بعد أن ظل مصطلح «مهنة البحث عن المتاعب» ردحا من الزمن يطلق على الصحافة ومن يعمل فيها، تحول اليوم هذا المصطلح ليشمل معلمات المناطق النائية اللاتي أطلقن على مهنتهن نفس المصطلح بعد أن أصبحت معاناتهن تتجدد ويتكرر مشهدها المأساوي في كل عام دراسي، بعد أن راح ضحيتها الكثير من المعلمات لتنقلهن الدائم ذهابا وإيابا لأداء الرسالة التربوية في مدارس النائية، ولا تزال الحوادث المفجعة عالقة في أذهان الكثير من المعلمات اللاتي فقدن زميلاتهن نتيجة للحوادث المرورية التي تتكرر نتيجة لعوامل غياب وسائل السلامة، وعدم تأهيل السائقين من العاطلين وكبار السن. عدد من المعلمات طالبن بضرورة تحرك التربية للتخفيف من معاناتهن من خلال إيجاد حلول جذرية تنهي ما يواجهن من صعوبات من خلال ضمان استقرارهن بالتعيين في مقر إقامتهن وتوفير مراكز حضانة في كل مدرسة لرعاية أبنائهن، ووضع منهجية لتقنين نقل المعلمات بحيث يقع تحت إشراف وزارة التربية والتعليم على أن يشمل سلامة المركبات وإخضاع سائقيها للتدريب، وأكدن في حديث ل«عكاظ» أن معاناة المعلمات اللاتي يعملن في المناطق النائية معاناة ليست بالجديدة والوزارة تدرك جيدا إبعاد هذه المشكلة التي لا تزال دون حلول، تقول المعلمة (م. الحربي) إن معاناة المعلمات في المناطق النائية ليست وليدة اللحظة بل إنها مشكلة قائمة منذ سنوات طويلة، ولم تستطع الجهات ذات العلاقة إيجاد حل يكفل سلامتهن، وأضافت: «قضيت أربعة أعوام أعمل في قرية تبعد عن محافظة الطائف 300 كيلومتر جنوبا ولم تحالفني الفرصة للانتقال إلى الطائف، فاضطررت إلى السكن في القرية التي أعمل فيها وزوجي وأطفالي يعيشون بعيدا عني وهو ما أصابني بالإرهاق وجعلني أعيش في معاناة مستمرة». في حين اعتبرت مها الزهراني أن «معلمات النائية يعشن معاناة دائمة لن تنتهي إلا بوضع حلول عاجلة للنقل والسكن والحضانة، فلا وسائل وقائية ولا سائقين مؤهلين إذ إن جميع من يقومون بنقل المعلمات هم من كبار السن أو الشباب العاطلين عن العمل، حتى أصبح نقل المعلمات مهنة من لا مهنة له، وكثيرا ما نجد أنفسنا ضحايا الخوف والرعب الناتج عن تهور بعض السائقين، الأمر الذي قد يعرض حياتنا للخطر نتيجة السفر اليومي، كون أغلب المعلمات في المناطق النائية لا يستطعن البقاء في القرى لعدم توفر الاحتياجات الضرورية»، وأضافت: « تصل أسعار النقل إلى ألفي ريال، عطفا على أن المعلمات أصبحن يعانين من الغياب عن الأسرة لساعات طويلة، إذ تقضي المعلمة جل وقتها بين مقاعد السيارة التي تقلها ذهابا وإيابا أو العمل في المدرسة وتضطر في حال عودتها إلى المنزل للخلود للنوم والراحة من متاعب السفر». في حين قالت المعلمة نجاة الحارثي: «عملت منذ عامين في إحدى مدارس محافظة بيشة واضطررت إلى السكن في إحدى القرى المجاورة لمقر عملي لصعوبة السفر اليومي بين مقر سكني ومقر عملي، ولكن معاناتي تكمن في أطفالي الذين يمكثون في المنزل لوحدهم إلى أن يأتي والدهم من عمله، كما أن معاناتنا في المناطق النائية لم تقف على أسرتي فقط، فوالدي ووالدتي كان لهما نصيب من ذلك لحضورهما المتكرر معي لوقت طويل لرعاية أبنائي في غيابي في ظل غياب دور الحضانة عن المدارس».