الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض يشكر القيادة على افتتاح مشروع قطار الرياض    «أبشر» تعلن تحديث بعض أنظمة خدماتها يوم الجمعة القادم    دعم وتطوير أداء إدارات التعليم    كيف قادت السعودية مستقبل الرياضة عالميًا؟    الجوع يفتك بغزة.. و«الأونروا»: الفلسطينيون يأكلون من النفايات    الاتحاد الآسيوي يعلن فتح تحقيق في احداث مباراة السد والهلال    مجلس شؤون الأسرة يرعى كرياثون "الإبداع في الأسرة"    استطلاع: 60 % سيستخدمون مترو الرياض للذهاب للعمل والمدارس    ميقاتي يحذر النازحين من العودة السريعة.. وإسرائيل تعلن اعتقال 4 من حزب الله    تعيين اللاعب الدولي السابق "صالح الداود" مديراً للمنتخب الأول    وزير الثقافة يوجه بتمديد معرض "بنان" حتى 30 نوفمبر الجاري    جامعة الأميرة نورة تُنظِّم لقاء "فتح أبواب جديدة وآفاق واسعة للمعرفة والتعلُّم"    طريف تسجّل أدنى درجة حرارة بالمملكة    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء في جميع أنحاء المملكة يوم غدٍ الخميس    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم بالمنطقة    الخريف: الصندوق الصناعي اعتمد مشاريع بقيمة 12 مليار ريال في 2024    الجاسر: قطاع النقل حقق نسبة نمو 17% منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    وزير الرياضة : 80 فعالية عالمية زارها أكثر من 2.5 مليون سائح    "أنا المدينة".. تجربة واقع افتراضي تنقل الزوار إلى العهد النبوي    وزير الطاقة يعقد اجتماعًا ثلاثيًا مع نائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الطاقة الكازاخستاني    نائب وزير الصحة يستعرض إنجازات "مستشفى صحة الافتراضي" ضمن ملتقى ميزانية 2025    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية لتشغيل مركز الأطراف الصناعية في مأرب    شراكة تعاونية بين جمعية البر بأبها والجمعية السعودية للفصام (احتواء)    توقيع مذكرة لجامعة الملك خالد ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    المملكة تشارك في اجتماعات الدورة ال29 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    "الأونروا" تحذّر من وصول الجوع إلى مستويات حرجة في غزة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    هؤلاء هم المرجفون    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عكاظ»: مجلس عسكري .. وآخر استشاري مدني أعلى يحكمان مصر غداً
نشر في عكاظ يوم 02 - 07 - 2013

لم يكن ما كتبته أول أمس الأحد تحت عنوان «العسكر يحكمون مصر لفترة قصيرة ومؤقتة لا تتجاوز عاما» مجرد تنجيم.. أو قراءة كف.. وإنما كان تحليلا وقراءة سياسية للواقع المصري منذ سقطت مرحلة حكم «مبارك» بتاريخ 11 فبراير/ 2011م وحتى يوم السبت الماضي.. وبصورة أكثر تحديدا.. نتيجة متابعة المشهد المصري على مدى عام كامل أدار فيه الرئيس محمد مرسي شؤون البلاد بعد فوزه بأول انتخابات رئاسية.. وبنسبة أصوات ضئيلة بلغت «51.73 %»..
** لقد كانت هذه النسبة التي حملت مرشح الإخوان المسلمين إلى قصر الاتحادية تشير إلى أمرين هامين هما:
** أولا: أن هناك قرابة نصف الشعب المصري لا يوافقون على هذا الاختيار.. ليس لشخص الرئيس الفائز فقط وإنما للاتجاه السياسي والأيديولوجي والتنظيمي الذي يمثله أيضا.. وهذا يعني أنه كان على مؤسسة الرئاسة المصرية أن تدرك باكرا هذه الحقيقة.. وأن تستشعر أهمية تغيير خارطة توجهات حزب الحرية والعدالة بحكم مصر بمنطق الأغلبية.. لأن هذه الأغلبية لم تكن متحققة من جهة وبالتالي فإن عليها أن تختار سريعا بين أن تستوعب كل الأطياف الأخرى، وبين المضي في سياسة اللون الواحد، سواء في تفاصيلها.. أو في اختياراتها لأدوات العمل أو في منهج العمل السياسي الذي ستدار به الأمور في بلد دخلت مرحلة جديدة من «استنشاق الحرية» بعد ثلاث تجارب سابقة كانت أقرب إلى «الشوفينية» منها إلى الامتثال لسلطة الشعب..
** ثانيا: أن الرئيس المنتخب لم يكن الخيار الأول للإخوان في الاختيار لهذا الموقع الخطير الذي حلموا به على مدى «80» عاما.. وحانت اللحظة لكي يعيشوه حقيقة لأول مرة..
فقد كان خيارهم الأول هو «حازم صلاح أبو إسماعيل» غير أن قضية «مصرية» هذا المرشح لم تكن مستوفية للشروط الدستورية كافة.. وبالتالي وقع اختيارهم مرة أخرى ل «خيرت الشاطر».. وبرزت عقبات كثيرة أمام هذا الاختيار.. فما كان من الإخوان إلا أن اختاروا الرئيس الحالي «محمد مرسي»..
** ومع أن هذا التوصيف لا يعني التقليل من شأنه إلا أنه يعني - بكل تأكيد - أن طبيعة المرحلة وبداية تجربة الإخوان في ممارسة الحكم ربما كانت تتطلب من وجهة نظرهم مواصفات أخرى.. لأسباب هم الذين قدروها..
** لكن السؤال الآن هو: لماذا وقعت الأخطاء التي اعترف بها لصحيفة «الجارديان» البريطانية خلال سنة الحكم الأولى للدكتور مرسي.. ومن المسؤول عنها؟!
** أطرح السؤال وأجيب:
** ليس الرجل مسؤولا بكل تأكيد عن أخطاء ذات طبيعة «هيكلية» تتعلق بفكر الجماعة.. وأدبياتها وترتبط إلى حد كبير بفلسفتها السياسية.. وإن كان نهمها إلى السلطة قد ساعد على تجاهل الحقيقتين السابقتين المرتبطتين بنسبة الفوز بكرسي الرئاسة والتحيز لفكرة استثمار اللحظة وحكم البلد بمنطق الأغلبية.. بالرغم من عدم تحققها.
** وكما قلت في التحليل السابق.. فإن فوز الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة أو حزب العمال في بريطانيا أو الحزب الاشتراكي في فرنسا «مثلا» في أي انتخابات لم يكن يعني مصادرة حقوق الشركاء من الأحزاب الأخرى مهما بلغت شعبية كل منها.. بل ظل يعني حقا قانونيا تعتمد ممارسته على مدى استيعاب الأطراف الأخرى وحكم البلد بمنطق حقوق المواطنة التي يتساوى فيها الجميع.. وليس منطق «سي السيد».. وهو المنطق الذي فرض إتمام الانتخابات الرئاسية قبل إقامة المؤسسات الدستورية تجنبا لتكبيل الرئيس القادم بنظام يتساوى فيه الجميع.. لأن الإخوان كانوا متأكدين من إمكانية فوزهم هذه المرة لأسباب لسنا الآن بوارد ذكرها.
** وعندما تحقق هذا بدأت ماكينة الحكم الجديدة تدور في الاتجاه الواحد وبتروس اللون الواحد.. فكان تشكيل مجلس الشعب ومجلس الشورى انعكاسا لإرادة حزب الحرية والعدالة وبلونهم الواحد.. وترتب على هذا صدور الإعلان الدستوري بالصيغة التي وضعت النهاية التي نراها اليوم حتى قبل أن تبدأ الرئاسة في ممارسة السلطة حقا.. وتوالت الخطوات والإجراءات في هذا الاتجاه لتطال المجلس العسكري ورموزه القيادية البارزة.. وانتهت أخيرا إلى فرض حكومة ضعيفة لا تليق ببلد عظيم وكبير هو مصر التي تزخر بالعقول.. وبالخبرات.. وبالنوابغ ولا تجد مشكلة في انتقاء من يصلحون للتصدي للمسؤولية في إدارة شؤون البلاد في مرحلة خطيرة كالتي تعيشها مصر..
** والأخطر من كل هذا هو أن «الإخوان» وإن كانوا على درجة قصوى من التنظيم في الشارع إلا أنهم وفي ظل أولوياتهم المطلقة لفرض سلطة اللون الواحد.. لم يلتفتوا إلى المشكلة الأبرز والأخطر التي كانت تتهدد البلاد وتفرض على أي نظام حكم رشيد أن يوليها أولوية مطلقة.. وينشغل بها بصورة كلية ويجند لها كل قدرات مصر.. وإمكانات مصر.. وعقول وخبرات مصر الوفيرة لخلق نوع من الاستقرار وتحسين مستوى عيش الناس.. لكنهم بدل أن يوفروا ذلك للمصريين.. ويهيئوا أسباب تنمية الاقتصاد وإنعاش التجارة البينية مع الأشقاء والأصدقاء.. ويفتحوا بلادهم للسياحة ويشجعوا الاستثمار على التدفق أكثر إلى بلادهم.. لكنهم بدل كل ذلك.. قادوا البلاد بسلسلة الأنظمة والقوانين والإجراءات والضوابط إلى غلق البلد على أنفسهم.. بل وإلى تعميق الفجوة داخل مصر..
** حدث هذا.. من سلطة الرئاسة الظاهرة في الواجهة لكن جميع المراقبين يقولون.. إن سلطة الحزب وسطوته وتوجهات الإخوان ونظرتهم لأسلوب إدارة البلاد هي التي كانت وراء كل ذلك..
** وسواء كان الإخوان هم السبب عبر ممارستهم المرتبكة في السلطة أو كانت الضغوطات الشديدة التي مارستها المعارضة في الشارع، قد قادت مصر إلى هذا الوضع الخطير، الذي تعيشه مصر هذه الأيام..
** والحال المصري الذي نتحدث عنه.. ليس هو فقط في جانبه الاقتصادي الخطير فقط.. وليس هو فقط في الحالة الأمنية التي شهدتها وتشهدها سيناء وبعض أجزاء كبيرة من مصر أدت في الآونة الأخيرة إلى نبرات «شعبوية» تنادي بالانفصال وظهور مكونات مصرية عديدة فقط.. وإنما في حالة اليأس الشديدة التي وصلت إليها الأغلبية الحقيقية ويمثلها الشباب «أولا» ثم النخب السياسية «ثانيا» ثم السلطة القضائية «ثالثا» ثم الأزهر الشريف «رابعا» ثم الكنيسة المصرية «خامسا» أيضا..
** بل إن ما هو أشد خطورة من كل هذا هو أن الشباب أجبروا في النهاية على التمرد وتشكيل ذراعهم القوية التي انطلقت بهذه القوة الكاسحة في الميادين المصرية بعد أن شعروا أن الإخوان من جهة.. والساسة من جهة ثانية.. قد سطوا على ثورتهم.. وأنهم بدأوا يحاربون بعضهم البعض وصولا إلى السلطة بعيدا عنهم..
** تلك هي مجمل الصورة في مصر..
** وليست مجرد قوتين تتصارعان في الشارع هما قوة الإخوان وقوة الليبراليين لأن هذه الملايين سواء من الغاضبين أو المؤيدين هم تعبير عن حالة عدم الرضى المتبادلة وكذلك عن حالة عدم ثقة أحد هذين المكونين في الآخر.. وعدم الطمأنينة إلى مستقبل مصر بوجود الجميع..
** من هنا جاء تحليلي الأحد الماضي مرتكزا إلى «3» سيناريوهات كانت تصب جميعها في نقطة ارتكاز أساسية هي.. أن الوضع معقد وشائك.. وأن الإخوان لن يتركوا السلطة بسهولة.. وأنهم يراهنون على عنصر الوقت بالرغم من تزايد عدد القتلى في الشارع وكأنهم لا يرون ولا يسمعون ولا يتعظون من تجربة 25 يناير 2011م.. وسقوط شهداء قادوا مبارك إلى خارج السلطة.. وبالمقابل فإن الشارع المعارض بدا وكأنه قد حزم أمره.. ووصل إلى قناعة تامة بأن عليه أن يتحرك بقوة قبل أن تنهار البلاد ويدخل الشعب في كارثة تفوق ما يتعرض له الشعب السوري بمراحل.. لأن مصر هي العالم العربي كله.. وليست مجرد دولة على خارطة المنظومة العربية فقط..
** ولأن أخطاء الإخوان من جهة.. وغياب المشروع المتكامل للمعارضة من جهة ثانية يعني.. تسليم مصر للمجهول.. فإن تحليلي توقع دخول القوات المسلحة في اللحظة المناسبة لحسم الأزمة وتفادي الكارثة..
** فما هي الدلالات الكبرى التي انطوى عليها البيان الذي صدر عنها البارحة.. بعد أن ظهرت في الأفق دلالات قوية على أن الشعب المصري يقترب من الانزلاق إلى حرب أهلية كان العسكر قد حذروا منها منذ أسبوع فقط ولم يلتفت لهم أحد..؟!
تحقق السيناريو الثالث
** وقبل أن أجيب على هذا السؤال.. دعوني أعود بكم إلى «السيناريو الثالث» الذي أوردته في قراءتي للوضع المصري يوم الأحد الماضي وقلت فيه نصا:
** «وإما أن تفلت الأمور «في السيناريو الثالث» وتقترب الأوضاع من حالة الانفجار وتصبح مصر في خطر حقيقي ويجد العسكر أنفسهم أمام خيار وحيد هو الإمساك بزمام السلطة بما يشبه الانقلاب الأبيض، سواء كان هذا بإرادة عسكرية بحتة تفرضها مصلحة مصر.. على أن تكون فترة حكم محددة ومؤقتة وقصيرة للغاية ومطمئنة وغير مقلقة للشعب أو مستفزة لقوى التغيير الديمقراطي والمؤسسي في الداخل والخارج، أو كان ذلك بالاتفاق مع الحزب الحاكم «الإخوان المسلمين» وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي وكذلك مع رموز المعارضة مقابل أن يتم الالتزام بالنقاط التالية:
1 - أن لا تتجاوز المرحلة الانتقالية وعمر الحكم العسكري عاما واحدا من تاريخه.
2 - أن يتم الإعداد خلال نفس المدة لمراجعة الدستور المختلف عليه بمشاركة جميع الأطراف، على أسس منهجية ومهنية وعلمية صحيحة وبعيدا عن التسييس أو التوظيف «التكييف» للنصوص في المرحلة القادمة لصالح طرف أو تيار أو قوة مهما كان دورها في الشارع أو دورها في السلطة بما فيها سلطة رئيس الجمهورية وبعيدا عن «التفصيل» أو الملاءمة.. أو التوظيف لخدمة أي قوة أو فئة أو تكتل.
3 - أن تتشكل مؤسسات الدولة على نفس الأسس الجديدة وانطلاقا من حقوق المواطنة المتساوية وبما يكرس العدالة ويحقق مصالح الجميع.
4 - أن يتم الإعداد لانتخابات جديدة يقبل نتائجها الجميع ولا يقفون منها مواقف سلبية في المستقبل ويشاركون في تحمل أعباء سلطتها التنفيذية وفقا لنفس المعايير التي تم تطبيقها في حالة إعادة صياغة الدستور وإقامة المؤسسات البرلمانية الوطنية بعيدا عن المحاصصة الحزبية».
** وقلت أيضا: «وأنا وإن كنت أتمنى أن يتم تطبيق السيناريو الأول والثاني بتوافق تام بين جميع الأطراف المتصارعة بما فيها طرف القضاء الذي يشعر المنتسبون إليه بكثير من المرارة لما لحق بهم من إساءات.. وتكون لهم كلمتهم الفاصلة في بلورة الصيغة المقبولة في المرحلة القادمة.. إن كنت أتمنى ذلك إلا أنني أعتقد أن مصر متجهة رغما عنها إلى «السيناريو الثالث» لا سيما إذا بالغت الأطراف المتصارعة في التمسك بآرائها ومواقفها وممارساتها وتصرفاتها التي شهدتها الساحة خلال العام الماضي».
العسكر يتسلمون السلطة قبل غد
** أما الآن.. فإنه لا بد من الإجابة على السؤال السابق؟
** إلى أين تتجه مصر؟!
** وما هي خارطة حكم العسكر التي أعلنوا عنها؟!
** الإجابة بتركيز شديد تقول:
** إن القوات المسلحة المصرية قد عقدت العزم على تسلم مقاليد السلطة بالكامل في مصر على مدى ساعات قليلة مجسدة بذلك مصلحة مصر العليا.. وحقن دماء المصريين بعد سقوط «16» قتيلا حتى ليلة أمس خلال اليومين الماضيين ليضافوا إلى أكثر من «80» قتيلا استشهدوا خلال السنة الأولى من حكم الإخوان.. مقارنة بما يقارب «700» قتيل سقطوا في انتفاضة الشباب المصري ضد حسني مبارك..
** فالبيان يقول بوضوح تام:
«وتهيب القوات المسلحة بالجميع (أي بالسلطة ومؤيديها في الشارع.. وبالنخب السياسية وحضورها في الميدان وبالغاضبين من الشباب وغير الشباب ممن تهمهم مصر قبل انتمائهم إلى أي فصيل.. وبالصامتين في منازلهم ومهاجرهم) بأنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب خلال المهلة المحددة «48 ساعة» فسوف يكون لزاما عليها استنادا لمسؤوليتها الوطنية والتاريخية واحتراما لمطالب شعب مصر العظيم أن تعلن عن: خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها وبمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة بما فيها الشباب الذي كان ولا يزال مفجرا لثورته المجيدة.. ودون إقصاء أو استبعاد لأحد».
** فماذا يعني هذا الكلام؟!
** يعني أن القوات المسلحة المصرية.. وبعد اتصالات مكثفة مع جميع الأطراف خلال الأسبوع الماضي.. لم تتمكن من دفع الفرقاء إلى التوافق.. فالرئاسة - كما يبدو - لم تكن مستعدة لاتخاذ قرارات شجاعة تعلق بموجبها الدستور.. وتقيل الحكومة الحالية وتقوم بتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية تمثل كل أطياف الشعب المصري.. لتولي إدارة شؤون البلاد في المرحلة القادمة بصلاحيات كاملة.. وتضع قواعد جديدة لإعلان دستوري يؤدي إلى وضع دستور بعيد عن التكييف.. وتتم بموجبه إعادة انتخاب المؤسسات الدستورية التي تشرف بعد ذلك على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يحتكم الجميع إلى نتائجها القائمة على تلك الأسس التي شارك في وضعها الجميع..
** أما الأطراف الأخرى ممثلة في المعارضة بكل فئاتها.. ومرجعياتها وأطيافها فإنها - كما يبدو - ترفض مبدأ استمرار الرئيس في موقعه ومشاركته في الحكم وفي إدارة المرحلة الانتقالية لأنها ترى أن الشعب الذي اختاره هو الشعب الذي لا يريد استمراره ممثلا لحكم اللون الواحد.. وبالتالي فإنها بدت معترضة على مبدأ المشاركة في تشكيل حكومة ائتلافية يشارك فيها الكل مع وجود حزب الحرية والعدالة في الحكم ممثلا في الدكتور محمد مرسي.. وهي ترى أن شرعيته قد سقطت.. وأن الوقت لم يعد وقت ملاءمات بعد أن تزايدت مؤشرات الخطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على المصريين..
** ولو لم تكن القوات المسلحة المصرية قد وصلت إلى هذه القناعة من عدم إمكانية قبول الطرفين بالمشاركة معا في إدارة مرحلة انتقالية تحكمها شروط ومواصفات دقيقة لنظام حكم أكثر ليبرالية.. لو لم تكن قد وجدت نفسها أمام أفق مسدود لما تحدثت عن:
1 - خارطة مستقبل (ولم تتحدث عن مرحلة انتقالية).
2 - وإجراءات (مدنية وعسكرية وقانونية) ضابطة للوضع.
3 - وإشراف على تنفيذ الخارطة (والإشراف يعني تولي مهام وسلطات رئيس الجمهورية المنصوص عليها بالدستور الحالي).
4 - وبمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة بما فيها الشباب... ودون إقصاء أو استبعاد لأحد (وذلك بتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الإخوان المسلمون والليبراليون والسلفيون.. ومن كل الديانات والاتجاهات ويمثلون الجميع تمثيلا كاملا وحقيقيا.. وبمشاركة كاملة من فئة الشباب الثائر.. شريطة أن تكون الغلبة في اختيار هذه الحكومة للكفاءة ولحاجة مصر واقتصاد مصر وأمن مصر ومستقبل أجيال مصر للإنقاذ وتفادي الكارثة أو العزلة عن العالم).
** القوات المسلحة إذاً.. تبدو جاهزة ومنذ وقت طويل بما أسمته «خارطة مستقبل» و«سلسلة إجراءات» ومستعدة لمواجهة جميع الاحتمالات..
** فعلت هذا القوات المسلحة ليس طمعا في السلطة.. فقد سبق رجالاتها الحاليون أن مروا بتجربة اتفق الجميع على أنها ناجحة بالإجمال وعادوا أدراجهم إلى ثكناتهم أو ذهبوا إلى بيوتهم وكذلك سيكون حال من يؤدون هذه المهمة لاحقا مع اختلاف الظرف وبعض التفاصيل.. فقد قاموا برسم هذه الخارطة كجزء من المسؤولية التاريخية والوطنية التقليدية التي اعتنقتها العسكرية المصرية وأوفت بها حتى الآن.
فعلوا هذا من أجل مصر..
وفعلوه من أجل شعب مصر الذي بدأت تسيل دماؤه في الشارع ثمنا للصراع على السلطة.. ونتيجة لاستمرارية الأخطاء.. وتجسيدا للإقصاء السياسي الذي أديرت به الأمور خلال السنة الماضية.
خياران صعبان
ولذلك فإن المتوقع خلال الساعات القليلة القادمة هو أحد خيارين.
الخيار الأول: قبول الرئيس محمد مرسي باتخاذ القرارات التالية:
1 حل الحكومة الراهنة وتشكيل حكومة وحدة وطنية .. تم الاتفاق مع القوات المسلحة وبقية الفرقاء على طبيعتها وطريقة تكوينها وربما على العناصر الممثلة لاحتياجات المرحلة القادمة.. أو على أقل تقدير على الشخصية التي ستترأسها.
2 تحديد مهام هذه الحكومة وقصرها على الآتي:
أ / إعداد دستور جديد للبلاد يستوعب كافة شروط واستحقاقات المواطنة الموحدة.. ويكرس العدالة في البلاد.. ويتصدى لهذه المهمة خبراء وطنيون يمثلون كل الأطياف وينجزون المهمة في مدة محددة لا تتجاوز «6» أشهر.
ب / معالجة الوضع الاقتصادي المنهار بأدوات فاعلة ووسائل تنفيذية حديثة وعبر كفاءات علمية قادرة على إعادة بناء مصر تمهيدا لمرحلة الانتعاش الحقيقي بعد ذلك بالتعاون مع كل الشركاء في الإقليم وفي العالم.
ج / الإعداد لانتخابات رئاسية قادمة تتم بعد سنة من الآن.. وتقبل بها جميع الأطراف وتشارك فيها بفعالية.
3 / تشكيل مجلس استشاري أعلى تشارك فيه القوات المسلحة وعناصر وطنية مرموقة مهمته العمل مع رئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية وتنفيذ «خارطة المستقبل» التي وضعتها القوات المسلحة.. وضمان تحقيق التوافق ومشاركة جميع المصريين في بناء مصر في المرحلة القادمة.
الخيار الثاني: ويتمثل في:
1/ اعتذار الرئيس المصري محمد مرسي عن الاستمرار في السلطة إذعانا لإرادة الشعب.. وتخليه عن المسؤولية..
2 / تسلم مجلس إدارة المرحلة الانتقالية المكون من قيادات الجيش وبعض القيادات الأمنية والوطنية برئاسة الفريق «عبدالفتاح السيسي» لمقاليد السلطة فورا.
3 / إقالة الحكومة الحالية وتسمية رئيس وزراء جديد يجمع عليه الكل وتوضع أمامه الخطوط العريضة لخارطة المستقبل التي وضعتها القوات المسلحة.. على أن يتم تشكيل حكومة إنقاذ خلال مدة لا تتجاوز أسبوعا.. وتكون محدودة الحقائب.. تتفرع عنها فرق أزمات متخصصة لمعالجة أوضاع أجهزة الدولة.
4/ الإعلان عن برنامج زمني لإنجاز الدستور المعدل.. وإقامة المؤسسات الدستورية التي ستشرف على إقامة الانتخابات الرئاسية القادمة في موعد لا يتجاوز عاما.
5/ تأمين مصر عسكريا بفرض خطة طوارئ مؤقتة.
احتمالات ضئيلة للمواجهة
وسواء كان الاتفاق بين العسكر والرئاسة والمعارضة قد تم على الخيار الأول أو الثاني.. فإن القوات المسلحة فيما يبدو من لهجة البيان القوية والواضحة سوف تكون حاضرة في كلا المشهدين تحسبا لأي اعتراضات ولاسيما من قبل الإخوان المسلمون وأنصارهم.. وإن كنا نتوقع أن لا الإخوان المسلمون ولا المعارضة بكل أشكالها يمتلكون الشجاعة لمقاومة هذا التوجه.. فقد فرضه تعنت الطرفين.. ودفع إليه الخوف من إمكانية نشوب الحرب الأهلية وسقوط مئات الآلاف من الضحايا الذين أرادوا الحرية فدفع بهم توجه الطرفين المتشدد وغير المحسوب العواقب إلى الموت.
لا معارضة لاستلام الجيش للسلطة
ولذلك فإن الوضع لا يحتمل أن تشهد مصر أي مغامرات هوجاء للدخول في مواجهة مع الجيش.. بدعوى التعدى على الشرعية وتخطي النصوص الدستورية منها المادة «153» والتي تنص على أنه «عند خلو منصب رئيس الجمهورية للاستقالة أو الوفاة أو العجز الدائم عن العمل أو لاي سبب آخر، يعلن مجلس النواب خلو المنصب ويخطر المفوضية الوطنية للانتخابات ويباشر رئيس مجلس النواب مؤقتا سلطات رئيس الجمهورية» ، لأن جميع المؤسسات الدستورية قامت على أسس متنازع عليها وغير مقبولة من حيث المبدأ ولأن المرحلة لا تحتمل هذا التدرج في هرم السلطة.. ولأن الوضع بلغ حدا ينذر بخطر وقوع حرب أهلية لا يمكن لأحد أن يوقفها غير الجيش.
لكنه ورغم توفر قناعة غالبة على طول وعرض الساحة المصرية بقبول خيار العسكر.. إلا أن أسلوب إدارة البلاد في هذه المرحلة سوف لن تكون على نفس المنوال الذي أديرت به من قبل المجلس العسكري السابق.. لأننا نتوقع كما سبق أن أشرت أن يتشكل هذا المجلس بمشاركة عقول كبيرة ومهمة في مصر.. أو أن يقوم إلى جانب المجلس العسكري مجلس حكماء مصر.. ويتعاونان في تسيير أمور البلاد بذراعين.. ذراع مدنية دستورية مؤسساتية وذراع عسكرية قوية ومتنفذة وملتزمة ببرنامج زمني دقيق ومحكم.. وبخطوات واضحة ومحددة لا تدع مجالا لوقوع أي فراغ سياسي أو اختلالات قانونية مهددة للنظام العام.
مصر الغد
** هذه هي مصر الغد.
** وسوف تكون ملمحا جديدا.. لمستقبل تتم صياغته هذه المرة بوعي أكبر.. وحسابات أدق.. وبمشاركة الجميع.. وهو ما لم يتحقق في مرحلتي ما بعد مبارك بمثل هذه الدقة التي يفرضها على الجميع وزن مصر.. ومكانة مصر.. وحفظ أرواح شعب مصر.
وذلك وحده سوف يؤكد أن المصريين يضعون بلادهم فوق الأحزاب والمصالح الفئوية حين يمتثلون لخارطة المستقبل ويشاركون في تنفيذها.
وإذا حدث غير هذا.. ورفض الإخوان خروجهم من السلطة.. أو اعتراض آخرون على مبدأ تسلم العسكر لمقاليدها فإن الموقف سيدخل مرحلة جديدة من التعقيد.. لكن بيان القوات المسلحة يؤكد أنهم قد اتخذوا القرار الذي يحفظ مصر وأنهم لن يستجيبوا لأي طروحات أخرى بعد أن استحال الوصول إلى توافق وطني يضمن سلامة البلاد.. وحقن دماء المصريين..
وشيء أخير.. لا يجب تجاهله مطلقا، وهو ردود فعل واشنطن وموسكو «البارحة».. وتصريحات كبار المسؤولين فيهما.. وهي تنطوي على عدم قبول مبدئي بعودة العسكر وإن كانت الدلائل تشير إلى أن العسكر قاموا بجهد خارق خلال اليومين الماضيين للتواصل مع الداخل والخارج لتهيئة الأرضية الصلبة لهذا التغيير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.