شدد علماء ومسؤولون على أهمية كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي أكد فيها على ضرورة مشاركة المؤسسات الحكومية والأهلية في تعزيز مسيرة الحوار الوطني ونشر الوسطية والاعتدال، والاستفادة من النجاحات التي تحققت في السابق والبناء عليها في المستقبل، ومعالجة أوجه القصور إن وجدت. وبينوا أن المملكة العربية السعودية عرفت بمنهج الوسطية والاعتدال الذي لا تحيد عنه مطلقا، وهو ما جعلها صامدة رغم تغير الأحوال والظروف المختلفة، لافتين إلى أن هذه الوسطية مستمدة من القرآن والسنة اللذين هما دستور المملكة. أكد وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن الإسلام ليس له في المفاهيم العدلية للمملكة اسم بديل ولا رديف ولا فصائل تخرج عن مظلة مسماه، وأن المملكة انتهجت في فهم نصوصه منهج أسلافها السابقين في نظرتهم الوسطية والمعتدلة في تطبيق نصوص الشريعة الإسلامية التي استقرت بها أحوال الدولة داخليا وتواصلت خارجيا بحضور دولي يتمتع بالموثوقية والمصداقية والعدالة وذلك طيلة قرن من الزمن ترجم خلالها المفهوم الوسطي لفهم النص الإسلامي، مشيرا إلى أن الوسطية سمة بارزة في وصف القرآن للمسلمين. وبين أن قيم العدالة والاعتدال تمثل ثابتا من ثوابت المملكة لا يقبل المساس به أو التنازل عن شيء منه تحت أي ذريعة، مؤكدا أن المملكة العربية السعودية تمثل النهج الإسلامي المعتدل، انطلاقا من مبادئها الشرعية التي تأسس عليها كيانها في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو ما تسير عليه وتؤكده أنظمة الدولة. وقال: إن الوطن والمواطن وهو يدين بالإسلام يستشعر سماحة دينه القويم وعالميته وخصائصه الحضارية، مستنبطا من نصوصه المعاني العظيمة والتجليات السديدة في تعامله مع الآخرين، وهو بكل ثقة وثبات يتعايش مع غيره ويحاوره بلغة حضارية، ويتعاطى معه بأسلوب إيجابي، ينطلق في ذلك من تعاليم دينه الحنيف الذي أمره ببر الجميع والإقساط إليهم بمن فيهم من يختلف معهم في الدين، كما قال تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين». وأضاف: الإسلام دين يرحب بالحوار البناء، بل إن منهجه العلمي والعملي في التواصل مع الآخرين مبني على هذا المعنى الحضاري، الذي يمثل العلامة الأبرز في مفاهيم أدوات التواصل لديه، مشيرا إلى دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- إلى حوار أتباع الأديان وإلى ثقافة الحوار والسلام في أكثر من محفل وعلى أكثر من صعيد، «في سياق القيم الإسلامية التي تميز خطابنا الإسلامي المعتدل، ويدركها -أيده الله- غاية الإدراك، لاسيما وهو من ذكر وأكد -في حديث ذي صلة- على عظم قدر أمتنا الإسلامية، وصعوبة تحدياتها في زمن تداعى الأعداء من أهل الغلو والتطرف من أبنائها وغيرهم على عدل منهجها، تداعوا بعدوانية سافرة، استهدفت سماحة الإسلام وعدله وغاياته السامية، هذا أنموذج من أفق قائد هذه البلاد يترجم منهج دولته، ويعكس عدالة وموضوعية نظامه». وقال: إن منهجا هذه معالمه ينبذ أي أسلوب من أساليب التطرف الديني، وإن المملكة حاربت الإرهاب والعنف بكافة أشكاله وصوره، مؤكدا أنه من إفراز التطرف والغلو. وبين وزير العدل أن تاريخ المملكة العربية السعودية حافل بصفحاته المضيئة بوسطيته الدينية، واعتداله في المنهجية، ولم يعان من شيء كما عانى من الافتراء عليه بالارتجال، دون أن يكون ثمة سند يشهد للطرح الأحادي المتحامل، الذي يتلقفه كل من يفتقد معايير العدالة والإنصاف. منهج المملكة من جانبه، أكد وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أهمية منهج الوسطية والاعتدال الذي تنتهجه المملكة العربية السعودية، مشددا على ضرورة تبصير الشباب بفقه المقاصد وقواعد المصالح والمفاسد وما يتعلق بالولاية والسياسة الشرعية من أجل تحقيق الوسطية في الدين، إذ أن ذلك أمر مهم جدا. وبين آل الشيخ أن المراجعات التي شهدها الوسط الشرعي على مستوى الأفراد والجماعات عند بعض العاملين للإسلام أمر يستحق الإشادة، موضحا أن المراجعات أنتجت رجوعا إلى الحق عند من سلكوا سبل العنف والمواجهة المسلحة للأنظمة والمجتمع بشكل خاص، مبينا أن ذلك خير من التمادي في الباطل ودليل على سلامة القصد وحسن النية، والتجرد من حظوظ النفس الأمارة بالسوء، وهذا هو الظن بأهل الخير عموما والدعاة وطلبة العلم منهم خصوصا، داعيا من لم يسلكوا طريق الحق أن يعيدوا النظر في مناهجهم ويراجعوا أنفسهم حتى لا يلحقهم الذم. واعتبر وزير الشؤون الإسلامية أن المملكة وفقت إلى سلوك سياسة حكيمة متوازنة في التعامل مع هذه التحديات وما نتج عنها من أحداث مؤلمة من خلال مواجهة كل حال، فواجهت العدوان بالتصدي والردع وواجهت الفكر الخارج عن حدود الشرع بالفكر السليم المبني على العلم الشرعي الصحيح والعقل الصريح، وأثمرت تلك المعالجات العلمية والفكرية نجاحات متميزة، وأصبحت بحمد الله مضرب المثل في المعالجة الناجحة على المستوى العالمي. وكشف الوزير آل الشيخ عن الجهود التي بذلتها وزارته في تحصين الشباب ووقايتهم من الأفكار المنحرفة إفراطا أو تفريطا، من خلال نشاطات متعددة وبرامج متنوعة للدعاة ولمنسوبي المساجد ولعموم شرائح المجتمع، كما أطلقت من بداية الأحداث في المملكة حملة للحوار مع الشباب على الانترنت أسمتها حملة السكينة للحوار، ساعدت كثيرا من الشباب في العودة إلى جادة الصواب ولزوم منهج الوسطية والاعتدال. وبين أن جهود وزارته أسهمت مع ما تبذله المؤسسات الأخرى الرسمية والأهلية مساهمة فعالة في مواجهة أفكار الغلو وظواهر العنف وعززت الوسطية في الناس، من خلال إجابة التساؤلات وكشف الشبهات، وبيان الأصول الشرعية في التعامل معها، وإحياء فقه الفتن والنوازل والأزمات. تقرير شامل من جانبه، قال الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فيصل بن معمر، إن أعضاء اللجنة الرئاسية لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني تشرفوا بالاستماع لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين في هذه الأيام المباركة من رمضان، مبينا أن التقرير كان مشتملا على مسيرة الحوار في المملكة خلال العشر سنوات الماضية والتطلع للمستقبل. وأضاف: كان التقرير تحليلا لواقع الحوار في المملكة وما أنجز، وكذلك العقبات التي واجهت المركز وأبرز أوجه القصور لإعادة النظر في العمل وتفعيل مراجعة شاملة له. وبين أن مشروع الحوار سار بشكل متميز في المملكة، لافتا إلى حاجته لتضافر مزيد من جهود بقية المؤسسات الحكومية والأهلية؛ لأن مشروع الوسطية والاعتدال لا ينحصر في أحد معين، وإنما يقوم به كل من يهتم بالعمل الشرعي والثقافي والتعليمي والاجتماعي، فإذا تعاونت المنظومة وتفاعلت مع بعضها فإن ذلك يؤدي إلى اختصار المسافة في تحقيق أهداف الحوار. وأضاف: نأمل أن يحصل المجتمع على القدر الوافي من البرامج بتضافر جهود الجميع سواء من خلال علمائنا أو منسوبي الحقل التعليمي والثقافي والاجتماعي، لحماية المجتمع من ويلات التطرف، ليبقى هذا المجتمع كما هو العهد به في الخير وخدمة الحرمين الشريفين. ورفض ابن معمر أن يكون تكريس مفهوم الوسطية مقتصرا على تدريس منهج في مراحل الدراسة منذ الصغر، مبينا أن قيم الوسطية والاعتدال تغرس من الصغر، إذ أنها أسلوب حياة، ومعنى ذلك أن للأسرة والتعليم والعلماء أدوار كبرى وهذا هو المطلوب، مضيفا «أشعر بأن الحاجة ماسة جدا لوضع خطة متكاملة لهذا الموضوع تشترك فيها كل الجهات المعنية». الوسطية والمحافظة من جهته، قال عميد كلية التربية بجامعة الملك عبدالعزيز والمشرف على كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية، الدكتور سعيد بن أحمد الأفندي: ظلت المملكة خلال الفترة الطويلة الماضية محافظة على وسطيتها واعتدالها رغم ما يمر به العالم من تجاذبات وتحولات فكرية وحروب ونزاعات، لافتا إلى أن البعض كان ينقد أو يلوم ثم لا يفتأ بعد ذلك إلا أن يعود إلى الحق ويقول إن المملكة كانت فعلا على حق في موقفها من هذه القضية أو تلك. وبين أن استقرار المملكة يدل على ثوابتها التي تحافظ عليها والتي اتخذتها في سياستها وحراكها الثقافي والفكري تنبع من دينها وعقيدتها وشريعتها وتكاتفها وارتباطها بولاة أمر هذه البلاد. وأضاف: الوسطية والاعتدال منهج يلاحظه الجميع في المملكة منذ تأسيسها، فالذي يعيش هذه المرحلة وينظر إلى العالم العربي ثم ينظر للمملكة يجد الفرق، فهناك حركات قامت في عدد من الدول صاحبتها اضطرابات بينما ظلت المملكة على وسطيتها تنظر إلى مصلحة دينها أولا ثم مصلحة مواطنيها. ولفت إلى أن مركز الحوار أدى دورا كبيرا، مضيفا «شاركت بدعوة من الإخوة هناك، وهنا نحتفل بهذا التقرير الذي تسلمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، وبهذا سيواصل المركز عمله والنموذج الفريد في تفعيل الوسطية والاعتدال إضافة للحراك الموجود في كافة المجالات والنوادي الأدبية والصوالين الثقافية التي ترسخ الوسطية والاعتدال وكذلك جامعة الملك عبدالعزيز التي تشرف باحتضان كرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال السعودي، وأتذكر هنا عندما أسس هذا الكرسي وكنت ممن شرف في اللجنة التي أسسته تناقشنا طويلا هل ننسب هذا الاعتدال إلى اسم المملكة، فثبت فعلا أن المملكة والإنسان السعودي اختصا فعلا بهذا المبدأ وهو مبدأ الوسطية والاعتدال والتسامح.