في رحلته الأخيرة إلى منطقة نجران دون الدكتور يوسف العارف بحسه الإبداعي وقدرته على قراءة الأمكنة نتائج مشاهداته تلك، التي حاكها بقلب العاشق وبصيرة الرائي المتمكن من تصوير المشهد من كل زواياه المتعددة، معيدا القارئ إلى أدب الرحلات الجميل الذي كاد أن ينقرض لولا مثل هذه الكتابات التي لا تزال تطل علينا بين الفينة والأخرى من هنا أو هناك، الدكتور العارف ينثر اليوم على صفحات «عكاظ» عرائس رحلته حيث يقول: كانت البداية من شرورة (أول عرائس الصحراء) تلك المحافظة التي عرفت ب(عروس الربع الخالي) وهي محافظة كبيرة في موقع جغرافي مميز وتتبع إداريا منطقة نجران. ويقال إن سبب تسميتها أنها - جغرافيا - محاطة بالرمال من ثلاث جهات أما الجهة الرابعة فهي مناطق صخرية كانت القوافل والجمال تثير الشرر من صخورها أثناء مرورها فسميت شرورة!! ولكن سمو الأمير سلطان رحمه الله سماها (سروره) لما يحسه فيها -رحمه الله- من السرور والسعادة أثناء زياراته المتكررة لها. وفعلا هي مدينة عصرية –كما شاهدتها– وتبعث السرور في نفس الزائر والمقيم فقد لمست ذلك في أهلها والمسافرين المارين بها. ولعل لقاءنا مع منسوبي التربية والتعليم في مكتب التعليم بشرورة وقائدهم التربوي محمد عوض الصيعري كان يوحي بذلك بكل تأكيد. المدينة متطورة شوارعها فسيحة ونظيفة وبيوتها وعماراتها ضمن مخططات حديثة. والبلدية تقوم بالترصيف والسفلتة وتزيين الميادين بالمجسمات الجمالية. وقد لفت نظري وجود التعليم العالي ممثلا في كلية العلوم والآداب بشرورة التابعة لجامعة نجران وكانت في الأساس كلية التربية للبنات وتتبع وزارة التربية والتعليم وأسست عام 1423ه. ولما أنشئت جامعة نجران عام 1427ه. تحولت هذه الكلية إلى مسماها الجديد لتضم أقساما للبنين والبنات . وكلية خاصة لخدمة المجتمع تقدم شهادة الدبلوم. كما لفت نظري الدور الكبير لبلدية شرورة من حيث التنظيم والسفلتة للشوارع والميادين الجميلة والحدائق المنتشرة وهذا يدل على الذوق الهندسي والجمالي لرئيس البلدية ومعاونيه فشكرا لهم على تلك الجهود. مجتمع واحد أما التعليم العام في شرورة فيشرف عليه مكتب للتربية والتعليم للبنين والبنات وأغلب المدارس في مبانٍ حكومية وهذا دليل على الاهتمام بالناحية التعليمية والمجال التربوي وذلك بجهود مدير مكتب التربية والتعليم وزملائه الكرام الذين التقيناهم فأكرمونا وأسعدونا باللقاء. شرورة أو (سروره) مدينة عصرية تتكامل فيها الخدمات يوما بعد يوم تسكنها قبائل الصيعر ثم توافدت عليها أبناء القبائل السعودية بسبب القاعدة العسكرية واستقروا فيها وأصبحت مدينة تكتظ بالسكان من كل القبائل، وانصهروا في مجتمع واحد متماسك وقوي لا عنصرية ولا مذهبية. ويكفي أنك عندما تقابلهم يرحبون بك بطريقتهم الخاصة: (قويتوا) ... (إنجيتو) ويسبغون عليك من الكرم النبيل مما يدل على أرومتهم وأصالتهم العربية!!. رمال ذهبية أما ثاني عرائس الصحراء فهي الأخاشيم وهي مركز يتبع محافظة شرورة وتبعد عنها حوالى 30 كم إلى جهة الشمال الشرقي وكانت الأخاشيم قرية مأهولة سكانيا على الحدود اليمنية السعودية ومع ترسيم الحدود عام 2000م سلمت الأرض لليمن ونقل الأهالي والسكان إلى المنطقة الجديدة التي سميت باسمها السابق (الأخاشيم الجديدة) وقام سمو الأمير مشعل بن سعود أمير نجران السابق باستحداث الأراضي التنموية وتسليمها لهم وأقاموا عليها المباني الحديثة ووصلت إليهم كل الخدمات الحضارية من تعليم وصحة ومياه واتصالات وغيرها. وتمتاز هذه المنطقة برمالها الذهبية وشبابها الناهض وتحتاج فقط إلى رعاية واهتمام من المجلس البلدي والصحة والتعليم لتصل إلى مصاف الهجر الحضارية التي يفتخر بها أهلها وتنسيهم فقد أراضيهم القديمة!! . وثالث هذه العرائس الصحراوية (مركز الوديعة الجديدة) والتابعة لمحافظة شرورة وهي تقع إلى الجهة الجنوبية من شرورة وتبعد عنها حوالى 50كم وتعتبر أحد المنافذ الحدودية السعودية في جهة اليمن وبوابة جديدة للقادمين إلى السعودية من تلك الجهات. على أن الجمال الحقيقي في هذه المنطقة الوادعة هم أهلها الخيرون الذين يعتمدون على الثروة الحيوانية من الإبل والتي تقام لها احتفالات المزايين ومهرجانات اجتماعية متعددة. واقع مختلف أما رابع العرائس الصحراوية فهي محافظة الخرخير التي كانت بالنسبة لي ولكثير ممن اعرف عالما عجائبيا وغريبا. كل ما كنت أعرفه عنها أنها صحراء ورمال متحركة وكثبان رملية قاسية وبيوت من الصفيح والخيام المتهالكة تعيش فيها مجموعة من المواطنين وأخرى (بدون) بارد وزمهرير شتاؤها، حار وحارق صيفها , تزورها الغبرة والخماسين طوال أشهر الصيف وأهلها يعيشون في ضنك ، تحاصرهم الرمال، ويخاصرهم سوء المآل!! هذا ما كنت أحمله من صور ذهنية سلبية عن هذا الموقع من بلادنا السعودية وزاده تأكدا مقولات بعض الزملاء ومرئياتهم عن تلك الديار وأنها سكن للجان، وفضاء أجرد من كل أساسيات الحياة!! ولكن الواقع الجميل الذي عايشته أثناء هذه الرحلة العلمية والتي استغرقت أكثر من 10 أيام تجولت فيها ما بين الخرخير والأخاشيم والمعاطيف وأم غارب وأم الملح وشرورة والوديعة جعلني أغير تلك الصورة الذهنية السلبية وأدعو كل من يحملها مثلى سابقا أن يزور هذه المناطق ليرى الجمال في صور جديدة. صور الرمال والكثبان الرملية صور الصحراء وأفقها الممتد، صور الناس وهم يهيمون بديارهم رغم ما فيها من مصاعب حياتية. كرم الضيافة الخرخير جزء من بلادي وتقع في الشمال الشرقي حيث صحراء الربع الخالي، وتحمل أراضيها خيرات محفوظة تحت الرمال، إنها جارة لحقل شيبه النفطي الذي يقع إلى الشمال عنها. ولعلها ذات يوم تكون كذلك جوهرة نفطية تضيء معالم الصحراء والكثبان الرملية التي تحيط بها من كل جانب!! الخرخير: محافظة نائية تبعد عن شرورة (501كم) والطريق اليها مسفلت تحيط به الكثبان الرملية يمينا وشمالا، ولا يوجد به خدمات الطرق من استراحات أو محطات بترولية . ويمر المسافر على ثلاثة مراكز حدودية وهي: المعاطيف، أم غارب، أم الملح، وهذه المراكز تسير دورياتها على طول الطريق صباحا ومساء وتستقبل المسافرين في أ ول المراكز (المعاطيف) وتسجل الداخلين آليا حسب هوياتهم وتعطيهم إذنا ورقيا بالمرور يسلم لباقي المراكز. الخرخير: تفاجئك بموقعها وجمالياته، فهي مساحة طولية بين جبلين من الرمال المتحركة والكثبان الرملية تحيط بها من الجانبين. بيوتها مبنية من الطوب الأحمر لا ترتفع أكثر من دورين وأغلبها من من دور واحد دون فناء. وبعض بيوتها من الصفيح، وتنقسم إلى قسمين شرقي وغربي يفصلها الشارع الرئيسي الذي تقع عليه المحافظة، والمشفى الجديد الذي لم يفتح بعد وبعض المدارس والشرطة.