درست وتفوقت وحلمت بأن أكون فعالة في المجتمع، وفي هذه الأثناء تقدم لي عريس ثري، وعد والدي بنصف مليون ريال هدية له غير المهر، فوافق والدي وأنا رافضة له فضربني وكسر يدي، وأخبرني بأنه سوف يزوجني رغما عني ولو بالسلاسل، وعندما حدد والدي موعد قراءة الفاتحة وما زالت يدي مكسورة، انتظر حتى الثالثة فجرا، وبعد تأكدي بأن الجميع في سبات عميق جمعت ملابسي، غادرت المنزل وطرقت الباب على الجيران لاستخدام الهاتف وحدثت عمي الذي حضر وأخذني من عند الجيران، ومن فوره أخبر والدي بوجودي عنده حتى لا يبلغ الشرطة، وفي الصباح ذهب عمي لوالدي ووبخه بكلام قاس ثم اصطحبه للحرم وجعله يقسم على المصحف، بأن لا يزوجني إلا لمن أقبل به وأن لا يضربني أو يعاملني بسوء وبعد مرور ثلاثة أشهر عدت لمنزل الأسرة. هذه التفاصيل المؤلمة روتها الشابة (ج، أ)، تعكس ظاهرة هروب الفتيات من منازل أسرهن أو بيت الزوجية، وأن كان يظنها البعض كذلك إنما هي حالات فردية لأسباب اجتماعية ونفسية مثل المشاكل داخل الأسرة من تسلط العنصر الذكوري أو أحد الوالدين والتطاول على الفتاة بإهدار كرامتها بالضرب أو الشتم أو التحقير.. «عكاظ الأسبوعية» استمعت لبعض الفتيات اللاتي اضطررن للهروب من منزل الأسرة كحل وحيد ومفصلي لمشاكلهن وفق اعتقادهن، كما استمعت لآراء الخبراء والمختصين في علم النفس وطب الأسرة الذين فندوا الأسباب الحقيقية وقدموا النصح والإرشاد. أخي سلطان المنزل وذكرت الشابة (س، ح) بأن أسرتها مكونة من خمس أخوات وأخ وحيد وهو الأصغر وترتيبه الأخير، ولم تسع الفرحة والدي عند مولده، ليصبح سلطان المنزل.. الجميع يخدمه وأوامره مجابة ورضاه فوق رضي الكل، وبعد عام من تخرجي جاء قرار تعييني معلمة فرفض أخي دون إبداء الأسباب ودون أن يعترض والدي، علماً بأن أخي هذا يعد في عمر ابني لو تزوجت وأنجبت، وباتت كل محاولاتي ووالدتي لإقناعه بالفشل، حتى تدخل أشقاء والدي في الأمر إلا أن رد والدي كانت صاعقة.. «لن أكسر كلمته»، فانتظرت حتى ينام وذهبت للحرم وجلست هناك أسبوعا وليس لدي مال لأبتاع الطعام، وكنت أعيش على ماء زمزم وبعض الطعام الذي يوزع في الحرم. وأضافت «أبلغ والدي الشرطة عن هروبي، وكنت خلال هذه الفترة على تواصل مع ابنة الجيران، فهي صديقتي، فطلبت مني الحضور إلى منزلهم في حماية والدها، ولأنه رجل فاضل وله مكانه في الحي قبلت بعرضها، وعلى وليمة عشاء في منزله حضرها جميع رجال الحي ووالدي من بينهم، فتح والد صديقتي الموضوع وأحرج والدي، ورافقه إلى مركز الشرطة لإلغاء بلاغ الهروب ثم كتب تعهدا بعدم التعرض لي أو إضراري أو تحكم أخي بنا وأن ينقل ولايتنا لأحد أعمامي بحضورهم، بعدها تحسن وضعنا». رفضت الزواج بكهل واختصرت الشابة (أ، ع) مأساتها بالقول «عمري 20 عاماً ووالدي يريد أن يزوجني رجلا يكبرني ب 65 عاما، بعد أن طلب منه الزواج بي وطلب عدم رفضه، فوافق والدي وعندما رفضت اشتاط غضبا فهربت لمنزل صديقتي وهي تعد كأخت لي ووالدها كوالدي ومكثت عندها شهرا، لعلمي بأنه لن يبلغ الشرطة لخشيته من الفضيحة، وبعد مرور الشهر ذهب له والد صديقتي وتحدث معه وهدده بأنه لو ألحق بي الأذى سيبلغ عنه الشرطة فعدت إلى المنزل وبعد ذهاب والد صديقتي ضربني، فقلت له إذا لم يكف عن أذيتي سأذهب للمحكمة فتوقف». أشعلت لحاف سريري من جهتها، قالت الشابة (م، خ) «توفي والدي وأنا وحيدة أمي، ولم أزل في الخامسة عشرة من عمري ووالدتي تصر على تزويجي لشاب عاطل عن العمل وأخلاقه سيئة يعرفها كل من في الحي، وعندما رفضت حبستني في غرفتي دون طعام أو شراب أو استخدام دورة المياه، وبالصدفة تحصلت على ولاعة في غرفتي فأشعلت في لحاف سريري وبعد انبعاث الدخان أبلغ الجيران الدفاع المدني ومع الزحمة هربت لمنزل خالي الأكبر، ورويت له القصة فعرفت حينها أن والدتي تريد الزواج من رجل كان قد تقدم لها قبل ارتباطها بوالدي ولكن جدي رفضه، وبعد وفاة والدي طلب يدها من جديد ولكن بشرط أن لا أعيش معهم، فانتقلت إلى منزل خالي حتى تتزوج هي من تحب». وأضافت «للأسف أن أي شخص يسمع بهروب فتاة يظن فيها السوء أو يعتبرونها ارتكبت خطأ وتحاول ستر فضيحتها ولا يبحثون عن الأسباب الحقيقية». تسلط العنصر الذكوري إلى ذلك، أكدت الأخصائية النفسية في جامعة الملك عبد العزيز بجدة نوال الزهراني، تعدد أسباب هروب الفتيات وقالت «هناك أسباب اجتماعية ونفسية مثل المشاكل داخل الأسرة من تسلط العنصر الذكوري أو أحد الوالدين والتطاول على الفتاة بإهدار كرامتها بالضرب أو الشتم أو التحقير أو إشعارها بأن ولادتها لم يكن مرغوب فيها من الأساس، فيغرس هذا داخل نفسيتها بأنها شخص غير مرغوب فيه ويؤثر ذلك في نفسيتها فيمكن أن يجعها تلجأ للهروب أو الانتحار في بعض الحالات». رغبه في الانتقام وأضافت «قد يكون التفكك الأسري أحد الأسباب ويمكن أن تدخل الأسباب الاقتصادية ضمن العوامل المساعدة لهروب الفتيات، فالمستوى الاقتصادي المنخفض يمكن أن يدفعها للهروب ظناً منها بأنه يحسن من مستواها، كما أن المستوى الاقتصادي المرتفع والترفيه الزائد يمكن أن يؤدي بالفتاة للهروب خاصة وأن الأسر المترفة اقتصادياً يكون الترابط الأسري بينها ضعيفا فكل شخص مشغول في جانب من جوانب الحياة». وللأسباب النفسية دور كبير في المشكلة وفق الزهراني، وقالت «بعكس ما يظن البعض فإن المشكلة عميقة ومتشابكة فمن الممكن أن تكون الفتاة تعاني من اكتئاب حاد ولم يعالج أو اضطراب أو شخصية اعتمادية وضعيفة يسهل التأثير عليها، وقد يكون لديها رفض لنفسها بسبب الشكل أو الوزن واستهتار الأسرة منذ طفولتها فيتكون داخلها كره ورفض لنفسها وقد تكون الفتاه تلقت دلالا مفرطا أو شدة مفرطة فجمعت في شخصيتها اضطرابا واكتئابا وفي حال الشدة حقد ورغبة في الانتقام وإن كان من خلال نفسها». عدم خلط الأسباب ونصحت الأخصائية النفسية بتشخيص كل حالة على حدة وعدم خلط أسباب أكثر من مشكلة، بحيث لا يكون الحل جماعيا، وهذا يتطلب تشكيل لجنة من عدد من الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين والمفكرين والمثقفين بهدف دراسة كل حالة على حدة لتحديد أسباب تصرف الفتاة، ثم تحديد طريقة لحل المشكلة وفي الغالب يكون إعادة التأهيل بشكل صحيح أساسياً في الحلول. ونصحت الزهراني، كافة الأمهات باحتواء الأبناء وإمدادهم بالحب والحنان والعطف، خاصة في الخمسة أعوام الأولى لأنها مرحلة تكوين شخصية الطفل سواء ذكر أو انثى، وطالبت بعودة دور الأسرة الضابط والمترابط، وأن يكون أساس التربية والحنان والاحترام لسن الفتى أو الفتاة على وجه الخصوص، لأن عواطفها تختلف؛ فلو افتقدت لهذه العواطف سوف تتكون لديها رواسب نفسية سيئة وعلى المجتمع أن يعي ضرورة تعامل بعضنا بعضا من دواخلنا وعدم الحكم على الأفراد من الظاهر، واسترجاع القيم والمبادئ الجميلة التي يحرص كل فرد فيها علي الآخر. مشكلة من شقين من جهتها، أوضحت الدكتورة مها العطا استشاري طب الأسرة في وزارة الصحة، بأن هروب الفتيات ليست ظاهرة كما يظنها البعض، إنما هي حالات فردية لذا يجب أن لا نحولها لظاهرة، ومن يسلك هذا الطريق مقارنة بنسبة المجتمع، وتضيف «هروب الفتاة له شقان، الشق الأول معني بالفتاة؛ حيث يمكن أن تكون الفتاة تعاني من مرض نفسي لم يتم تشخيصه والتعرف عليه بشكل صحيح، ومنه الاكتئاب الشديد أو انعدام الثقة بالنفس أو عدم القدرة على تحقيق أمانيها ومتطلباتها في الحياة». وزادت «الشق الثاني من المشكلة بسبب البيئة المحيطة التي تعيش فيها الفتاة وهي الأسرة، المجتمع والأصدقاء، ومن الأسباب التي تتعلق بالمجتمع أصحاب السوء أو الصديقات غير السويات، ولا أعني أخلاقيا ولكن يمكن أن يكن يعانين من أمراض نفسية يتم تفريغها عبر الأخريات، خاصة ضعاف الشخصيات اللاتي يتأثرن بسرعة وشخصيتها غير مستقرة فتحرض على الهروب من المنزل، وكذلك بسبب سوء المعاملة في المنزل بشكل كامل أو عن طريق فرد من أفراد العائلة وقد تكون سوء المعاملة مثل الضرب أو الإهانة أو التحقير، وعدم تحقيق أمانيها ومتطلباتها إذا كانت ممكنة وتدخل في إطار البيئة كالفقر مثلاً التي تجعل الفتاة تلجأ للهروب لبيئة أخرى لاعتقادها بأن هروبها وانتماءها لبيئة أخرى يحسن من وضعها الاقتصادي». وتابعت العطا حديثها بالقول «إذا كانت الفتاة ضعيفة الشخصية سوف تظن أن الهروب أو الانتحار سيخلصها من مشكلتها، لذلك على الأسرة تقوية أبنائها ليكونوا قادرين على مواجهة المشاكل والتعبير عن آرائهم والتصدي لأي تأثير خارجي، وعلى الأم العودة لدورها الصحيح وكذلك الأب، لأن الأسرة أساس بناء الشخصية وهي التحصين المتين للأبناء وعدم تحويل المسؤولية للإخوان، فمن الأسباب التي تكون سبب مشاكل الفتاة أن يكون دور الوالدين مغيبا والمتحكم أخ أصغر من أخته بعشر سنوات أي لا يتجاوز العاشرة من العمر». معرفة جوهر المشكلة وطالبت بعودة التواصل الأسري كالسابق من أجل حل هذه المشكلة وتبادل الآراء والقرارات وتقليص الفجوة بين أفراد الأسرة عن طريق الأنشطة الاجتماعية والنزهات للأسرة مجتمعة، وقالت «ليس كل فتاة تهرب هي سيئة الأخلاق أو وقعت في محظور وتحاول ستر فضيحتها، وعلى الأسرة عند عودة الفتاة الهاربة التعامل معها بحب غير مشروط، واحتوائها ومعرفة جوهر المشكلة أو السبب الحقيقي لهروبها بهدوء وإيجاد الحلول للمشكلة، فضلاً عن عرض الفتاة على طبيب نفسي لمساعدتها بشكل صحيح»، مؤكدة على أن أساس هروب الفتاة سببه فقدها للحب والحنان غير المشروط من أسرتها والاستماع لها وإعطائها الحق في كونها إنسانة لها حق ورأي ولا يعني الهروب سوء الخلق في كل الحالات.