مع قرب الإجازة الصيفية من كل عام، تطل قضية سهر الشباب برأسها من جديد، حيث يفترش أفراد هذه الفئة أرصفة الشوارع إلى وقت متأخر من الليل، وترتفع ضحكاتهم وهي تشق سكون الليل، كما ترتفع أصوات مشاجراتهم وعراكهم إلى الأسماع، مما يتسبب في إزعاج السكان والمارة، وبات كثيرون يخشون على أبنائهم إذا غادروا المنزل إلى الشارع لأي سبب، حتى لا يحتكوا بهؤلاء الشباب. «عكاظ» تغوص عميقا في أسباب الظاهرة ، كما تحاول من خلال هذا الاستطلاع معرفة موقف الآباء من جلوس أبنائهم وتأخرهم خارج المنازل إلى أوقات متأخرة قد تصل حتى الساعات الأولى من الصباح، إلى جانب رأي المربين والمعنيين، وموقف الجهات الأمنية ونظرتها لهذا الأمر.. فدعونا نفتح هذا الملف ونحاور بعض المختصين والشباب الذين أدمنوا الجلوس على الطرقات، لمعرفة الآراء والتباينات من خلال هذا التحقيق: بداية أوضح الأخصائي الاجتماعي عايض الأسمري، أن النصح والتوجيه هو أفضل الوسائل لعلاج الظاهرة، وقال: «على الأسر والمؤسسات التربوية أن تقوم بتوعية الشباب بخطورة الجلوس في الشوارع إلى أوقات متأخرة من الليل، وكذلك لابد أن نوجد البديل المناسب عبر توفير أماكن للترفية والتسلية مزودة بكل ما يحتاجه الشباب، مع توجيههم للابتعاد عن رفقاء السوء عن طريق التوعية بخطرهم سواء عليهم أو على المجتمع».وأكد الأسمري، الأضرار المختلفة على الشباب من الجلوس إلى أوقات متأخرة من الليل بالقول: «السهر ليلا يؤثر على صحة الشباب لأن قلة النوم تسبب أمراضا جسدية وتؤدي إلى قلة التفكير والتركيز ومن ثم الاضطراب النفسي». ويضيف: «الجلوس في الشارع يؤدي إلى نشوء كثير من المشكلات والمشاجرات بين الشباب وبعض المارة، وشهدنا في هذا الإطار كثيرا من حالات القتل أو الإصابة بجروح بالغة وذلك نتيجة اعتداء هؤلاء الشباب على المارة، ولا ننسى بعض المشكلات الاجتماعية الناتجة عن هذه الممارسات والتي تؤكد سوء علاقة الشباب مع أفراد المجتمع».من جانبه، يقول محمد سعيد زارع الداعية والخطيب، إن سهر الشباب في الطرقات والأماكن العامة ظاهرة آخذة في الازدياد، ويضيف: «تجد في أغلب الأحياء زاويا يجتمع فيها شلة من الشباب الذين يضيعون معظم أوقاتهم، متناسين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ»، فأغلب من يسهر في الليل يضيع صلاة الفجر وإن سهر حتى أدى صلاة الفجر فإنه حتما سيضيع صلاة الظهر والعصر أو إحداهما، وذلك للإرهاق الشديد الذي يعتريه»، ويضيف: «نوم الليل فيه بركة وراحة للجسم كما قال تعالى: (وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا) وسهر جزء من الليل مكروه، حيث كان عليه الصلاة والسلام لا يحب الحديث بعد صلاة العشاء فكيف بالسهر إلى أذان الفجر». ويمضي زارع قائلا: «المسؤولية هنا تقع على الوالدين في تربية أبنائهم على النوم مبكرا منذ الصغر بتعويدهم على هذا الأمر وليس في الكبر بعد أن يصبح الشاب قادرا على تحمل جزء من أمور حياته ومتاعبها، وهناك نقطة ثانية لا تقل أهمية عن الأولى وهي أن معظم من يطيلون السهر في الليالي يكونون آثمين لأنهم يتسببون في أذية جيرانهم». وأضاف: «نصيحتي للجميع أن يضعوا حدا لتصرفات هؤلاء الشباب وذلك بمنعهم من الجلوس تحت أماكن سكنهم أو المرور بهم مرور الكرام دون نصحهم وإرشادهم وكما قيل: «الساكت عن الحق شيطان أخرس»، فعلينا كمسلمين أن نخاف الله في جيراننا وفي كبار السن الذي يقطنون بجوارنا حيث إن سهر بعضنا يكون مضرة للغير وعرضة للأذية والتعب، فلو أن أحد كبار السن مد يديه إلى السماء وسأل الله أن ينتقم من هذا الشاب الذي أزعجه ليلا أو أرق نومه فماذا يريد هذا الشاب من خير؟». من جانبه، وجه الشيخ علي مانع المحيا «ولي أمر» نصيحة للشباب قائلا: «أوصيكم بترك قرناء السوء والابتعاد عنهم، ذلك أن لهم الأثر الكبير على سلوكيات الفرد وتفكيره، فالشاب يتأثر بمجتمعه الذي يعيش فيه ويتوافق تفكيره معه وينسجم مع تصرفاته فيصبح هذا الشاب منقادا خلف ما يقترفونه من سلوك وممارسات سواء كانت هذه الممارسات إيجابية أو سلبية. وكما قال عليه الصلاة والسلام: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل». وختم المحيا بالقول: «أنصح أبنائي الشباب بإبعاد أنفسهم عن الشبهات، فهذه التصرفات تسيء لهم ولجيرانهم والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بإكرام الجار، فعلينا أن نحترم الناس ونرجع للفضيلة لأن أذية الجار ومضايقته بها إثم كبير».وفي المقابل هذه آراء الشباب الجهة المعنية بالظاهرة، كيف يرون المشكلة من وجهة نظرهم.. فدعونا نتعرف على آرائهم كما جاءت على لسانهم وكيف يدافعون عن أنفسهم: بداية قال الشاب محمد سعيد: «نشعر بالفراغ الكبير بعد انتهاء فترة الاختبارات مباشرة، وليس لدينا ما نفعله فالشمس في الصباح محرقة وأغلبنا يقضي نهاره نائما وفي الليل نسهر حتى ساعات الفجر الأولى حيث يكون الجو هادئا.. ليس لدينا ما نفعله، ولا أدري أين المشكلة في السهر؟».بدوره، يقول الشاب أيمن عسيري: «في أغلب أوقات السنة أكون خارج المملكة بسبب الارتباط بالدراسة، ولكن إذا عدت فإنني لا أجد أفضل من الجلوس مع الأصدقاء، خاصة في أماكن تجمعاتهم، وهي دوما ما تكون في إحدى الحواري المكتظة بالسكان أو في المقاهي المفتوحة على مدار الساعة». من جانبه، بين سعود أنه اعتاد السهر حتى الثانية فجرا سواء في أيام الدراسة أو الإجازة، وقال: «هناك أوقات أسهر فيها حتى صلاة الفجر، حيث تتخلل هذا الجلسات أحيانا جلسات السمر والاستماع للأغاني الجماعية لكسر روتين الملل الذي يلازمنا يوميا».