النقل المدرسي العام أصبح ضرورة ملحة، ليس بهدف تطويق الحوادث المميتة أو التقليل من فواجعها ولكن لاعتبارات كثيرة منها الاجتماعي، والاقتصادي والإنساني، وقد أخذت وزارة التربية والتعليم على عاتقها تنفيذ المشروع بعد طرح الأمر على طاولة البحث في أكثر من اتجاه وصعيد. ولعل المشروع الذي سيحقق جوانب الطمأنينة والأمان لم يلق في جانبه الآخر أي اعتراض يمضي إلى طريقه حسب الخطة التي أعدتها الوزارة. وفي رأي مدير إدارة البحوث والتطوير في جمعية مراكز الأحياء في جدة، سالم عبد الله الطويرقي، أن التربية والتعليم هي المهمة الإنسانية الوطنية التي لا غنى لأي مجتمع عنها بل وتظهر الحاجة الماسة إليها في ظل حاجة خطط التنمية لإعداد الأفراد للحياة باعتبار أن الحاجة حتمية لإعداد الأفراد للمستقبل وهنا تأتي أهمية التأهيل للمربين للقيام بمسؤولياتهم حيال تنشئة الأفراد وإعدادهم للحياة المستقبلية. وإذا كان المعلم ( الرجل) عانى كثيرا حتى وصل إلى التأهيل العلمي والمهني لخوض غمار العملية التعليمية فإن المعلمة هي الأخرى عانت الكثير في سبيل الوصول إلى غايتها في الحصول على رخصة العمل التربوي، فالمعلمة في مجتمعنا عليها مسؤوليات وواجبات كثيرة منها الأسرية والاجتماعية لا يمكن التنازل عنها. مشقة الماضي وقلق المستقبل وعلى الرغم من ذلك، يقول الطويرقي، فقد أتيحت للفتاة السعودية الفرصة لإكمال دراستها الجامعية والحصول على الإعداد المهني والتربوي اللازم لممارسة عملها كمعلمة ومربية للأجيال، كما عاشت الحلم في خوض غمار الوظيفة كان هناك من يعيش معها حلم التخرج ومباشرة المهمة التربوية فالأب والزوج اللذان كانا خير معين ومساعد لها في دعمها في دراستها الجامعية ومكابدة مشاق الدعم والمساندة المالية والنفسية كانا ينتظران لحظة التخرج بشوق.. وانتظر الجميع اللحظة لتبدأ مرحلة جديدة من ازدواجية السعادة والشقاء من الفرحة والحزن من الأمل والألم من مشقة الماضي إلى مشقة الحاضر، وأقصد هنا أن المرحلة السابقة انتهت بإيجابية الحصول على المؤهل التعليمي ولكن المرحلة الجديدة بدأت بالحصول على وظيفة في منطقة نائية ومن هنا تتفرع عدة إشكاليات منها إشكاليات التنقل بين المنزل ومقر الدراسة الأمر الذي يحتم البحث عن وسائل أمنية ومضمونة تمنح المعلمة الطمأنينة في أداء واجباتها ورسالتها دون ضغوط أو قلق، أن معامل الخطورة في التعيين للمعلمات في المناطق النائية والبعيدة عن مقار سكنهن يتمثل في مخاطر الطرق ومتاعبها وقلة خبرة السائقين وإهدار الوقت في الذهاب والإياب. ولمعالجة هذه المعضلة يقترح الطويرقي تأمين وسائل نقل حكومية ( أو شركات خاصة مؤهلة ) لنقل المعلمات ( للوصل إلى أفضل حالة من الأمان ) من مقار سكنهن إلى مقار عملهن. مع توفير سكن جماعي مناسب للمعلمات في مناطق التعيين مع توفير وسيلة مواصلات آمنة. رحلات تقصر الصلاة استاذ نظم الحكم والقضاء والمرافعة الشرعية في جامعة الملك عبد العزيز وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة، الدكتور حسن بن محمد سفر يقول: إن المعلمات لهن دور كبير من الناحية التربوية في غرس الكثير من القيم والانضباط، ويجب أن تجد المعلمات الاهتمام من أجل استقرارهن النفسي وعدم تحميلهن فوق طاقتهن بتعيينهن في مناطق بعيدة تحتاج إلى سفر تجوز فيه قصر الصلاة، إلى جانب ما يتعرضن له من مخاطر وعدم الاستقرار حتى يصلن إلى مدارسهن حيث تجد علامات التعب والإعياء على وجوههن بسبب الذهاب والعودة، لذلك يجب تسكين المعلمات في مدارس قريبة منهن بحيث لا تزيد المسافة على 25 كلم لأن في ذلك إيجابيات تعود بالفائدة على المعلمة وتحميها من التعرض لأي أذى أو مشقة تزيد من أعباء المعلمات اليومية، إضافة إلى عدم استقرارهن أسريا فكل ذلك يؤدي إلى تعطيل الكثير من المنافع من خلال الدوامة التي تعيشها المعلمات وأسرهن والمشكلات التي يلاقينها حتى في وسائل النقل غير المناسبة التي تنقل المعلمات بدون معايير. ويحث الدكتور حسن وزارة التربية والتعليم على أن تراعي هذا الجانب وتجد الحلول المناسبة للتخفيف من معاناة المعلمين. قلق .. خوف .. ورعب مستشار الطب النفسي الدكتور محمد الحامد يرى أن توفير المواصلات الجيدة والمهيأة للمعلمات والطالبات، له انعكاسات نفسية جيدة على الأداء والإنتاجية، وتشير الدراسات العلمية إلى أنه طالما توفر المناخ الجيد والبيئة والمناسبة كانت النتائج أفضل وتسير بإيجابية نحو الخطط المستقبلية التي تطمح لها أي مؤسسة أو منشأة. ويضيف: إن الحوادث المرورية التي شهدتها الطرقات وراح ضحيتها الكثير من المعلمات جعلت الكثير منهن يعشن في قلق وخوف ورعب مستمر من الرحلة اليومية والمسافات الطويلة ذهابا وإيابا، وأصبح لديهن إحساس بعدم العودة إلى أسرهن وأطفالهن، وذلك يؤثر بشكل كبير على نفسية المعلمة لأن ذهنها وتفكيرها يكون في وسيلة النقل خصوصا المعلمات المتزوجات. ورأى الدكتور الحامد أنه يجب على وزارة التربية والتعليم توفير نقل جيد تتوفر فيه معايير السلامة المطلوبة عبر حافلات مجهزة تساعد المعلمة على التنقل بأمان من البيت إلى المدرسة وبالتالي سوف نخفف العبء والمشكلات التي تعاني منها المعلمة والأسرة. سيارات تلتهم الرواتب إلى ذلك حثت معلمات الجهات المختصة على إيجاد حلول جذرية تنهي معاناتهن مع المواصلات وعبء التنقل داخل المدن وطالبن بتخصيص وسائل آمنة لهن أو النقل المجاني أو بتكاليف أقل من قيمة السيارات الخاصة التي تستحوذ على ثلث الراتب الشهري. وفي رأي المعلمة في المدرسة المتوسطة، نجاة محمد أنها تسكن في شرق الرياض بينما تقع مدرستها في غربها وتصف حالها بالقول (لا تحرق النار إلا رجل واطيها)، هذا لسان حالنا، حيث تصل تكاليف التوصيل إلى 2000 ريال شهريا، بينما راتبها لا يتجاوز (6) آلاف، وتقترح نجاة توفير وتخصيص وسائل نقل آمنة ومجانية أو تخصيص جهات رقابة تعمل على منع التجاوزات والقيادة الخاطئة وردع المتهورين ومراقبة المغالاة في أجرة النقل. أم فهد معلمة تعاني من مغالاة سيارات الأجرة تقول إنها درجت على التنقل بين بيتها ومدرستها بواسطة الليموزين ولم تعد الأسعار كما كانت في السابق حيث تتطلب الرحلة اليومية من وإلى المدرسة أكثر من 1500 ريال. أما مريم الزهراني التي تقطن في حي الحاير ومدرستها في غرب الرياض فتسدد شهريا أكثر من 2500 ريال مع أنه كان بالإمكان توفير هذا المبلغ الكبير لو بادرت وزارة التربية بإنشاء وتخصيص أسطول نقل مجاني للمعلمات والمعلمين والطلاب على حد سواء، وأضافت الزهراني: إنها انتسبت في السلك التعليمي هذا العام ولذلك فإنها لم تستلم أي مستحق مادي «الراتب» حتى الآن وتضيف: ( أرهقت كاهل إخوتي بالديون للمواصلات الخاصة.. ليت وزارة التربية والتعليم سارعت أكثر في خطوات تنفيذ مشروع النقل المدرسي فهو يحمينا من الأجور والمغالاة والمعاكسات ومخاطر الطريق).. راقبوا السائقين قبل المركبات المعلمة سعداء عبدالله جددت رأي زميلاتها بالمطالبة بوسيلة نقل آمنة حكومية للمعلمات وتخضع لضوابط معينة من حيث توفير المحارم والعوازل واختيار قائد يراعي أنظمة المرور والإشارات فكل وسائل النقل الخاصة لها مخاطر في قيادة السيارة بسرعة جنونية أو من جهة عدم صلاحية الوسيلة نفسها. وكذلك في هذا السياق انتقدت معلمات في الخرج ما أسمينه عدم توفر الوسائل الآمنة في نقل المعلمات والطالبات، وذكرت أم محمد معلمة في إحدى المدارس الابتدائية أنهن يعانين الكثير في التنقل في سيارة قديمة متهالكة، وتضيف هدى الحربي: إنها تستيقظ وزميلاتها مع صلاة الفجر لتصعد إلى سيارة يقودها أجنبي وطوال الرحلة الشاقة يعشن في قلق وكدر لحين وصولهن بأمان. وطالبت المتحدثات بفرض رقابة صارمة على المركبات والسائقين لحين تنفيذ مشروع النقل المدرسي العام.