طرح الدكتور صالح بن سعد اللحيدان المستشار القضائي الخاص وعضو الجمعية الدولية للطب النفسي، رأيه حول ما طرحته الصحافة حول قبور بعض الصحابة بجوار مسجد عبدالله بن عباس بالطائف ، موضحا أنه قول مزعوم ، وقال فضليته حول ذلك : تطرقت «عكاظ» المتجددة كعادتها، ولا سيما يومي 14 و15/7/1434ه، تطرقت إلى مسائل ذات بال جيد فيما يهم العلم ودور الثقافة في حياة المرء، وطرح «عكاظ» يوحي ببروز اتجاه حميد صوب الشعور بالمسؤولية فيما يخص مسائل هي من أهم المسائل التي يحسن طرحها وتناولها بين حين وحين. كنت أزمع إلى وقت قريب أن أضع قواعد تتجه إليها محطات طلاب العلم ومن يهتم بمسائل النقد وتحرير أدوات الثقافة، لكن لفتت «عكاظ» في طرحها يومي 14 و15 رجب إلى أشياء ذات بال، رأيت من خلال ذلك أن أبين هنا قواعد سار عليها كبار العلماء عبر العصور، ولا سيما والحال اليوم داعية إلى مثل هذا من وجه واسع وكبير، وهذه القواعد كنت أرى أنه لا بد منها أدركتها جيدا من خلال قراءاتي لتراجم مثل: القرافي وابن دقيق العيد والسيوطي والسنحاوي وابن قتيبة وابن جني والمرد، وكذا ما نظرته في تراجم الرمهرمزي والبخاري ومسلم وإسحاق بن رهواية وخليفة بن خياط وموسى بن عقبة، فإنني من خلال تدبري وملازمتي لمثل هؤلاء الكبار (رواية ودراية) استنتجت كيف اتجهوا صوب التجديد وملامسة العقول الحرة المدركة؟، استنتجت هذا كله ومثله معه من خلال ما دونه ابن حجر والنواوي والسرخسي وابن قدامة. وكنت في مكة والمدينة والطائف والقصيم، وكذا في مصر والأردن، ألزم طلابي بضرورة الأخذ بقواعد ذات مسار حيوي تظهر لهم من بين ثنايا حياة هؤلاء وأضرابهم على مدار القرون، وقد استفاد كثير من العلماء والمحققين والباحثين سيرهم ومن آرائهم مع جديد كان لا أن يكون.ض والطلاب والمثقفون ومن يزاول الكتابة وأسس النقد، أقول: وطلاب العلم وسواهم، هم أحوج ما يكون إلى قوة العقل المدرك وسعة الصدر ووفرة العلم وجودة القريحة وحسن الخلق مع شدة فهم «الصحيح والرواية والدراية». ولعل نقطة واحدة، واحدة فقط، تدل على العجلة وسرعة البت فيما يجب التثبت منه بصدق وصحة السند دون مجرد النقل، وذلكم ما كتب عن «قبور بعض الصحابة» خلق جامع ابن عباس بمدينة الطائف، فقد قرر الكاتب وأثبت جدا أن الأمر كذلك ونقل من ابن اسحاق وغيره دون تحرير للسند ودراسة علمية موثقة بصحة ما جاء هناك. ومن المعلوم أن ابن إسحاق إمام جليل ومؤرخ جيد، لكنه رحمه الله تعالى «مدلس»، والتدليس جرح كبير في الرواي، وكذا ما قد يورده هذا، وقد كان الأولى تبيين حال صحة وكذب أو ضعف هذه الرواية عن «قبور بعض الصحابة» إذا علمنا يقينا أن جامع ابن عباس كان بعد عصر الصحابة بقرون. ومثال آخر يورده بعض الناس مشافهة وبتردد «قبر آمنة» أم النبي صلى الله عليه وسلم فإن بعضهم يقول هو في الأبواء، لكن دون ناهض من سند قائم ومتصل فقط نقولات مكررة. ومسألة «القبر» المزعوم هذا قد أبطله ابن مسعود الصحابي الجليل، كما هو عند الإمام الطبراني. فمن هاتين الحالتين وغيرهما كثير وكثير، أذكر ما يلي لعله يكون ذا نفع وخير للعلماء والمحققين وسواهم ممن يكتب في الآثار وحقائق العلم وما من شأنه تحقيق مناط الحالات التي لا بد من تحقيقها. أولا: ترك مجرد النقل إلا ما كان التعويل فيه سند صحيح ليس فيه علة أبدا، وذلك بدراسة (أحوال الرواة)، وهذا فيه صعوبة وهو سبب الطرح العجول والتحقيق العجول، وإلا فإن تراجم الرواة مدونة بكثرة. ثانيا: عدم القطع بشيء ما إذا كان الباحث أو العالم أو المحقق غير ملم ب«الجرح والتعديل»، وكذا «أحوال الرواة بسعة بال». ثالثا: التنبه إلى أمانة الكلمة وصواب النقل من الأصول المعتبرة بسند صالح قوي. رابعا: مراجعة ما سوف يكتب أو سوف ينشر، مراجعته جيدا، وسؤال أهل العلم والحفظة الذين يعرفون الآثار صحيحها من ضعيفها من باطلها، وهذه الحال دالة على رجاحة العقل وقوة المسلك، ودالة هي الأخرى على صدق التوجه بواسع من نظر مكين. خامسا: دراسة ظرف المكان وظرف الزمان، وهذان أمران مدونان في كتب الحديث المشهورة، وإنما كتب التاريخ تنقل ليس إلا، وهذه مسألة حررها الترمذي في «العلل» الكبرى، وحررها كذلك ابن سعد في «الطبقات»، وبين بعضا منها الرافعي في «وحي القلم»، وكذا في «تاريخ الأدب العربي».