يظل العلم والنسب محورين هامين في بناء شخصية متزنة قادرة على انتزاع الاحترام فور أن تلتقيها، وهذا ما يتسم به ضيفنا معالي الدكتور ناصر الصالح، سليل أسرة معروفة، وصاحب مكانة مرموقة تمكن خلال مشواره التعليمي والوظيفي من اكتساح قلوب كل من تعامل معه . طلبته هاتفيا فأجاب كعادته من أول اتصال، فأبلغته بأننا نريد حوارا موسعا معه وساخنا فأجاب: أنتم من يحدد الوقت فأنتم ضيوفي في منزلي متى تشاؤون أنا أنتظركم. توجهت صوب منزله في حي العوالي بعد عصر أمس الأول، طرقت الباب ففتح لي الباب بنفسه، وقد فتح قبل ذلك قلبه لنا بالأريحية والترحيب . خضت معه حوار طويلا، فشخص حال الواقع الجامعي، ووصف صلاحيات مديري الجامعات بالصورية، فيما رأى أن مجالس الجامعة مسلوبة الحق لا صوت لها، وأفصح أنه لم يندم على قرار اتخذه، ولم يجد أنه ظلم أحدا في حياته بقرار كما يعتقد . تذكر أيام الصبا، وصيامه خارج المملكة، وشيئا من مواقف الحياة في حوار شامل مع «عكاظ» فإلى نص الحوار : • هل لك تحدثنا عن حياتكم الاجتماعية من هو الدكتور ناصر الصالح؟ ناصر بن عبدالله الصالح من مواليد المجمعة وسط نجد، ورسميا في المدينةالمنورة، ونشأت فيها من السنة الأولى في حياتي في عام 1362ه وفي عام 1363ه انتقل الشيخ عبدالعزيز بن صالح عم الوالد إمام المسجد النبوي الشريف من المجمعة إلى الرياض ثم إلى المدينة مع الشيخ المزاحم وهذه قصة معروفة ومشهورة وقد كتبتها ووثقتها في آخر إصدار لي عن الشيخ عبدالعزيز بن صالح رحمه الله، وهو كتاب واف تضمن سيرته، والحقيقة تربيتي في المدينة لها أبعاد كبيرة دينية وتربوية. أنا نشأت في بيت علم وذكر مساء وصباحا ومغربا ومع الشيخ عبدالعزيز وهو قمة في العلم والقضاء فنشأت مع الوالد في بيته، وهي نشأة روحية. فمسكن الوالد الأول كان في حي الحماطة، وهو بعيد عن الحرم، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى مسكن آخر لا يبعد عن الحرم سوى بضعة أمتار، فتربيت تربية دينية في حلقات العلم والحديث والقرآن الكريم، وهذه التربية أعتز وأفتخر بها كثيرا وأحمد الله على ذلك. مما أذكره في المدينة بأزقتها وحواريها تلك الأحواش التي كانت تلف أرجاء المكان ومنها: حوش الكاجوري، وحوش منصور، وحوش التركي، وهذه الأحواش عبارة عن فناء ولها أبواب تغلق في الليل، وبالتالي فإن خروج سكان هذه المنازل التي تقع داخل هذا الحوش صعبة خصوصا في الساعات المتأخرة من الليل بسبب إغلاق الأبواب. أما مسكننا سواء القديم في حي الحماطة، أو الذي انتقل بنا الوالد إليه أزيل لصالح توسعة المسجد النبوي الشريف، ولهذا فإنني دائما ما أقول لم يبق لي في المدينة أي أثر استطيع أن أرجع إليه وليس هناك بكاء على الأطلال، والأثر الوحيد الذي كلما رأيته أحن إليه بشوق هو القبة الخضراء في المسجد النبوي الشريف؛ لأننا عشنا بجواره سنوات طويلة، كما أن المدارس التي تلقيت منها العلم أزيلت لصالح التوسعة. • كيف عشت رمضان قبل 50 عاما ، ما هي طبيعة رمضان في تلك الفترة؟ ما هي الوجبات الحاضرة على سفرة وسحور رمضان؟ ما هي الأعمال التي تقومون بها؟ وكيف كانت عادات الجيران في تلك الفترة؟ لقد عايشت شهر الصوم المبارك وعشته في أجواء مختلفة في الصيف والشتاء والربيع والخريف في الداخل والخارج طالبا في المراحل الدراسية الأولى في المدينةالمنورةوالرياض و مبتعثا للدراسات العليا في الولاياتالمتحدة وبريطانيا أعزب ومتزوجا معلما وإداريا ، ولرمضان في كل هذه الأجواء طبيعة خاصة ومذاقا مميزا وروحانية متجلية وأكثر ما يعلق بالذاكرة ويشتد إليه الحنين وتهفو إليه النفس ويطرب له الفؤاد سفرة الإفطار في رمضان التي حضرتها وعشتها في السنوات الأولى من صيامي في المدينةالمنورة ( حوالى 15 سنه ) عند الأسطوانة الأولى القريبة من المحراب العثماني في المسجد النبوي الشريف، وهي سفرة الوالد والعم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصالح رحمه الله إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، ورئيس المحكمة الشرعية في منطقة المدينةالمنورة آنذاك ، وكانت تضم إلى جانبه سيدي الوالد الشيخ عبدالله العثمان، وشقيقي الدكتور محمد، وأبناء سماحة الشيخ جميعهم الموجودين في ذلك الزمان، ولم تكن تشتمل السفرة إلا على الماء والتمر أو الرطب ( حسب الفصول ) والقهوة، وكانت الأسطوانة المجاورة إلى اليمين يشغلها فضيلة الشيخ عبدالمجيد حسن الجبرتي رحمه الله رفيق سماحة الشيخ عبدالعزيز، ومساعده في الإمامة والخطابة، والمحكمة الشرعية إلى جانب الشيخ عبدالله الخربوش رحمه الله أحد الأئمة والمعلمين الفضلاء ورفاقهم الأكارم . وكان على يمينهم أسطوانه أخرى يشغلها فضيلة العم الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم العبداللطيف رحمه الله أحد القضاة والدعاة والعلماء البارزين والمحاضر في الجامعة الإسلامية آنذاك إلى جانب إخوانه وأبنائه وأحفاده . إنها لحظات إيمانية وروحانية لا تنسى بما فيها من قراءة للقرآن، والذكر، والتسبيح، والدعاء، ثم صلاة المغرب خلف سماحته، والعودة إلى منزله المبارك لتضمنا سفرة أخرى لا تتعدى مكوناتها (الشربة، والسمبوسة، وبعض الفاكهة الموسمية) ثم الجلوس سويا في مجلسه العامر الذي يفد إليه العلماء الأجلاء والوجهاء حتى أذان صلاة العشاء والذهاب إلى المسجد النبوي الشريف لأداء صلاة العشاء والتروايح خلفه متلهفين لسماع ذلك الصوت العذب النقي الشجي وهو يرتل آيات الله البينات و الصدح بدعاء القنوت أو دعاء ختم القرآن فتخشع له القلوب، وتذرف الدموع، وترتج جنبات المسجد النبوي الشريف ببكاء وأنين جموع المصلين، ويتكرر المشهد بعد ذلك بساعتين أو ثلاث عندما يؤم المصلين في صلاة القيام أو التهجد في العشر الآواخر من شهر رمضان المبارك . فما أحلاها من أيام وليال وما أروعها من لحظات وما أجلها من أوقات . • ليالي رمضان في الزمن الذي يتذكره معاليكم .. ما الذي كان يميزها، ما هي الألعاب التي كانت حاضرة بقوة؟ أتذكر أنه في ليالي رمضان كان الوقت مجزأ بين العبادة والتراويح فإلى جانب ما ذكرت من حضور صلوات المغرب والعشاء والتراويح والقيام أو التهجد في المسجد النبوي الشريف كان هناك متسع من الوقت لمشاركة أبناء الجيران بعض الألعاب مثل كرة القدم، والكبت، والمزويقه، والضاع، ولعبة الكبوش وغيرها . ومع تقدم العمر حلت ألعاب أخرى محلها مثل الكيرم، والضومنة، والبلوت، والكنكان وغيرها . • هل صام معاليكم خارج المملكة، وكيف تعايشت مع فارق التوقيت واختلاف الوجبات والعادات؟ نعم . لقد عايشت وعشت رمضان المبارك أكثر من عام في الولاياتالمتحده ( 1386 1390ه ) مبتعثا أعزب لدراسة اللغة الإنجليزية والحصول على درجة الماجستير وأتذكر أنه في السنة الأولى كان هناك عدد من الزملاء نجتمع في سكن الجامعة الذي نسكن فيه، ومن أبرزهم: الدكتور محمد الرشيد وزير التربية والتعليم السابق، وكان يجيد الطبخ، و الدكتور عبدالله الزيد مدير عام التعليم في المنطقة الغربية سابقا وغيرهما، وكنا نفطر معا في سكن الجامعة وكان يتوافق ذلك مع وجبة العشاء العامة للطلاب الأمريكيين وغيرهم الذين يشاركوننا السكن، ونصلي جماعة المغرب والعشاء والتراويح وفي إحدى صالات السكن المعدة لجلوس الطلاب كنا نعد السحور في ساعة متأخرة من الليل، وكان يشاركنا السحور بعض الطلبة الأمريكيين الذين دهشوا من التزامنا حتى أنهم جربوا الصيام طوال النهار تضامنا معنا. أما تجربتي الأخرى في الصيام خارج المملكة فكانت في بريطانيا ( 1392 1395ه ) وكنت مبتعثا لنيل درجة الدكتوراه وبرفقتي عائلتي وكان في المدينة التي درست فيها عدد كبير من السعوديين والعرب وغيرهم من المسلمين تجمعنا بعض الصلوات وخاصة صلاة العشاء والتروايح ويتخلل ليالي رمضان تبادل الزيارات مع العائلات السعودية والعربية، ولم أكن أشعر بالغربة كما شعرت بها في تجربتي الأولى للصوم في الولاياتالمتحدة. • ماذا يعلق في ذاكرتكم من مواقف وطرائف رمضانية ؟. هناك العديد من المواقف والطرائف المتعلقة بأيام وليالي شهر رمضان المبارك من أبرزها موقفان لهما مكانة خاصة . أولها: لعدة سنوات وعندما كنت في المرحلة المتوسطة والثانوية من الدراسة كلفني سماحة العم الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصالح رحمه الله في الفترة بين صلاة العصر والمغرب بأن أمسك القرآن الكريم لأراجعه فيما سيقرؤه تلك الليلة من أجزاء القرآن الكريم في التراويح، وكانت تلك اللحظات من أكثر المواقف تأثيرا في نفسي ووجداني للثقة التي أولاني إياها هذا العالم الجليل، والقمة الشامخة كما كانت لي دروس عملية في أسلوب التعامل الأبوي الرحيم، والرقه المتناهية وفي نفس الوقت في كيفية تلاوة القرآن الكريم وتجويده وتدبر معانيه وتعلم جوانب عديده من إعجازه والانفتاح على كثير من علومه .أما الموقف الثاني فكان مع العم المربي القدير الشيخ عثمان بن ناصر الصالح رحمه الله فقد كان يزور الأسره في المدينةالمنورة بصورة مستمره وفي إحدى زياراته في رمضان المبارك وعندما كنت أقرأ بجانبه سورة النساء مررت على الآيات الكريمة التي فيها بعض المفردات مثل النقير، والفتيل، والسلم وغيرها وسألني عن معناها فلم تكن عندي إجابة وبعد أن شرحها لي أوصاني بأن أتدبر معاني القرآن الكريم عند القراءة، والاستعانة بأحد التفاسير المبسطة المتداولة وكان درسا وموعظة لا تزال آثارها ونتائجها باقية معي حتى الآن . • كيف ينظر معاليكم للرفاهية التي يتمتع بها جيل اليوم ؟. من نعم الله على هذه البلاد ومجتمعها أن وفر لها الخيرات، وسبل العيش الوفير إلا أن الأجيال الحالية واجهت تغيرات اقتصادية وطفرة مالية لم تستغلها أحسن استغلال فأصبح التنافس على امتلاك الكماليات بدل الضروريات، والاستهلاك المفرط غير المقنن للسلع والمواد، وتبدلت العادات الغذائية للأفراد وخاصة الأطفال والشباب حتى تفشت بينهم أمراض العصر ك (السمنة، وداء السكري، وأمراض القلب) وغيرها . إنها رفاهية زائفة خطيرة كان من نتائجها إلى جانب ما سبق ذكره ازدياد الاتكالية، والبطالة المقنعة، وقلة الحركة والنشاط، وارتفاع معدلات الحوادث المرورية القاتلة المروعة التي تنتج عنها الوفيات والإعاقات لدى شريحة الشباب بصورة خاصة فتفقد الأمة عناصر شابة عزيزة على قلوبنا. إنها رفاهية ملأت منازلنا بالخدم والسائقين فسمعنا من جراء ذلك جرائم لم نكن نعهدها في مجتمعنا، وحلت الخادمة بدلا من الأم في رعاية أطفالنا وتربيتهم فنتج عن ذلك ما نعرفه جميعا من نتائج وخيمة على تربية أجيالنا القادمة، وصحتهم، ولغتهم وثقافتهم ودينهم . • ما النهج الإداري الذي كنت تؤمن به، سياسة الباب المفتوح أم الإدارة المنضبطة الصارمة ؟ . لا أذكر أني أغلقت باب مكتبي في إدارة الجامعة، سكرتير المكتب دوره فقط في تنظيم وتنسيق المواعيد، لا أؤمن تماما بالحالة العاجية التي يعشيها البعض. أنا وضعت لخدمة الناس، حاولت أن أكون كذلك، لم أدخر جهدا وفق التنظيمات والإجراءات، جمعت بين ثلاثة مناصب لفترة من الزمن كنت أقوم بدور مدير الجامعة، ووكيل الجامعة للدراسات العليا حين رشح الزميل محمد العقلا لإدارة الجامعة الإسلامية في طيبة، ومع كل هذا كنت حريصا على العدالة والإنصاف بقدر المستطاع، ولعلي لا أستطيع الحكم على فترتي وأترك الحكم لكم وللناس . أنا كنت متواصلا مع الجميع وأجيب على جوالي في أي وقت ولأي شخص، كنت أمنح رقمي لكل من يطلبه للتواصل . • تظل الإدارة محل خلاف هل وجدت تصادما من أكاديميين في الجماعة أو معارضة لبعض قراراتك ؟. على العكس تماما لم أجد أي شيء من هذا وذلك، كنت أؤمن أن التغيير في بعض الأشياء يقود للخلاف والاختلاف، لكن لم أجد ذلك كثيرا، حيث قررت أن أشرك الطالب في تقييم عضو هيئة التدريس؛ وذلك بعد قناعة مبنية على دراسة قام بها الدكتور زايد بن عجير الحارثي على أكثر من 3000 طالب، كنت أتوقع أن يجد هذا القرار رفضا قاطعا، حيث قررنا توزيع استبانات في آخر خمس دقائق من اختبار كل مادة وحللت ورصدت الملاحظات، وجدت قبولا من كافة الزملاء . • هل كانت لكم مواقف صارمة ضد بعض الأكاديميين المتجاوزين للأنظمة خصوصا فيما يخص حقوق الطالب ؟. نعم أذكر أنني فعلت لجنة تأديب الأكاديميين بعد أن كانت معطلة وهي لجنة تعنى بدراسة أي تجاوز، ومن ثم اتخاذ قرار ضده، كان هناك من يحاول أن يتخذ من موقعه الوظيفي فرصة لفرض قوته وسلطته على الطلبة، والبعض ظل سنوات يمارس فرض عضلاته كما يقال على الطلبة وقد اتخذت اللجنة ضدهم عقوبات وبعضهم أحيل من التدريس للعمل البحثي . • موقع جامعة أم القرى في العابدية يعتبر هاجسا، حيث تؤكد تحذيرات من جهات مختصة أنه في مجرى سيل، لم لم يكن لك حراك لمعالجة الوضع حين كنت مديرا للجامعة ؟. هذا الأمر كان هاجسا لي حينها، عندما توليت مهام إدارة الجامعة ظللت أفكر في هذا الأمر، وبحثت عن مختصين أكفاء للتدارس حوله، فاستعنت بأكاديمي مختص في السيول من جامعة المدينةالمنورة، وطلبت حضوره لدراسة الموقع والخروج بتوصيات، شكل فريق عمل وشرع في دراسة شاملة كاملة وقدم لي التوصيات بأن الموقع في مجرى وادي ولكن يمكن معالجة ذلك من خلال مصدات يتم بناؤها، وتحويل مجرى الوادي وهذا ما قمنا به، أعتقد كان ذلك الحل الوحيد أمامنا في هذه المشكلة . • يرى البعض أن مجالس عديدة داخل الجامعة، ومجلس الجامعة ذاته هي مجالس صورية لا تملك صلاحية قوية، بل هي فقط لتمرير قرارات القيادات في الجامعة والوزارة، ما ردكم وأنت صاحب خبرة في ذلك ؟ . أتفق كثيرا وأختلف في البعض. ما أود قوله إن تلك المجالس مسلوبة الحق ، تعمل حينا في مهام ليست من صلاحيتها، وتضيع الوقت والجهد في أمور لا تخصها بالدرجة الأولى، وتتجاهل حينا بعض الأمور الهامة. هي مجالس في غالبية الوضع مغلوب على وضعها، لا بد أن تعاد هيكلة مهام تلك المجالس بما يحقق الغاية العظمى من وجودها، وتمنح صلاحيات أوسع لتصحيح المسار في عدة أمور . • هل يمتلك مدير الجامعة صلاحيات أعلى من صلاحيات تلك المجالس، بمعنى هل كان صوتك أقوى منها ؟. صلاحيات مديرى الجامعة « صورية» لا توازي كرسي « معالي» فلك أن تتخيل أن مدير الجامعة لا يملك صلاحية تعيين وكلاء، عمداء ورؤساء الأقسام، يملك مدير الجامعة الرفع بثلاثة خيارات لمن يريد تعيينه، ومن ثم يدرس في الوزارة وهي من تقرر . لا بد من توسيع قاعدة صلاحيات مديري الجامعات، ولا بد أن تدرك الوزارة أن المنظمة المركزية تشبه الديناصور بعقليته الصغيرة العاجزة عن إدارة كيانه الضخم، والمنظمة اللامركزية مانحة الصلاحيات أشبه ما تكون كسرب من الأسماك يتحرك بسرعة وتناغم وتوافق يقود للإنتاج المفيد . • هل ندمت على قرار اتخذته من قبل، وهل تراجعت عن قرار رأيت أن التراجع عنه شجاعة كما يقال ؟ . لا أذكر أنني ندمت على قرار اتخذته في حياتي. القرارات التي تخرج مني كانت نابعة عن قناعة. لذا لم أندم على قناعتي يوما. يعتقد البعض أن صاحب الصلاحية هو وراء كل القرارات وهذا أمر خاطئ بلا شك، ثمة قرارات تتخذ في مجالس أو لجان، ولا يملك صاحب الصلاحية سوى الإمضاء عليها، ومع هذا إن كانت تتوافق وأهواء الناس أشادوا بها، وثمنوا للجان التي اتخذتها، وإن كان غير ذلك شنوا حربا ضروسا ضد صاحب الصلاحية وهذا قدره حتما . • في قرار لإدارة الجامعة قبل عامين قررت نقل طالبات كلية اللغة العربية إلى مبنى ريع ذاخر. الطالبات والأكاديميات رفضن تنفيذ القرار . لو كنت مديرا للجامعة هل ستتراجع عن قرارك ؟. لو كنت مديرا للجامعة لما اتخذت مثل هذا القرار الخاطئ. أنا ضد نقل طالبات قسم واحد فقط، أو تجزئة الطالبات في كلية واحدة، لا بد أن تكون هناك وحدة كاملة في كل كلية، وأيضا لا بد من مراعاة البيئة الدراسية فمبنى كلية ريع ذاخر قديم ولا يتوافق مع المرحلة. لذا لو كنت صاحب صلاحية ما اتخذت قرارا كهذا . • إذن أنت من القادة الذين ربما يقفون أمام قرارات لا تخدم الصالح العام حتى وإن اتخذت وفق توجيهات جهات أخرى؟. أنا ضد أي قرار يتصادم مع مصلحة عامة، ويخدم مصلحة خاصة أو جزئية. أذكر أنني وقفت ضد قرار وزارة المالية في شراء مستشفى مكة الطبي ليكون مستشفى جامعيا، وعلى الرغم من موافقة المالية عليه، والاتفاق على مبلغ الشراء، ووصول المبايعة لمرحلة متقدمة قمت بزيارة المبنى فوجدته لا يحقق طموحات الجامعة فخاطبت الجهات العليا بضرورة تشكيل لجنة تبرأ بها الذمة لتمرير هذا القرار وبالفعل شكلت لجنة من عدة جهات، وخرجت بقرار عدم صلاحية المستشفى ليكون مستشفى جامعيا، فعدلت وزارة المالية عن شرائه، وتم إطلاق مشروع المستشفى الجامعي، حيث تحولت ميزانية الشراء لميزانية التنفيذ . • ولكن مشروع المستشفى الجامعي لا يزال متعثرا، ولم يكتمل بالرغم من مضي سنوات طويلة ما الأسباب ؟ . تم إقرار إطلاق هذا المستشفى في حينه، وبدأ العمل فيه لكن لا أعلم عن مبررات التعثر حتى الآن، أغلب المشاريع المتعثرة ترجع لميزانية التنفيذ المعطلة، بمعنى أنه يتم اعتماد مشروع كذا لكن ميزانية التنفيذ تدخل في بيروقراطية معقدة حتى ترى النور . • هل كان للمرأة دور بارز في الجامعة في سنوات إدارتك، بمعنى هل كنت تؤمن أن المرأة نصف المجتمع، وتمنح الصلاحيات لها للعمل ؟. المرأة نصف المجتمع بلا شك، لا أستطيع رفض ذلك أو مغالطته، كانت المرأة حاضرة في المشهد الجامعي بكل تفاصيله، كانت الزميلة الدكتورة عواطف بياري تقدم عملا مميزا في الجانب النسائي، لكن الطالبات كن فاعلات أيضا، كانت هناك تجاوزات في بعض الأنشطة كاحتفالات عيد الحب داخل أروقة الجامعة وكنا نعالج ذلك بالهدوء والحوار والمناصحة والبدائل في الأنشطة. لا بد أن ندرك أن المجتمع تغير كثيرا، ولا بد من مواكبة هذا التغير بالحكمة . • كأني بك تشير صوب ما يحدث في السنوات الأخيرة من تجاوزات للطالبات داخل أروقة الجامعة، في رأيك ما الذي تغير لتكون موجة النقد وسقف المطالبات يتخذ منحى التصعيد الإعلامي لانتزاع الحقوق؟. المجتمع بكل طبقاته تغير، أدوات الإعلام تغيرت، وبات سقف الحريات مرتفعا، وهو ما تحول لنقد متجاوز أحيانا. لا بد أن يدرك الناس أن المسؤول بشر قد يخطئ وقد يصيب، وليس معصوما من شيء لكن النقد أحيانا يتجاوز كل الحدود، ويدخل في دائرة التعريض والإساءة الشخصية، وهذا بات منفرا لكثير من الكفاءات من تولي المناصب القيادية، لا بد من إعادة صياغة المجتمع ككل لنكون وحدة واحدة نقول للمحسن أحسنت، نقول للمسيء أسأت دون أن نكون أوصياء على الناس . • خرجت من الجامعة ولم نر لك بصمات في جهات ثقافية أو فعاليات، هل قررت العزلة أم لم توجه لك الدعوات؟. لا هذه ولا تلك، بل لأني أعشق القراءة والبحث العلمي، وأعكف على عدة مؤلفات سترى النور قريبا. أنا لم أنقطع عن البحث العلمي حتى وأنا على كرسي إدارة الجامعة، ألفت أربعة كتب وأنا على ذلك الكرسي، ولم أغب عن مكتبي في كلية العلوم الاجتماعية قسم الجغرافيا. وأنا مدير للجامعة كنت أدوام على الجلوس به . لكني أنتهز سؤالك هذا لأوجه إلى المثقفين ومؤسسات الثقافة: لقد شهدت الساحة الثقافية انشقاقات وتصدعات في الآونة الأخيرة لسبب أو لآخر، والكل يعلم خلفياتها، وعليكم مسؤولية رأب هذا الصدع، وإزالة الخلافات التي لا طائل من استمراره، بل ولها عواقب وخيمة على الأجيال الحالية والقادمة. فالمجتمع يعقد عليكم الآمال وهو بحاجه إلى مساهماتكم وأدواركم الجليلة في الرفع من ثقافة المواطن في جميع المجالات ومختلف الأبعاد ... ثقافة الحوار وثقافة الاستهلاك وثقافة التعامل وثقافة القيادة وثقافة التواصل وثقافة التطوع والثقافة العلمية والدينية والإلكترونية والأدبية والصحية والجنسية وغيرها ... ثقافة تلغي الحواجز، وتقرب الأجيال، وتزيل الأحقاد، وتنير العقول، وتفتح الآفاق، وتجمع الشتات ... ثقافة تأخذ من الشريعة الإسلامية أصولها، ومن ثراث المجتمع عمادها وقوامها .