تشير الإحصاءات إلى أن ثلث رواتب السعوديين على الأقل تلتهمها الإيجارات، وبات الحديث عن تملك المواطن لمسكن مناسب حلما يصعب تحقيقه إلا لمن زادت رواتبهم على 15 ألف ريال، وذلك لارتفاع أسعار الأراضي وتكاليف البناء والتشطيب. وأصبح مارس من عام 2011 نقطة تحول في حل أزمة الإسكان بصدور قرارات خادم الحرمين الشريفين بإنشاء وزارة للإسكان، ورفع قرض الصندوق العقاري إلى 500 ألف ريال وتخصيص 250 مليار ريال لإنشاء 500 ألف وحدة سكنية. وعلى الرغم من استبشار الغالبية بهذه القرارات إلا أن البعض يرى أن التحرك بطيء في وزارة الإسكان، الأمر الذي صعب استشراف حلول قريبة للمشكلة المؤرقة لغالبية الأسر السعودية التي يرتفع معدل المواليد بها سنويا إلى قرابة 4% وهو معدل عالمي عال، فضلا عن أن 50% من السعوديين في عمر الشباب. ويتطلع خبراء الاقتصاد إلى تنفيذ مشروع الوحدات السكنية الذي أمر به خادم الحرمين خلال 5-6 سنوات في ظل احتياجات تقريبية سنويا تصل إلى 150 الف وحدة سكنية. عبدالله ناصر الغامدي ذكر أن المكاتب العقارية لديها عروض أراض وشقق كثيرة، لكن ثباتهم وتمسكهم بأسعار محددة يشعر المواطن بوجود أزمة. وأضاف: بات واضحا في السوق أن المالك لديه استعداد لعدم التأجير للسعوديين حتى لو سأل واستفسر عن أوضاعهم المالية وهو ما يثير غصة في النفس. ويرى الاقتصادي منصور السالمي أن أزمة الإسكان تتجلى بوضوح في عدة جوانب، أبرزها صعوبة الحصول على شقة خالية في أي حي، وإذا تم ذلك فإن السعر يراوح بين 25 ألفا ريال لثلاث غرف و28 ألفا للشقة ذات الأربع غرف. وفي ما يتعلق بالأراضي فإن ثمنها بات مرتفعا نتيجة المضاربات المستمرة بين المطورين والعقاريين، والمواطن البسيط هو الضحية. السالمي أفصح عن السر وراء كثرة بيع قطعة الأرض الواحدة بين أكثر من شخص دون إحداث اي تطوير عليها، مبررا ذلك لرغبة الأطراف رفع السعر وهميا ونصح الأهالي بعدم الانسياق خلف تلك الممارسات والانخداع بها، والاهتمام بتقييم الأرض بصورة عادلة قبل الشراء، مشيرا إلى أن احتكار قطع أراض كبيرة وحرص مالكها على تعطيش السوق هو أحد أسباب ارتفاع أسعار الأراضي. ورأى السالمي أن الارتفاعات الأخيرة في الإيجارات مبالغ فيها، داعيا في هذا السياق إلى ضرورة وضع تنظيم خاص لضبط ارتفاعات الإيجار سنويا حفاظا على الاستقرار الاجتماعي للمواطن. وأشار إلى أن الإيجار يجب أن يرتبط بالموقع وعمر المبنى وتوفر الخدمات، منتقدا بشدة مزاجية بعض الملاك ورفع الإيجار 5-6 آلاف ريال دفعة واحدة سنويا. ورأى أن النسبة المقترحة للزيادة لا ينبغي أن تزيد على 5% فقط وفقا لضوابط محددة ومدروسة. أخطاء تراكمية العقاري فواز القحطأني يرى أن أزمة الإسكان الراهنة جاءت نتاج الأخطاء التراكمية الكثيرة طوال السنوات السابقة، وفي صدارتها توزيع المنح دون أي خدمات، وغياب الجهة المرجعية لها، مع فوضى الإيجارات. ودعا القحطاني إلى ضرورة التصدي إلى المضاربات الصورية التي رفعت أسعار الأراضي دون استناد إلى المنطق أو الواقع. وطالب في الوقت نفسه بضرورة تكوين هيئة للقطاع العقاري تتولى الجوانب التنظيمية في السوق الذي يبلغ حجمه أكثر من تريليون ريال سنويا، حيث شهد السوق خلافات كبيرة وصلت إلى درجة حادة بين الملاك والمستأجرين. وانتقد القحطاني غياب المعلومات والشفافية في السوق حاليا مع تراجع أداء الشركات المطورة التي كان ينبغى أن يتم تكليفها بالبناء في المخططات السكنية بعد إيصال المرافق لها مقابل نسبة من الأرض، لكن يبدو أن المشروع يواجه حالة من التعثر حاليا لغياب المتابعة. في الأثناء، كشف عدد من أصحاب المكاتب العقارية عن ارتفاع حمى المضاربات في المخططات الواقعة في الجهة الشمالية لمحافظة جدة، حيث ارتفع سعر القطعة في مخطط درة العروس إلى 250 ألف ريال، حيث تصل إلى 280 ألف ريال للقطعة بمساحة 900م. وأرجع المتعاملون بدر الثقفي، عبدالقادر البار، ويوسف متبولي أسباب الارتفاع إلى قرب الانتهاء من مشروع الإسكان الواقع بالقرب من المخططات، وكذلك مشروع الملعب الرياضي الذي من المتوقع الانتهاء منه في غضون أشهر قليلة مقبلة، بالإضافة إلى وصول المعدات والبدء في حفر وإقامة أبراج في المنطقة الفاصلة بين المخططات الجديدة والقديمة. في انتظار القروض وطبقا لأصحاب مكاتب عقارية في ذهبان، فإن أراضي الصكوك الإلكترونية الطلب عليها أكثر من الصكوك المكتوبة بخط اليد، لاضطرار أصحابها الذهاب إلى مراجعة المكاتب الهندسية للحصول على خرائط جوية تثبت عدم وجود تعديات على الأرض. وأفاد أصحاب مكاتب عقارية في جنوبجدة أن أسعار الأراضي بدأت تخضع لمعايير معينة ولعل منها موقع الأرض وعرض الشارع، مشيرين إلى أن من يتحكم في عملية البيع هو المشتري اكثر من البائع، إذ يراوح سعر الأرض مساحة 600م2 في أحياء الأجاويد والوزيرية ما بين 1500 إلى 2000 ريال للمتر، ويبلغ سعر المتر في مخططات الحمدانية والماجد والصالحية ما بين 2000 إلى 2500 ريال، واستبعد المتعاملون أن تشهد الأسعار تراجعا في الفترة المقبلة خصوصا أن الخدمات بدأت تدخل إلى الأحياء ومنها خدمة الصرف الصحي الذي يعتبر من أبرز العوامل التي ترفع الإيجار، وكذلك إيصال المياه، ولكنهم لم يستبعدوا أن يشهد السوق ركودا بسبب عدم استقرار أسعار الأسمنت، وتوقعوا أن يشهد السوق تحركا ملموسا في حال أعلن صندوق التنمية العقارية عن صرف دفعة جديدة من القروض.