يشهد (وسط البلد) في مدينة جدة خلال منتصف شهر رمضان المبارك أجواء اعتاد عليها أهالي جدة، تتمثل في البسطات المنتشرة في كل مكان والتي تبدأ عملها بعد صلاة العشاء حتى ساعات متأخرة من الليل، وتأتي الكبدة والبليلة في مقدمة أشهر الأصناف التي تقدم عبر هذه البسطات المرخص لها من قبل أمانة جدة. وتحظى تلك البسطات بإقبال كثيف من قبل الأهالي والزائرين. «عكاظ الأسبوعية» قامت بجولة مسائية على البسطات، والتقت بالعديد من الشباب المزاولين لهذه المهنة. بداية أوضح محمد عياش أنه يحرص على إقامة بسطة الكبدة في جدة منذ 10 سنوات في وسط البلد، فأصبح لديه زبائنه الخاصون به الذين اعتادوا على المجيء ليه، ومن بينهم نجوم اجتماعية منهم فنان العرب محمد عبده ونجوم نادي الاتحاد والأهلي، وزبائن آخرون يأتون إليه من أنحاء جدة لتناول الكبدة المعدة على الصاج، وبين عياش أن يشرف بنفسه على الطهو في البسطة، ويقدم الوجبات للزبائن، بينما يتعاونون معه في أجواء رائعة، مبينا أنهم يقدمون في البسطة الكبدة والقلوب بأنواعها. وأضاف عياش أنه لا توجد لديه مشكلات لا مع البلدية ولا مع غيرها، وكل نشاطه السنوي نظامي وعبر البلدية، مشيرا إلى أن شعاره الذي أكسبه حضورا جيدا لدى زبائنه هو الجودة والنظافة، وهو ما يسعى إليهما سنويا في عمله هذا. وأضاف عياش: الجميع يشجعونني على مزاولة هذا النشاط، ونقدم لهم أطباق الكبدة والحاشي البلدي، لافتا إلى أنه يتوجه بعد صلاة الفجر وقبل دوامه الحكومي إلى محل الجزارة ليظفر بأكبر كمية من الكبدة الطازجة. ونوه عياش بأنهم يشترون الكيلو من الكبدة من 80 إلى 120 ريالا إذا كانت (حاشي)، أما كبدة الخروف فسعر الكيلو 50 ريالا، بالإضافة إلى قلوب الحاشي، وهي تأتي مع الكبدة بنفس السعر، مشيرا إلى أن الجزارين هم من يتحكمون في الأسعار، موضحا أنه يقدم سعر الصحن الواحد من الكبدة ب8 ريالات، متمنيا الحفاظ على هذه العادات الرائعة الحجازية وأن تشرف عليها جهة رسمية للمحافظة على التراث المتوارث في ظل انشغال الجميع بالجوانب الحديثة. وخلال تقصينا في هذه الجولة عرفنا أن أصحاب البسطات لا يدفعون مقابل بسطاتهم، حيث تقوم إحدى شركات الأغذية بتسديد قيمة إيجار البسطات المتفاوتة إيجارها الشهري ما بين 3000 و5000 ريال حسب المساحة المقدمة. تحدثنا إلى أحد المسؤولين عن هذ الشركة فأوضح: كنا العام الماضي نقوم برعاية كاملة ونضع صور منتجاتنا وشعارنا على البسطات مقابل دفع التكاليف وإنشاء بسطات تحمل التراث ونقدم لهم كل المواد والمنتجات التي يعملون بها، إلا أن البلدية طلبت منا أن ندعم صندوق البلدية بمبلغ نصف مليون ريال، وهنا اتقفنا مع أصحاب البسطات هذا العام على دفع تكاليف الإيجار لهم فقط مع اعتمادهم على المنتجات التي نقدمها. مشيرا إلى أنهم يوفرون على الشباب دفع الرسوم دفعوا أكثر من 60 ألف ريال رسوم لبسطات العام، وأشار مصدرنا أن الحد الأدنى لدخل البسطة الواحدة في شهر رمضان لا يقل عن 30 ألف ريال. منوها أن أمانة جدة تشترط في المتقدم للحصول على رخصة البسطات الشعبية الرمضانية أن يكون سعوديا، وأن يلتزم بالعمل في البسطة المخصصة، ولا يتجاوز عمره 30 عاما، مع ضرورة حضوره لتقديم أوراقه الشخصية، وإرفاق صورة الهوية، وتقديم صورة شهادة صحية للمتقدم بطلب بسطة مواد غذائية، بينما يتعين بالنسبة للنساء تقديم شهادة صحية للعامل شريطة أن يكون على كفالتها، مبينا أن تقديم الطلب للحصول على بسطة رمضانية يقتصر بالنسبة للنساء على الأرامل والمطلقات فقط مع إحضار أوراق رسمية من الأحوال المدنية تفيد أنها مطلقة أو أرملة. وتمثل بسطات الكبدة والبليلة واجهة سنوية للعديد من العائلات التي تقوم بهذه المهنة الذين اعتادوا على التواجد في ليالي رمضان مع أبنائهم لتحضير وبيع الكبدة. ويشير الجاوي إلى أن تحضير الكبدة يعتمد على مهارات وفنيات لا يجيدها إلا المتمرسون في المهنة، ويبدأ من اختيار نوع الكبدة وسلامتها وينتهي بطريقة طبخها فلكل متمرس طريقته الخاصة في طبخها وطريقة تقديمها للزبائن. مضيفا أن زبائنه يأتون إليه من أحياء بعيدة وهناك أيضا رجال أعمال يأتون إلينا ومعهم بعض الوفود التجارية لزيارة هذه المنطقة وتناول وجبة الكبدة البلدي والعديد من مشاهير الرياضة المحليين مؤكدا أن السمعة هي رأس المال في هذه الصنعة. من جانبه، يشير العم معتوق الشريف الذي يعد من الأسماء المشهورة لبيع البليلة في رمضان إلى أنه يعمل هنا سنويا منذ 25 عاما، حيث يبدأ من المنزل ثم يستكمل في نفس الموقع ليقدم بشكل صحي للزبائن. مضيفا أن معظم الصحف السعودية أجرت معه لقاءات عديدة وأصبح من المشاهير الذين يزاولون هذه المهنة التي يحرص عليها سكان جدة والزائرون والمعتمرون فأصبحت تربطنا مع بعضهم علاقات جيدة. وتحدثنا إلى الزائر صالح القرني الذي أشار إلى أنه يتردد على وسط البلد سنويا، فالأجواء تعجبه كثيرا، ويحرص على أن يأتي مع أصدقائه وأحد أبنائه للجلوس لتناول الكبدة في الهواء الطلق، مشيرا إلى أنه كان يأتي مع والده وهو صغير واعتاد على هذه الأجواء الرمضانية السنوية. ومن جانبه، كشف رئيس بلدية المنطقة التاريخية بجدة المهندس سامي نوار نوار أن بلدية المنطقة التاريخية بجدة استقبلت أكثر من 500 طلب ترخيص للبسطات الرمضانية، وتضمنت طلبات التراخيص بسطات البليلة والبخور والعطورات والحلويات والكبدة والمكسرات والمعجنات والحلاوة البلدي التي جرت العادات والتقاليد القديمة في وضعها مع إطلالة شهر رمضان المبارك لإضفاء الرونق على المنطقة التاريخية.