استعاد الذاكرة السياسية السورية بالكامل، أمام «عكاظ» واسترسل في ذكريات الماضي السياسي.. قلب صفحات سوريا المجهولة على مدى ثلاثة عقود.. فتح ملف أحداث حماة الشهيرة، وكشف المستور في هذه الأحداث.. نائب الرئيس السوري المنشق منذ العام 2005 عبدالحليم خدام، يتحدث ل«عكاظ» عن حقبة حافظ الأسد. ودافع خدام في حديثه المطول عن دوره السلمي في أحداث الإخوان، كاشفا عن أن قضية نقل الأساتذة الحمويين إلى دير الزور، هي من فجرت انتفاضة حماة في العام 1982. مؤكدا أنه حاول بكل الوسائل منع استخدام القوة. خدام، الذي توغل في تاريخ حافظ الأسد السياسي، أكد أن حافظ لم يصنعه وأنه أنقذه من الكثير من الهفوات خلال وجوده وزيرا للخارجية.. لافتا إلى أنه عمل مع البعض على توطيد حكم الأسد، الذي كان ضعيفا في بداية الانقلاب على السلطة العام 1973.. فإلى التفاصيل: هل أنت مستعد لنبش الذاكرة السورية دون أن تمحى بعضا من صفحاتها؟ بالنسبة لمسيرتي التاريخية، فهي مسجلة في مذكراتي التي انتهيت من كتابتها وهي جاهزة تبحث فقط عن من يتبناها لترى النور. منذ أن فتحت عيناي على السياسة، أي منذ 1947... فإن كل الوقائع، سواء تلك التي شاهدتها أو شاركت فيها مسجلة وبأمانة في مذكراتي... ولا أجد مانعا في أن تخرج للعلن وتكشف عن حقائق كثيرة بأمانة تاريخية. حتى تلك التي تورطت فيها وكنت جلادا من خلالها على مدار ثلاثة عقود من الزمن؟ إذا كان لأي كان دليل قاطع على تورطي في شبهة فساد أو سرقة أو جرائم قتل، أو حتى قرارات سياسية مشبوهة، فإنني أؤكد من هذا المنبر، أنني مستعد للمحاكمة بعد سقوط نظام بشار الأسد... كنت نائب الرئيس حافظ الأسد، وبعده كنت مقربا لابنه لكن القرار الأول والأخير كان بيد رئيس الدولة، سواء في عهد الأسد الأب أو الأسد الابن ومن يملك ضدي ملفات، فليقدمها للعدالة... وسنرى .... انتفاضة حماة كنت محافظا لمدينة حماة التي شهدت أكبر انتفاضة تاريخية، ويقال إنك ساهمت في قمع المتظاهرين... ما حقيقة انتفاضة حماة؟ السبب المباشر والحقيقي لانتفاضة حماة هو قرار وزير التربية والتعليم آنذاك بنقل أساتذة من مدينة حماة إلى دير الزور في منتصف العام الدراسي إثر الاحتجاج على اعتقال أحد الطلبة الذي كتب تعليقا في إحدى المدارس، يقول فيه «لا حكم إلا لله»، ورد طالب آخر عليه «لا حكم إلا لحزب البعث»، فاعتقلت السلطات الطالب وتسبب ذلك في شن حركة احتجاج تسببت في نقل الأساتذة بعيدا عن عائلاتهم ولم يكن بإمكانهم توفير المعيشة لأنفسهم ولعوائلهم... وقمت يومها برفع مذكرة للحكومة، أطالبها بالتريث في نقل الأساتذة لغاية انتهاء العام الدراسي وإغلاق المدارس أبوابها ويتم نقلهم في إطار التشكيل العام ومن ثمة تجنيب حدوث مشاكل. قابلت يومها وزير الداخلية واقتنع بالفكرة وقال: انظر الأمر مع رئيس الوزراء اللواء محمد عمران، وفعلا عرضت عليه الموضوع، واقتنع بالفكرة وقال لي سأطلب اجتماع القيادة وأعرض عليها الموضوع. وتم الاجتماع مع القيادة ولكنها رفضت الفكرة والتراجع عن قراراتها. في اليوم الموالي، بُلغت من طرف رئيس الوزراء اللواء محمد عمران أن القيادة رفضت التراجع عن قراراتها. فقلت له: الانفجار واقع في حماة. أنت سعيت لاحتواء الاحتقان ولكنك كنت أيضا ضمن فريق كان يسيّر الأزمة بقبضة حديدية؟ طبعا سعيت مع رئيس الدولة ورئيس الوزراء والأمين العام المساعد للحزب ورفعت لهم مذكرة وقابلتهم وشرحت لهم الوضع كله لأنني كنت محافظ مدينة حماة وأعرف جيدا تركيبة المجتمع وكيف يفكر وكنت أتوقع حدوث ذلك لأنه قبل الانفجار حدث احتقان بالمدينة بيومين أو أكثر وصار إضراب شل المدينة كلها وكانت المحصلة ذلك الانفجار. بعد ذلك وبعد حدوث الانفجار جاء رئيس الدولة ووزير الداخلية والأمين العام المساعد للحزب واستلموا إدارة الأزمة ولم أكن ضمن فريق تسيير الأزمة. حاولت منع وقوع ما حدث بكل الوسائل السلمية وما وفقت في ذلك لأن القيادة العليا لم تصغ لرأيي وما اقترحت من حلول وفضلت المضي في قراراتها وهو الذي أعطى فرصة لحدوث الانفجار، وحدث ما حدث وقصفت حماة. رجل الظل كنت رجل الظل الذي يخطط لانتصارات الأسد على خصومه منذ بداياته الأولى؟ الرجل كان ابن مدينتي بانياس وكنا نعرف بعضنا جيدا... في مرحلة ما قبل مجيء حافظ الأسد للسلطة دوري السياسي انحصر عبر النشاط الحزبي بحزب البعث الاشتراكي وبعد مجيء حافظ الأسد للسلطة، والذي كان لي دور أساسي في مجيئه، فقد توليت منصب نائب الرئيس. نعم أنقذت حافظ الأسد من مزالق كثيرة وكنت مهندس سياسته، فهو لم يصنع عبد الحليم خدام سياسيا لأنني كنت متمرسا فيها. كنت أجتمع مع بعض القياديين العسكريين لنتدارس المسألة ونجد لها حلولا عندما (وقع الانقلاب) في تشرين 1970م كان حافظ الأسد منهزما ومعزولا ولكننا تمكنا من ترجيح الكفة لصالحه. اجتمعت أنا و قياديين من الحزب هما محمد حيدر عضو القيادة القطرية المؤقتة وضابط آخر من الجيش وحافظ الأسد وسطرنا خطة لنستدرك الأمر وأحكم بذلك حافظ الأسد قبضته ورجح الكفة إلى صفه. كيف كان لك دور أساسي في مجيئه للسلطة؟ كان الحزب متشددا جدا ويحمل أفكارا متعصبة، فإذا شخص وضع ربطة العنق يتهم بأنه رجعي. بالمقابل كان في نفس الحزب مجموعة من البعثيين القياديين لهم مستويات مختلفة يحملون أفكارا إصلاحية. كانوا يؤمنون أنه لا يجب الضغط على الشعب بهذا الشكل لأن الضغط لا يأتي بنتيجة خاصة أن الحزب اشتراكي ويرفع شعار «الشعب هو مصدر السلطة»... فكيف يكون الشعب مصدر السلطة وهو مخنوق؟ حافظ الأسد تبنى هذا التيار ونحن قمنا بمساندته ودعمه بين قيادات الحزب، لأن الصراع كان على أشده بين هذه القيادات. هل لأن الأسد تبنى هكذا فكر، خطط للانقلاب عليه؟ حافظ الأسد كان يحمل نفس الأفكار التي تبنتها مجموعة من القادة والضباط لذلك كان يسعى لحركة تصحيحية تُقوم المسار السياسي داخل السلطة. وتم انعقاد مؤتمر استثنائي لحزب البعث، كان الهدف منه عزل حافظ الأسد من السلطة من قبل القيادة القطرية أي محاولة الانقلاب عليه عن طريق المؤتمر القومي للحزب. صلاح جديد هل كان صلاح جديد يشكل الند السياسي القوي للأسد؟ نعم صلاح جديد كان له وزنه السياسي داخل الحزب والسلطة. الرجلان الأكثر قوة كانا حافظ الأسد الذي تولى منصب وزير الدفاع والقيادة الجوية وصلاح جديد الذي شغل منصب الأمين العام المساعد للحزب.. وهل شعر حافظ الأسد بخطر صلاح جديد عليه؟ حافظ الأسد أحكم قبضته على الجيش والمخابرات بينما توغل صلاح جديد في الحكم بشبكة علاقات من خلال تواجده على رأس الحزب وظهر خلاف قوي بين جديد وبين حافظ الأسد، خلفيته كانت صراع جديد والأسد على من يسيطر على مفاصل الدولة والجيش. واستمرت الأزمة ببنهما، ففي 1970م انعقد مؤتمر قومي استثنائي واتخذ طبعا الأسد كل الاحتياطات اللازمة حتى لا يتفاجأ بأي عملية انقلاب وليكون قادرا على التحكم في الخصوم السياسيين داخليا وخارجيا ورغم ذلك صارت الأمور في غير صالح الأسد وعزل تماما في المؤتمر وقرروا إعفاءه من منصب وزير دفاع بينما تمتع صلاح جديد بتأييد غالبية المشاركين في المؤتمر، ولكن عادت الأمور إلى نصابها وتحكم الأسد في الأمر وهرب الكثير من خصومه إلى خارج سوريا... المؤتمر القومي هل كان انفجار المؤتمر القومي وانسحاب القيادة القطرية من ضمن ما خططتم له أنت وحافظ الأسد؟ لا... عندما انفجر المؤتمر القومي انسحبت القيادة القطرية من المؤتمر القومي والقياديين العرب الموجودين بالمؤتمر القومي غادروا إلى لبنان واستقال رئيس الوزراء من الحكومة فأصبحت البلد بدون حكومة... ورئيس الجمهورية كان إلى جانب الحكومة فبقي في بيته. هنا اجتمعنا مع حافظ الأسد واتفقنا على إجراء التغيير وتشكيل قيادة مؤقتة جديدة تدير الحزب وتشكيل حكومة جديدة واخترنا أحد الأشخاص رئيسا مؤقتا للدولة، صدر إعلان بتشكيل القيادة المؤقتة وبتسمية حافظ الأسد رئيس وزراء. حنكة وهدوء تمت صياغة الإعلان وكنت ضمن الطاقم الحكومي، هل هو مكافأة لك من حافظ الأسد على وفائك له؟ بل هو اعتراف بدوري في إدارة ملفات بحنكة وهدوء... عندما اجتمعنا بعدها وشكلنا الحكومة تم تنصيبي نائب رئيس وزراء ووزيرا للخارجية، عندها أخذت مسؤولية إدارة السياسة الخارجية ومسؤولا مباشرة عنها... ولكنني لم أنفرد بالقرارات في القضايا البارزة، كنت أتشاور مع رئيس الدولة ثم نجتمع بالقيادة القطرية لبحثها... السني الوحيد كنت السني الوحيد المقرب من الأسد؟ لا لم أكن السني الوحيد في الحكومة بل الغالبية من السنة ولكنني كنت السني الوحيد المؤثر في قرارات حافظ الأسد... المشكلة التي برزت بعد ذلك أن الحزب بعد حركة تشرين الثاني انقسم: قسم كان معنا وقسم كان ضدنا مع القيادة السابقة ومن ثمة لما اخترنا قيادة قطرية مؤقتة عمليا كان الاختيار من الصف الثاني والثالث بالحزب وصار هناك فرق من حيث الخبرة والتجربة ...فجاء جيل جديد للقيادة وجيل جديد للحكم.... كانت هناك تعثرات وهو أمر طبيعي بهذه الظروف...