليمية، ويجب أن تحدد الأمر، فالأطراف الدولية هم رعاة وليس تدخلا، وعلى وجه المثل أننا في الحوار الوطني لا صيغة جاهزة، والدليل أننا تأخرنا في الفترة الزمنية المحددة، لو كان هناك صيغة مفروضة لاتفق عليها الجميع، لكن الأمر الآن تبلور، وأضحت داخلية من قبل أعضاء مؤتمر الحوار الوطني. مربعات الفوضى بن مبارك: الحديث أن الثورة ورثت تدخلات دولية غير صحيح، وكل ما أراه و أتلمسه أن هناك رعاية دولية في اتجاه حل يمني، وهناك توظيف دولي في اتجاه مصلحة اليمن ومساعدتها في مغادرة مربعات الفوضى والعنف والمركزية الشديدة والإقصاء، وبالتالي فالتدخل الخارجي له تاريخ قديم سواء في شمال اليمن أو جنوبه، فأيام الحرب الباردة كانت هناك تدخلات كبيرة جدا في شطري اليمن، ثم ما بعد الوحدة، وبعد 94م، لكن هذه المرة هي الأولى التي تتوحد فيها الإرادة الدولية باتجاه اليمن بصوت واحد، وليس هناك تدخلات مختلفة، وهناك توظيف يمني حقوقي في اتجاه دعم اليمن للخروج مما هي فيه. غير أن ناصر الطويل اختلف معهم في الرأي قائلا: التدخلات الدولية ليست من اليوم وهي مخطط عالمي، وبأياد محلية، ولعلنا نشاهد ما الذي يحصل في مصر وسوريا، ولكن مشكلتنا أن فينا من يعتبر نفسه وكيل الله في الأرض، والآخرين ليس لهم دخل، وهو ما خلق صراعا في دماج، مع أن الجميع يرفضه، ينبغي أن تعود الحياة لوضعها الطبيعي، ويمارس أبناء صعدة نشاطهم وطقوسهم الدينية، كما يريدون على أن لا يعارضوا الدولة، وبقية القوى التي تريد فرض وضع آخر عليها أن تنسحب وتعود إلى منازلها، فأنا أرفض أن يفرض الشيعة مذهبهم في أي منطقة أو السني كذلك، علينا أن نتعايش ويحترم الآخرون بعضهم، فالله رب الجميع والوطن يتسع للجميع. مخرجات الحوار رفض السقاف مبدأ الحديث عن حروب أهلية أو طائفية باليمن، قائلا: أعتقد أنه لا يوجد حرب أهلية بمفهومها، وما يحدث الآن محاولة للتأثير على مخرجات الحوار الوطني، ولا أعتقد أنها ستتوسع أو تتعمق أو تأخذ الجانب الطائفي والمذهبي، والأسابيع القادمة هي من ستحكم، فالحكمة اليمنية دائما تطغى على كل الخلافات، ولعلنا عشنا مرحلة عام 2011م، والتخوفات من حروب داخلية كانت حاضرة، وتمكنت اليمن من الخروج من تلك الأوضاع بسلام، كما أن ما يدور لا علاقة له بثورة الربيع العربي البتة. فيما وصفها بن مبارك بالقول: هناك رعاية دولية وتسيير دولي للحوار، وليس هناك مشاريع دولية جاهزة، أو تدخل بمعنى التدخل الذي يفهم منه الإملاء بالشكل الذي يفهم منه هذا الأمر ويوظفه كل وفق حساباته. لكن الطويل اعتبر أن التدخل الدولي في شؤون اليمن واليمنيين لم يكن إلا بموافقة الأخير، وليس هناك تدخل بالقوة، لكن ما نعانيه من مخاطر الإرهاب والتطرف في ظل دولة لا تملك إمكانيات ضخمة للقضاء عليها فرض على بلادنا الاستعانة بدول أخرى، أما داخل الحوار الوطني فليس هناك أي تدخل البتة، وإنما هناك مساعدة فقط. صراعات الخارج انتصار القاضي اختتمت الندوة بنقاشها الشبابي الثوري الصريح: اليمن دائما مسرح الأحداث لكل القوى مع احترامي لهم، فهم دائما ينقلون صراعات الخارج إلى داخل اليمن، فتلك القوى المتحكمة باليمن ترى أن اليمن مجرد استثمار لها؛ للحصول على موقع فيها وتحقيق مصالحها، لكن أن تتحدث أن الثورة وراء بروز مثل هذه الظواهر السلبية هذا غير صحيح، فأنا رغم أني قادمة من مأرب التي شوهت صورتها بشكل كبير مؤخرا كانت أول أمرأة تصعد إلى منصة ساحة التغيير، وأعلن صراحة أني مأربية قادمة من وسط قبيلة، لا تؤمن بحرية المرأ، لأقول: كفى عبثا بمصالح شعوبنا، كفى تدخلات في شؤون بلداننا وما يدور اليوم هو مجرد أضغاث أحلام من قبل بعض القوى لا غير، أما ثورة الشباب فستخرج بإذن الله منتصرة على المحاولات التي تحاول أن تجعل منها ذريعة لتنفيذ مخططات إرهابية وتخريبية.