في كل حقبة وزمن يظهر رجال يسخرون حياتهم ومواهبهم وإمكاناتهم لخدمة الآخرين ونفعهم ويتركون مآثر وأعمالا قلما يجود بها غيرهم. وتعتبر وفاة الشيخ عبدالملك بن عبدالله بن دهيش رحمه الله والذي وافته المنية يوم الخميس الماضي في الثاني والعشرين من شهر شوال خسارة كبيرة للعالم الإسلامي والعربي والسعودي، ذلك لأن علمه وبحوثه وإنجازاته تجاوزت ما هو محلي وعربي إلى العالم الإسلامي. إن اهتمامات وبحوث الشيخ رحمه الله بمكةالمكرمة وحدودها والمشاعر وحدودها والصفا والمروة وحدودها، وما ترجمه من كتب مشهورة في هذا المجال، هي على سبيل المثال: (1) الحرم المكي الشريف والأعلام المحيطة به. (2) حدود المشاعر المقدسة (منى، مزدلفة، عرفات). (3) حدود الصفا والمروة التوسعة الحديثة دراسة تاريخية فقهية. قد كانت إسهامات فارقة ومؤثرة حتى في قرارات تحديد الحدود الشرعية لمكةالمكرمة وحدود السعي بين الصفا والمروة، حيث بنى اجتهاداته على المنهج والبحث العلمي الموثق. وللعالم الشيخ عبدالملك دراسات كثيرة وهامة قام بتحقيقها، ومن أهمها في مجال التفسير والأحاديث والفقه: (1)كتاب «رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز» للشيخ الرسعني، في ثمانية أجزاء. (2) كتاب «الأحاديث المختارة» للمقدسي، في ثلاثة عشر مجلدا. (3) كتاب «معونة أولي النهي شرح المنتهي» لابن النجار الفتوحي الحنبلي، في ثلاثة عشر مجلدا. وهذه الأسفار العلمية المميزة جعلت الباحثين وطلاب العلم والقضاة لا يستغنون عنها في أبحاثهم وأحكامهم القضائية، وما كان للشيخ أن يؤلف ويبحث ويخرج مثل هذه الآثار العظيمة لولا فضل من الله ثم توفر الإعداد العلمي والأخلاقي والرغبة لدى المشايخ وما حظي به من مدرسة العلم والأدب والتربية في منزله وفي بلده والذين تتلمذ على أيديهم والمدارس والجامعة التي تخرج منها، ولولا وجود بيئة أسرية محفزة ومشجعة ومربية على العلم وفضله والاستزادة منه، فقد عمل في سلك التعليم وسلك القضاء وفي شؤون الحرمين، فقد تسلم معالي الشيخ عبدالملك رحمه الله الرئاسة العامة لتعليم البنات بالمملكة في فترة ليست بسيطة من الزمن وقد تطور في عهده تعليم البنات، بطبيعة الحال بدعم ورعاية وتشجيع من لدن الحكومة الرشيدة، تطورا كميا وكيفيا، وقد عرفت فضيلته شخصيا في كرمه وحبه لفعل الخير والتسامح مع من يقصده أو هو من يبادر بذلك، ومهما أسجل أو أكتب من مآثر الشيخ العالم المدرسة فلن يكفي في هذه المناسبة، ولكنني أختتم بالدعاء لمعالي الشيخ العالم ابن هذا البلد البار الوفي المعطاء عبدالملك بن عبدالله بن دهيش، نسأل الله أن يتغمده برحمته وأن يجزيه خير الجزاء على ما قام به وما تركه من أعمال جليلة على مستوى الوطن والعالم الإسلامي، وعزائي الشخصي إلى إخوة الفقيد الكرام، وعلى رأسهم أخونا وحبيبنا العالم المؤرخ الأستاذ الدكتور عبداللطيف بن عبدالله بن دهيش، وأبناؤه الفضلاء وهم: عبدالمحسن، ومحمد، وسامي، وهشام، ويوسف، وفيصل، ومنيرة، وبقية الأسرة الفاضلة، وأبناء مكةالمكرمة والبلد الكريم، وإنا لله وإنا إليه راجعون. الدكتور زايد الحارثي