بعد مرور أكثر من 04 عاما، على صدور القرار التاريخى للملك فيصل بقطع البترول، عن الدول الغربية التي تساعد إسرائيل، أو تتبنى موقفا ضد مصر في حرب أكتوبر 3791، قفز هذا الموقف التاريخي إلى صدارة الذاكرة المصرية على المستوى الشعبي قبل السياسي، عقب إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وقوفه بجانب مصر وجيشها وشعبها ضد الإرهاب الذي تتعرض له، وضد من يدعم هذا الإرهاب، وهو مالفت انتباه رجل الشارع المصري البسيط، قبل السياسي المحترف. إن موقف خادم الحرمين الشريفين لم يتوقف عند مجرد الدعم المعنوي، ولكن تبعه بحزمة قرارات دخلت حيز التنفيذ، ظهرت نتائجها في صورة ارتفاع الاحتياطي النقدي في البنك المركزي المصري إلى جانب التحول التدريجي فى موقف بعض الدول الأوروبية خاصة فرنسا، فيما يتعلق بثورة 03 يونيو، بعد الجولات والاتصالات التي قام بها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل مستثمرا في ذلك الثقل الدولي الذي تتمتع به المملكة. وقد جاء الموقف السعودي، بالإعلان عن دعم مصر في حربها ضد الإرهاب، ورفض التدخل في شؤونها الداخلية، ليكون دافعا لاستعادة أحد أوجه التضامن العربي، بشكل مباشر، إذ أعلنت الإمارات تأيدها لهذا الموقف، وتلتها الكويت والبحرين، والأردن وغيرها . عودة التضامن العربي، وزيارة الرئيس المصري عدلي منصور للمملكة، كانت في مقدمة المحاور التي ناقشتها «عكاظ» في الندوة التي عقدتها في مكتبها في القاهرة، بمشاركة مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية السفير ناصر كامل، وأمين عام الجامعة العربية المساعد السفير محمد صبيح، والأمين العام لحزب المصريين الأحرار والقيادي في جبهة الإنقاذ الوطني الدكتور محمود العلايلي، ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بورسعيد الدكتور جمال سلامة . «عكاظ» : بداية هل هناك إرادة سياسية لدى الدول العربية في إعادة التضامن العربي وتنتظر فقط المبادرة والمناسبة، وهل تعد المواقف العربية تجاه الثورة المصرية فاتحة أو بشارة بعودة هذا التضامن ؟ حائط السد السعودي السفير ناصر كامل: مصر والمملكة ركيزة العمل العربي المشترك العلاقة بين مصر والمملكة هي علاقة بين دولتين لهما ثقل، وإذا كانت العلاقة في حالة ارتكاز واستقرار فهناك إمكانية قوية لتأسيس موقف عربي ذي ثقل على المستوى العالمي. ولاشك أن منظومة العمل العربي شهدت اختلالا في بعض الفترات، وأعني الفترة « الناصرية»، ولكن عندما عادت العلاقات بين البلدين إلى نصابها الصحيح بالتزامن مع حرب أكتوبر 1973، كان هذا الأمر في حد ذاته سببا جوهريا في تغيير نظرة العالم أجمع إلى التعاون العربي، وهو ما يمكن البناء عليه في كثير من المواقف اللاحقة، مثلما حدث قبل تحرير الكويت فيما عرف ب «إعلان دمشق» ، الذي كانت مصر والمملكة من أهم مؤسسيه . أما إذا ابتعدتا اقترب الخطر، وإذا تحدثنا عن الحالة الراهنة فإن الموقف السعودي الداعم لثورة الشعب المصري ورغبته، يأتي انطلاقا من الرؤية الثاقبة للملك عبد الله التي تنحاز إلى أن أمن مصر واستقرارها جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وإذ جاز التعبير يمكن أن نقول إن « أمن القاهرة يبدأ في الرياض، وأمن الرياض يبدأ من القاهرة» ومن ثم فإن الموقف السعودي، كان بمثابة حائط صد قوي من ناحيتين الأولى: عندما وقفت المملكة خلف مصر، فإنها كانت تقف خلف الأمن القومي العربي بصفة عامة. والثانية: على المستوى الدولي وتحذير المملكة القوي من التدخل في شوؤن مصر الداخلية أسهم في تغير مواقف دول غربية كثيرة أساءت فهم الأوضاع . وبالتالي عندما يصل التنسيق والتناغم بين مصر والمملكة إلى ما هو عليه الآن ، فإن ذلك من شأنه أن يعيد اللحمة إلى العمل العربي المشترك، نحن نتحدث عن دولتين قائدتين، وموقف الملك عبد الله كان له دور كبير مهد الطريق إلى أن تسير العديد من الدول العربية على نفس درب المملكة لخلق رأى عربي موحد للتعامل مع العديد من التحديات. موقف جدير بالاحترام «عكاظ»: لكن بعض الدول العربية كان لها موقف سلبي تجاه مصر ؟ السفير ناصر كامل: هذا الموقف السلبي لا يعني شيئا إذا ماكانت تتبناه دولة أو اثنتان، معظم العالم العربي كان داعما لموقف مصر ورغبة شعبها، وعندما تتحدث عن النسبة والتناسب والتأثير لن تجد لهذا الموقف السلبي دورا يذكر. العديد من الدول العربية الكبيرة، ولكن تظل المملكة في المقدمة، وهذه ليست مجاملة هذا واقع وحقيقة، وأعني الدعم السياسي، وزيارة الأمير سعود الفيصل إلى باريس تلك الزيارة التي مثلت محطة مهمة جدا ، في دفع مواقف دول كثيرة إلى تفهم رغبة وإرادة الشعب المصري، وإعادة قراءة ماحدث في مصر من زاوية مختلفة. ولا ننسى أنه عندما يخرج زعيم دولة عربية لها ثقلها ووزنها مثل الملك عبد الله ليقول للمصريين أنا معكم وأساندكم فإن هذا الموقف جدير بالاحترام والتقدير . مرحلة جديدة في السياسة العربية «عكاظ»: هل يمكن البناء على الحالة المصرية السعودية في بناء موقف مشترك تجاه العديد من القضايا التي تحيط بالأمة العربية على سبيل المثال الأزمة السورية والقضية الفلسطينية ؟ د . محمود العلايلي: أعتقد أننا بحاجة إلى مرحلة جديدة في السياسة العربية، مبنية على تبادل المنافع الحقيقية، مثل التجمعات والتكتلات والاتحادات الدولية، و ينبغي الاستفادة من مرحلة الزخم الحالية في العلاقات، ووضع تصورات للمستقبل . مواجهة التحديات الدكتور جمال سلامة: طبيعة المواقف تفرض نفسها أحيانا و إذا لم تجمعنا المصالح المشتركة، من المؤكد أن تجمعنا التحديات، وأنا أتذكر حديثا منذ عامين أو أكثر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، استخدم فيه لفظ « العروبة» وأنا أعتقد أنه كان قد استشعر حينها أن هناك مؤثرا غير عربى بدا يطفوا على سطح الأحداث، وربما استشعر خطرا على المنظومة العربية، سواء كان هذا العنصر في العراق أو هنا في مصر. وإذا عدنا بالذاكرة إلى مرحلة الخمسينات وقتما كان هناك ما يعرف ب «حلف بغداد» تصدت مصر والمملكة لهذا الحلف، وصدر وقتها بيان مشترك بين جمال عبد الناصر والملك سعود، وعرف هذا البيان ب « بيان أسوان» وهناك الكثير من الشواهد في هذا السياق، الدول العربية تستطيع أن تؤثر في القرار الدولي، وهذا ما ظهر في الحالة المصرية مؤخرا، ففي الوقت الذي كان فيه أوباما يتحدث عن الشأن المصري ويقول يجب أن يفعل الفريق السيسي كذا وكذا ، أصدر خادم الحرمين الشريفين بيانه التاريخي في ذات الليلة، داعما الجيش والشعب المصري ضد الإرهاب، وضد التدخل في شؤون مصر، وتوالت بعد ذلك المواقف الداعمة والمؤيدة للموقف السعودي تجاه مصر، وحدث أن تراجعت أمريكا عن تهديدها، وكذلك الدول الأوروبية، إذن الدول العربية تستطيع أن تؤثر في القرار الدولي من خلال العلاقات الشخصية، وثانيا من خلال نفوذها المالي والاقتصادي، وثالثا من خلال استثمار الثقل الدولي . موقف شجاع وحكيم السفير محمد صبيح: لا شك أن موقف الملك عبد الله تجاه مصر في تلك الفترة، كان موقفا شجاعا وحكيما بالحسابات الدقيقة. الخطر الذي كان يحدق بمصر في أعقاب ثورة 30 يونيو، كان يحدق بالأمن القومي العربي، وكانت مشروعات التقسيم للبلدان العربية جاهزة مثل الشرق الأوسط الجديد وغيرها من المشروعات والمخططات الخطيرة على مستقبلنا . زيارة الرئيس المصري إلى المملكة «عكاظ»: في هذا الإطار كيف تنظرون إلى زيارة الرئيس المصري إلى المملكة ودلالات أنها تأتي في مستهل أول تحرك خارجي له ؟ السفير ناصر كامل: هذه الزيارة لتقديم الشكر والتقدير إلي المملكة لدورها الداعم لمصر، كما أن هذه الزيارة لتأكيد ما اتفقت عليه مشاعر الود والاحترام بين البلدين، ومناقشة بعض الملفات وعلى رأسها الملف السوري، بيد أن العنوان الرئيس لهذه الزيارة هو الشكر. د . محمود العلايلى : أعتقد أن هذه الزيارة مهمة لأن الموقف السعودي الحاسم منذ الثالث من يوليو كان يجب أن يقابله رد فعل مصري سريع . د . جمال سلامة: أتفق مع ما ذهب إليه الدكتور العلايلى، في أنه يجب أن تكون الزيارة بداية إلى الاتفاق على آليات لتعاون مشترك يتجاوز الحالي، ويليق بعلاقات شديدة الخصوصية. السفير محمد صبيح : تجي هذه الزيارة في لحظة فارقة، وتحتاج إلى تأسيس علاقة استراتيجية مع أرضية صحيحة .. وعلى سبيل المثال عندما ذهب الأمير سعود الفيصل إلى باريس تحدث بصوت مصر ، وأتى بنتائج مباشرة بعد ساعة تمثلت في تغير جوهري في الموقف الفرنسي من الأوضاع في مصر بعد 30 يونيو. تنسيق ثنائي لعمل عربي مشترك «عكاظ» : إلى أي مدى يمكن أن يكون التنسيق المصري السعودي فاعلا في قيادة عمل عربي مشترك أكثر نضجا؟ السفير ناصر كامل: هناك رغبة حقيقية في عودة مصر إلى منظومة العمل العربي مجددا، وأعتقد أن هناك رغبة صادقة لدى جميع الأطراف في ذلك، وفيما يتعلق بمصر والمملكة هناك تنسيق دائم، لا يمر يوم إلا ويكون لي اتصال مع السفير أحمد القطان سفير المملكة لدى مصر، ومندوبها الدائم للجامعة العربية، وكذلك الأمر في المملكة مع السفير المصري في الرياض، و أعتبر السفير أحمد قطان جزءا من فريق العمل المصري، وبالنسبة لنظيره في الرياض هو جزء من فريق العمل السعودي. «عكاظ» : هل من الممكن عودة سحابات الصيف التي ظهرت في هذه العلاقات في فترات سابقة ؟ السفير ناصر كامل: عندما يكون الأساس سليما، ومبنيا على الضرورة الاستراتيجية إلى جانب رغبة وإرادة صادقة، لن يكون هناك ظهور لهذه المشاكل، من الوارد أن تكون هناك مشكلة ما في الاستثمار أو غيره في المجالات، ولكن عندما تكون هذه العلاقات صحية لن تظهر على السطح، سيقوم الشركاء أو أطراف المشكلة بحلها دون التدخل من أي طرف آخر ، وأتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تدفق العديد من الاستثمارات السعودية والخليجية إلى مصر، ومن الوارد أن تكون هنا مشكلة أوهناك مشكلة، ولكن إدارة المشكلات أو التعامل معها من قبل المسؤولين فى البلدين هو سر النجاح في حلها .