تجدهم على حافة الرصيف يعرضون في بسطاتهم المتواضعة النعناع والورد ومياه زمزم، يسوقونه على المسافرين الى المناطق المختلفة، يتحدون الصعاب ويقهرون الظروف، إنهم مجموعة من الباعة بأعمار متفاوته، مسنون، وأشخاص في منتصف العمر، وطلاب، ومتقاعدون، يبيعون تلك السلع في طريق المدينةالمنورة/الرياض، وتشير الحيثيات إلى أنهم يعملون لتأمين مبالغ تساعدهم لمواجهة متطلبات الحياة، وبعض منهم عاطل عن العمل ولم يجد سوى هذه المهنة تؤمن له لقمة العيش، ولكن في نهاية المطاف فإن لكل منهم ظروفه الخاصة التي اجبرته على امتطاء صهوة هذه المهنة الشريفة، إذ تجدهم يبتسمون وروحهم عالية، ويمتلكون رصيدا وافرا من روح الدعابة رغم ضيق العيش، ورغم تحذيرات البلدية المستمرة عليهم التى تمنع الباعة من عرض بضاعتهم على طرف الشارع، ما يجبر بعضهم على ترك المكان لحين ذهاب البلدية، من ثم يرجعون الى اماكنهم مرة أخرى، فهم يواجهون البلدية ويواجهون لهيب الشمس وتقلب الاسعار، رغم ذلك فهم لا يستسلمون، ويكافحون لكي يعيشوا حياة كريمة. «عكاظ» التقت مجموعة من الباعة المتجولين وزبائن الباعة المتجولين من المسافرين، موضحين في نفس الوقت أنهم يعانون من مداهمات مراقبي الأمانة والبلديات الفرعية. وفي هذا السياق، أوضح عبدالله المحمدي بقوله إنه يبيع في بسطته جميع أنواع النعناع ومياه زمزم والتمر. ويقول: أحمد الله وأشكره على كل حال.. منذ اكثر من سنة وأنا ابيع في هذا المكان والدخل المادي يتحسن كل يوم مع كثرة الزوار في المدينةالمنورة فهم يشترون من عندي بكميات كبيرة.. اعمل لمدة 16 ساعة في اليوم الواحد أي منذ الصباح الباكر وحتى منتصف الليل. وأضاف أنه متقاعد وهذه البسطة تعتبر بمثابة دخل آخر مع راتب التقاعد وذلك لمواجهة ظروف الحياة. من جهته، أوضح محمد عبدالكريم (طالب ثانوي) أنه فضل العمل وقت الاجازة على اللعب واللهو مع رفاقه وقال إنه منذ بداية الاجازة يقف خلف بسطته ويبيع النعناع ومشتقاته ومياه زمزم وقال « أحصد مبلغا جيدا في كل يوم ولله الحمد». ويضيف أنه يخطط لافتتاح مشروع تجاري يدر عليه مبلغا جيدا كل شهر وطموحه كبير وأحلامه اكبر «وسوف أحققها من خلال البسطة». وعن الدارسة قال: الحمد لله جيدة وأنا من الاوئل في المدرسة وحين قدوم الدراسة اودع عمل البسطة، فالدراسة أهم. من جهته، أوضح عبدالله الحربي أن العمل في هذه المهنة مربح وزبائنه كثر، ولكنه وزملاءه يواجهون عقبات منها البلدية حيث ان المراقبين يأتون منذ الصباح الباكر، ما يجبر بعضهم على ترك بسطته، حيث إن مراقبي البلدية يؤكدون أن البسطات غير نظامية، أما العقبة الثانية فهي حرارة الشمس، «نواجه الحرارة المرتفعة في وقت الظهيرة وذلك كله بسبب لقمة العيش ونطالب البلدية بتخفيف الضغط علينا وأن يجدوا حلولا وقت المواسم للباعة المتجولين على سياراتهم». أما أحمد محمد (رجل في منتصف الستينات) فيعمل في هذه المهنة منذ فترة ليست قصيرة ويقول إنه يقف خلف بسطته لمدة 16 ساعة يوميا، ويعمل في بيع النعناع والورد وماء زمزم. ويضيف أحمد أن الدخل جيد ومناسب وسوف يكثر الطلب على النعناع في رمضان، خاصة انهم يحققون ايام رمضان مبالغ مناسبة أكثر من أي موسم آخر. وقال أحمد «أنا غير مسجل في قوائم الضمان الاجتماعي وهذا العمل هو مصدر رزقي الذي استعين من خلاله على متطلبات الحياة الصعبة». عبدالله محمد (بائع نعناع) قال «نعاني من البلدية فهم يأتون إلينا بين الحين والآخر ويجبروننا أن نحمل بسطة النعناع في السيارة من المواقع وعند مغادرة البلدية نرجع إلى نفس المواقع وتجدنا نعاني من القلق والتوتر». وتابع بقوله: نرجو من البلدية أن تقدر وضعنا لأننا محتاجون لهذه المهنة، «صحيح أنهم لا يغرموننا ولكن البعض منهم يجبرنا أن نتحرك من مكان أكل عيشنا» من جهته يقول خالد احمد: أعمل في هذه المهنة من فترة ودخلها جيد خاصة أنني عاطل عن العمل منذ فترة ومتزوج ولدي أطفال ولم اجد سوى هذه المهنة أوفر من خلالها مستلزمات عائلتي، خاصة وأنني طرقت جميع أبواب التوظيف ولم أجد وظيفة مناسبة فأعلى راتب قدم لي كان 2500 ريال في إحدى الشركات، رغم أن الدوام 12 ساعة، وحينما لم اجد الوظيفة المناسبة انطلقت في بيع النعناع. وأضاف «مهنة بيع النعناع افضل كثيرا من بعض الوظائف التى وجودها مثل عدمها». وقال: نطالب البلدية بإيجاد حلول لنا نحن الباعة وأن توفر لنا مكانا مناسبا لنحصل على قوتنا وقوت أسرنا، مثلما هو معمول في طريق جدة/المدينةالمنورة بدلا من تتبعنا من مكان الى آخر. وقال عبدالله معيض (من سكان مدينة القصيم): عند توجهي الى مدينة القصيم فإنني اعتدت على شراء النعناع المديني من باعة طريق الرياض، وفي كل مرة أشتري كمية كبيرة للأهل والاصدقاء وذلك بسبب عدم جودة النعناع الموجود في محل اقامتنا كما ان الأسعار عند الباعة في هذا الموقع أفضل بكثير من أسعار المحلات التي تبيع الخضر والفاكهة في المدينة. وتابع أن النعناع الذي يباع في البسطات طازج ونظيف، ومياه زمزم يبيعونها بأسعار رمزية وهم يرغبون بكسب الزبون قبل المال. وأضاف: أكثر ما يعجبني أنهم رجال من جميع الأعمار يواجهون الحياة بصمود ولم يستسلموا للبطالة واتجهوا إلى البيع في تلك التجارة لذا فإنني أحيي فيهم هذا الطموح، ما يؤكد أن المواطن يمكن الاعتماد عليه.. وثقتي في البائع السعودي كبيرة جدا وأطمئن على عدم غشي في البضاعة. وفي السياق نفسه، أوضح فهد العتيبي (من سكان مدينة الرياض) أنه تعود في كل مرة يزور فيها المدينةالمنورة على شراء النعناع والورد من باعة البسطات، «بضائعهم دائما ممتازة والأسعار لديهم معقولة وأشتري من عندهم بكميات كبيرة وذلك بسب شح النعناع عندنا في الرياض». وأضاف: وجود هؤلاء الباعة شيء يجعلك تفتخر و«ترفع لهم القبعة» احتراما على سعيهم لطلب الرزق، خاصة أنهم يكافحون رغم حرارة الاجواء. وفي ما يتعلق بمنع مراقبي البلدية باعة البسطات أوضح المهندس عايد حسين البليهشي مدير الإدارة العامة لتنمية الاستثمارات البلدية في أمانة منطقة المدينةالمنورة أن الأمانة حرصت على تنظيم عملية المراقبة الصحية على النعناع ومراقبة طريقة حفظه وعرضه في محال تراعى فيها الاشتراطات الصحية. طريقة صحية أمانة المدينةالمنورة أوضحت أن سوق بيع النعناع جرى تصميمه بطريقة العمارة التقليدية الخاصة بالمدينةالمنورة حيث تم إنشاء 37 محلا تجارياً وأربعة محلات بيع تمور ومسجد ودورة مياه للرجال والنساء.. هذا وقد بلغت المساحة الإجمالية للموقع حوالى 3 آلاف م2 تقريبا. كما أوضح عايد البليهشي أن أمانة المدينةالمنورة تشرف على السوق الذي تم تأجيره بالكامل على أحد المستثمرين المحليين ليقوم بدوره بتأجيره على ممارسي هذا النشاط.