صدرت الثورات العربية صورة الدم والقتل عبر الشاشة، ليكون طاغيا على الذهنية العربية أينما كان، وحل التأثير الأعظم على الأطفال ليلقي بظلاله على تفكيرهم ونفسيتهم، لتكون مشاهد العنف والمجازر النفسية الصورة الأكثر نفوذا على ذهنيتهم. وتعاني الأمهات من تداعيات هذا التأثير على أطفالهن، إذ تقول أم ريان: انتشرت مقاطع القتل الوحشية في مقاطع عن طريق البلاك بيري أو الواتس أب والتي لها تأثير علينا كبير فما بالكم بطفل يصبح نومه قلقا، فابني بعد انتشار هذه المقاطع لم يهنأ له نومه بحيث يكابر بأنه يستطيع مشاهدتها مع أبناء عمومته وما أن يرجع البيت حتى يتذكر المشاهد ويخاف ويبكي ويصبح نومه قلقا غير مستقر. أم حامد تقول: إن انتشار صور القتل في الثورات العربية وبالذات السورية أثر في الشارع العربي كله ولكن هذه المشاهد لا تصلح أن يشاهدها الأطفال بحيث خلف هذا الأمر حالتين للأطفال إما شخصية عنيفة يكسر ويضرب ويقلد ما يدور فيها وإما شخصية مهزوزة قلقة قد تقع في التبول اللا إرادي في الفراش كما حدث مع ابني حامد. أم مصعب تقول: نشر مثل هذه المقاطع وعرضها في التليفزيون في برامج ليست إخبارية من شأنها تدمير شخصية الأطفال المستقبلية. وتقول: إن الثورات العربية أثرت في أبنائي الثلاثة تأثيرا كبيرا فأصبح أبنائي يهجسون في خوفهم من الحروب وأصبحوا يعيشون حياة غير مستقرة. ومن جهتها تشير الدكتورة حنان عطا الله أستاذ مساعد علم نفس إرشادي بقسم علم النفس بجامعة الملك سعود إلى أن التليفزيون يبث البرامج التليفزيونة ومقاطع الفيديو والصور التي تتسم بالعدوان والعنف ولكل ذلك أثر بالغ لاينكر على نفسية وسلوك الطفل فمن الناحية النفسية قد يتسبب ذلك في شعور الطفل بالخوف ومعاناته من الكوابيس والأحلام المزعجة، ماعدا بالطبع تعلمه للعدوان.. فلقد أجرى أحد علماء النفس تجربة عرض فيها فيلما فيه مشاهد للعدوان على بعض الأطفال وبعد انتهاء الفيلم وجد أن سلوك الأطفال اتسم بالعدوان. وذكرت الدكتورة بالنسبة لتأثير الثورات العربية على الطفل.. فإن تأثير ذلك أكيد على الطفل الذي دخل في حيرة مما يجري حوله وأي منظر للحرب أو المظاهرات يزعزع عالم الطفل الذي لابد أن يكون آمنا، فمن أهم حاجات الطفل بالذات في مرحلة الطفولة هو شعوره بالأمن، لذلك فمنظر الثورات ووجوه الناس الغاضبة الثائرة وارتفاع أصواتهم قد تؤثر على نفسية الطفل وقد تربي عنده بعض المخاوف والحيرة والتساؤلات التي قد تدور في ذهنه ولايجد لها إجابة. وفي حالة مشاهدة الطفل لهذه المناظر فإن على الأسرة ما يلي : أولا: أن توضح له مايدور بطريقة مبسطة وأن بعض الناس قد يغضبون ويصرخون إذا ما أرادوا الحصول على حاجاتهم. ثانيا: الإجابة على أسئلة الطفل بكل وضوح وصراحة وعدم إهمالها. ثالثا: تطمين الطفل بأن ما يحدث أمر مؤقت وسيزول وأنه لن يمس حياته بسوء. مع الاهتمام بلمس الطفل وحضنه حتى يشعر بالحب والأمن النفسي والثقة في البيئة التي يعيش فيها. ويقول المستشار الاجتماعي بمجمع الأمل الطبي عبد الرحمن الدخيل: إن الآثار السلبية التي تخلفها مشاهدة الحروب والثورات تصبح من تكوينات شخصية الطفل في المراحل المتقدمة من عمره حيث إن شخصية الإنسان تبدأ في التبلور من البدايات الأولى لعمر الطفل وحتى بداية سن الرشد الذي يلي مرحلة البلوغ فإذا كان هناك تدعيم للسلوكيات العدوانية والاندافعية والطابع الهجومي الحركي بسبب مشاهدة العنف والدماء فقد يخرج لنا جيل أقرب ما يكون لمجتمع الغاب القوي فيه يأكل الضعيف. ويقول المستشار النفسي بمركز (واعي) للاستشارات الاجتماعية منصور بن إبراهيم الجار الله: إن للثورات العربية ومشاهد القتل الشنيع والعنف المرعب آثارا سلبية ومتعددة على الطفل من ضمنها إما يكون لدينا طفل مضطرب نفسيا ويعاني من الخوف والقلق بسبب مشاهدة العنف مما يسبب له العزلة والانطواء وعدم التكيف مع المجتمع الذي حوله وإما يكون لدينا طفل عدواني لا يحترم ولا يقدر معايير المجتمع الذي يعيش فيه، إضافة إلى انخفاض التحصيل الدراسي وضعف التركيز والانتباه لدى الطفل وفي كل الحالات قد تكون النتائج سلبية على الطفل والأسرة والمجتمع، ويمكن الأسرة لأجل تفادي هذه الإشكالات أن تقوم بالتالي : مشاركة الطفل على النقد الذاتي، عدم مشاهدة الأهل برامج العنف وخاصة أمام الأطفال لأنه يعتبرهم قدوة. ويقول الدكتور خالد بن عبدالله السبيت المستشار الأسري بمركز (واعي) للاستشارات الاجتماعية وأستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الملك خالد العسكرية: إن الدراسات الاجتماعية لها أهمية بالغة في تطور المجتمعات الإنسانية من خلال التركيز على مواطن الخلل بقصد المعالجة أو جوانب الإثراء والارتقاء بقصد التعزيز، وإن مما يؤسف له أن غالب الدراسات الاجتماعية هي نتاج فكر خارج نطاق مجتمعاتنا العربية وبالتالي فإن نتائجها ستكون ذات تأثير أقل بحسب الفارق المجتمعي بين بيئة الدراسة وبيئتنا المحلية. ولذلك فأنا أؤيد أن تقام دراسات خاصة بمجتمعاتنا العربية بما تضمنته من مؤثرات ومتغيرات بقصد الوصول إلى النتائج والتوصيات المتوافقة مع النمط المعيشي للأسرة العربية بشكل عام، والخليجية والسعودية بشكل خاص.. ومع ذلك فإن التأثير الإعلامي حاصل على الفرد والأسرة مما اتفقت عليه الدراسات المختلفة (الإعلامية النفسية الاجتماعية) وغيرها.. ومن هنا يجب أن نعيد النظر في المحتوى الإعلامي المقدم للأسرة وتنظيم بثها من حيث جدولة البرامج على نحو يتوافق مع الفئة العمرية للشريحة المتلقية لاسيما مع تكاثر عدد ساعات المتابعة من قبل الأطفال خصوصا وهم أشد الفئات العمرية تأثرا بما يشاهدون، أو حتى من قبل الكبار من فئة الشباب الذين لم ينضجوا بعد ولم يستقلوا بفكرهم، وهم لايزالون في مرحلة التأثر بما يشاهدون.. إن المحتوى العربي في مجمله يتضمن عنفا أسريا من خلال المواد التي تم إنتاجها خليجيا وعربيا، كما احتوت على قدر عال من الرومانسية الزائفة إن صح التعبير والتي لا تقوم على واقعية يصح تقديمها للمجتمع، ناهيك عن السلوكيات الأخرى التي لا تخلو من وجهات نظر نقدية، كل ذلك أثر على المتلقي العربي وخصوصا فئة الشباب ومن هم دونهم من الأطفال فأضحوا متأثرين بشكل لافت بما يتابعونه على سلوكياتهم ومظهرهم، فالكل أصبح يعرف نور ولميس، والكل أصبح يهتم بالعبارات الرومانسية الخالية من العاطفة الصادقة فوضعوا تلك العبارات في جوالاتهم وتواقيع إيميلاتهم، ولكن بيوتهم مليئة بالانفكاك بل واستخدام وسائل العنف المتنوعة في حل المواقف الإشكالية التي تمر بهم.. لا أقول إن كل ذلك بسبب الإعلام وحده، ولكن من دون شك كان الإعلام وما ينتجه من مخرجات كان أحد أبرز العوامل المؤثرة فيما نشاهده من سلوكيات سلبية، لاسيما مع نسب المشاهدة العالية التي وصلت في الكثير من الأحوال إلى مستوى الإدمان عليها فتطلب الأمر معالجة سلوكية بحد ذاتها.