الدكتورة هبة بنت عبداللطيف كردي أكاديمية وباحثة سعودية حاصلة على درجة الدكتوراه في هندسة الشبكات اللاسلكية والاتصالات أستاذ مساعد بقسم علوم الحاسب كلية علوم الحاسب والمعلومات وزميل مشارك لأكاديمية التعليم العالي البريطانية، ووكيلة خدمات التوظيف والأعمال الريادية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.. في حديث ل«عكاظ» ألقت فيه الضوء على الدافع لديها للاتجاه نحو التخصص في مجال يعتبر إلى حد ما نادرا ودقيقا بالنسبة للمرأة السعودية. وقالت في حوارها «إن تخصصي العام هو هندسة الشبكات اللاسلكية والاتصالات وتخصصي الدقيق هو هندسة الأنظمة الموزعة الجوالة الذكية في مجال الحوسبة الشبكية». مشيرة إلى أن ندرة المتخصصين في هذا المجال وأهميته وحداثته من أهم دوافع اختيارها لهذا التخصص.. فإلى تفاصيل الحوار: حدثينا عن اختراعك.. ما هي فكرته وكيف توصلت إليه؟. بحكم تخصصي في هندسة الشبكات والاتصالات كنت أبحث عن طريقة لدمج أجهزة الاتصالات مثل الهواتف الجوالة مع أجهزة الحوسبة مثل الكمبيوترات الشخصية، وبذلك لا يضطر المستخدم إلى التجول حاملا الاثنين بل يكتفي بحمل الهاتف الجوال، ومع ذلك، يستطيع القيام بجميع عمليات الحوسبة التي يحتاجها من خلاله وكأنه يتجول بحاسوب شخصي ظاهري عملاق غني بالموارد. ومن هنا وضعت تصاميم هيكلية جديدة لشبكات الحوسبة الشخصية واقترحت خوارزمية ملهمة بنحل العسل يتم من خلالها دمج جميع الموارد المتشابهة الموجودة ضمن الأجهزة الإلكترونية التي تخص المستخدم الواحد وتقديمها على شكل خدمة من خلال هاتفه الجوال. وتقدمت بهذه الفكرة إلى مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية المسجلة بالولايات المتحدةالأمريكية الذي أقر ولله الحمد منحي براءة اختراع عليها. ذكرت أن اختراعك يتضمن خوارزمية ملهمة بنحل العسل. وقد يبدو غريبا دور نحل العسل في مجال الحوسبة والاتصالات، فمن أين جاءت العلاقة؟. رغم أن الكثيرين يعتقدون ببعد مجال الحاسب عن علوم الطبيعة إلا أن الواقع غير ذلك فالطبيعة بإتقانها المتناهي الذي أوجدها البارئ سبحانه عليه هي الملهم الحقيقي للتقنية الحاسوبية، فالحاسوب ما هو إلا محاولة لمحاكاة العقل البشري، وكذلك الروبوت أو الإنسان الآلي هو محاولة لتقليد بعض الوظائف البشرية، وهناك العديد من الخوارزميات الحاسوبية التي أعطت نتائج مذهلة مثل الخوارزميات الجينية والخوارزميات الإدراكية والخوارزميات الملهمة بسلوك الحشرات مثل النمل ودود الأرض والعقارب وغير ذلك وجميعها مستوحاة من الطبيعة. وبالنسبة لي فقد كان لاختيار فكرة نحل العسل قصة لا تخلو من طرافة. كنت قد انتهيت من رسم التصاميم الهيكلية للنظام الحاسوبي الذي اقترحته لتجميع الموارد الموجودة ضمن أجهزة المستخدم الواحد لكن بقيت لي مشكلة كتابة خوارزمية لجدولة هذه الموارد بحيث نحصل على أفضل أداء للنظام. في ذلك الوقت كنت أسكن بمنزل له حديقة خلفية جميلة بها العديد من الورود والأشجار المثمرة. واستيقظت ذات يوم على صراخ أليم من طفلي الصغير وقد تورمت إحدى عينيه، وبفحص الطبيب تبين أن هناك إبرة نحل عالقة في جفنه فقد قرصته أثناء نومه. فهرعنا إلى الحديقة لنجد النحل قد بنى خليته فوق نافذة الصغير. بدأت إحدى شركات مقاومة الحشرات في نقل الخلية وكنت أتأمل العملية باهتمام. وبدلا من أن تمتلئ نفسي حقدا على النحلة التي آذت صغيري وجدتني مأسورة بالتنظيم الرائع والتناغم البديع بين النحل، واستوقفني التعبير ب«أوحى ربك إلى النحل» إذن فالنحل ملهم من الله في تصرفاته ومن هنا جاء هذا الإتقان في التنسيق. وبدأت في قراءة أحد أشهر الكتب عن حياة النحل (The Wisdom of the Hive) أي حكمة خلية النحل وهو كتاب رائع عن حياة النحل وعلى أساسه كتبت خوارزمية مجدول الموارد التي اقترحتها. والتي أعطت نتائج مشجعة جدا ولله الحمد. ما هي المعوقات والتحديات التي تواجه المرأة الباحثة؟. من فضل الله سبحانه أن كثيرا من جامعاتنا السعودية تشهد في الوقت الراهن نقلة نوعية فيما يتعلق بالبنية التحتية للبحث العلمي وكذلك في الإجراءات والضوابط المنظمة له والجهات الداعمة والممولة للمشاريع البحثية وهذه العوامل تساهم بلا شك بشكل إيجابي في تذليل العديد من المعوقات التي تعترض الباحثين من الذكور والإناث بوجه عام، ولكن يبقى على عاتق المرأة الباحثة مواجهة تحديات إضافية في المواءمة بين مسؤولياتها المختلفة وترتيب أولوياتها. تجولتِ في العديد من الجامعات العريقة ببريطانيا، واطلعتِ على عدد من البحوث والبيئات العلمية المميزة.. ما هي الاختلافات والفوارق التي يواجهها الباحث بين المملكة والدول الأخرى؟. أهم ميزة بهرتني وعايشتها في الجامعات البريطانية وأتطلع إلى وجودها في جامعاتنا السعودية والخليجية هي أن الجامعات هناك تعمل من خلال منظومة رائعة في التناغم مع الجامعات الأخرى والمراكز البحثية والجهات الصناعية ليس على مستوى بريطانيا وحدها بل على مستوى الاتحاد الأوروبي كله نحو تحقيق رؤى مستقبلية موحدة تضمن تفوق الاتحاد في مجالات صناعية واقتصادية محددة تم رسمها مسبقا من خلال استراتيجيات واضحة وواقعية. أيضا أعجبني الإنفاق السخي على البحث العلمي والباحثين والمعامل وأدوات البحث. وأعجبني مستوى الاحترام للباحثين بغض النظر عن أعراقهم وألوانهم وثقافاتهم. أعجبني أن الجامعات هناك ليست لمجرد حضور المحاضرات، والتواجد بها ليس مقصورا على أوقات دوام محددة بل هي أشبه ما تكون بغرف العمليات مشغولة على مدار اليوم ومدار العام ومكتباتها ومعاملها لا تغلق أبوابها أبدا في وجه الباحثين. أعجبني وضوح الإجراءات والمعايير والالتزام بها وتطبيقها على الجميع. هبة الكردي عضو هيئة التدريس.. هل هي راضية عن البيئة البحثية لطالباتها في جامعاتنا؟ من الإنصاف أن نقول إن البيئة البحثية المتوفرة حاليا بكثير من جامعاتنا للطالبات لا تقارن بالبيئات الموجودة في الجامعات العالمية ولا بالبيئات المتوفرة لإخوانهم الطلاب بالجامعات السعودية ولكن كما أشرت سابقا أن البنى التحتية للبحث العلمي بشكل عام تشهد نقلة نوعية في جامعاتنا السعودية وأتطلع من خلال ذلك إلى توفير فرص أفضل للطالبات بإنشاء معامل بحثية متخصصة وحدائق للعلوم وحاضنات للتقنية بمراكز دراسة الطالبات. هل ترى هبة الكردي أن الباحثة السعودية قادرة على منافسة زميلها الرجل وإثبات ذاتها.. وهل تتوفر لهما الإمكانات والحرية البحثية المناسبة؟. أنا مؤمنة بقدرات المرأة السعودية على الإنجاز وأهليتها للمنافسة عالميا في كثير من المجالات، والبحث العلمي هو واحد فقط من هذه المجالات، وعدم توفر بعض الإمكانات لا أراه عائقا حقيقيا بل تحديا ومحفزا للبحث عن البدائل والحلول الأخرى. أما عن منافسة الباحثة السعودية لزميلها الرجل لإثبات ذاتها فأنا لا أعتبر أن العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة هي علاقة تنافسية بل هي علاقة تكاملية والصراع بين الرجل والمرأة لإثبات الذات هو ظاهرة مرضية لا ينبغي لنا أن نقرها في مجتمعنا أو نسمح بتناميها فكما قال الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه «إنما النساء شقائق الرجال». وتأتي توجيهات خادم الحرمين الشريفين حفظه الله مؤكدة على ذلك رافضة تهميش دور المرأة السعودية أو تحجيمه.