لا يخطر في بال أي كائن أن تشتكي مدينة ساحلية كجدة من أزمة مياه، لأنها مدينة بحرية، وبها محطة تحلية تعد من أضخم المحطات في الشرق الأوسط، ولا إذن ما هو الخلل وأين المشكلة في نقص المياه في جدة، وكيف أصبحت الأحياء الشمالية مهددة بالعطش مثلها مثل الأحياء الجنوبية والشرقية والغربية ينقصها شيء. خلية نحل وصراخ وملاسنات وحتى مشادات في أشياب الفيصلية بحثا عن رقم، أو وايت يروي عطش أهالي جدة، والوقوف تحت الشمس ووسط حرارة الطقس، بحثا عن صهريج كامل كي يشعرك بالبرودة، ويذهب عنك آثار الجهد المبذول للحصول على صهريج. اعتاد الأهالي الذهاب إلى الأشياب كل يوم، ومن غاب فإنه يغيب ليومين ثم يعود للانتظار وأمنية الحصول على صهريج تملؤه، حيث يعلو صراخ صغار البيت لأنهم أخيرا سيتخلصون مما علق من أجسادهم من رمال اللعب الطفولي. وأصبح المشهد الغريب والواقعي في جدة، أن يلجأ الكبار إلى المساجد للوضوء، فيما الشباب يتقاسمون العبوات في منازل من نعموا بحظ توفر المياه، ليبقى السؤال: هل نحن في منطقة ساحلية فعلا؟ مشكلة المياه تضاف لعدة مشاكل في جدة، البعض منها تمت معالجته بحلول عاجلة ولا تعود، وإن عادت فإنها تكون بشكل طفيف، أما مشكلة المياه فهي منذ القدم رغم أنها المعاناة الأهم عند الأهالي، ولولا توفر الصهاريج لحفظ المياه في اليوم الأبيض، لانتظر الأهالي الأمطار لتسقيهم وأنعامهم وتوفر احتياجاتهم في اليوم الأسود. والملفت للنظر في مشهد الأشياب بجدة على مدار اليومين الماضيين أنه رغم شدة الحر وقلة الحيلة لجأت النساء إلى الأشياب بحثا عن صهريج، يزاحمن فيه الرجال، ويرفعن أصواتهن ويركضن خلف عمالة الصهاريج والمسؤولين، طلبا لصهريج، ليدور السؤال أمام إدارة المياه في جدة هل الوضع طبيعي؟ يقول عمر . م: أصل إلى الأشياب كل يوم طالبا صهريجا لتعبئة خزان منزلي بعدما انقطعت عنه المياه لأسابيع رغم أن أسرتي مكونة من الكثير من الأبناء، وفي إجازة الأسبوع تأتي بناتي المتزوجات ومعهن أبناؤهن وبناتهن للاستمتاع بإجازة نهاية الأسبوع وسط الأسرة، ولكن أين الاستمتاع والمياه غير متوفرة ما يضطرني لشرائها بأسعار مرتفعة من المراكز التجارية، أما إذا حالفني الحظ وحصلت على صهريج فهذا بعينه يوم عيد، إذ أدخل منزلي فرحا لأبشر أم العيال بأن تجهز نفسها لتطبخ لنا ما لذ وطاب، وفي حينها يصطف الصغار حول دورة المياه للاستحمام. وأضاف عمر: نشعر بالخجل من أنفسنا عند مشاهدة النساء يزاحمننا للحصول على صهريج، وبعضهن تطلب منا السماح لها بتجاوز أرقامنا لاستحيائها من الوقوف في الحر وبين الرجال، لكن الأمر ليس بأيدينا، فكلنا ننتظر منذ أيام كثيرة طالبين صهريجا، ولو سمحنا للنساء بتجاوزنا فإننا سنذهب إلى منازلنا حاملين قوارير المياه المعبأة على ظهورنا، بدلا من صهريج يكفينا ليومين أو ثلاثة، والآن لا تهمنا تكلفة الصهريج، المهم حصولنا على صهريج واحد يطفئ أجسادنا بعد أن أحرقتها الشمس. ويشرح بدر الحربي معاناة بعض الأهالي واستسلامهم في الحصول على صهريج ما يضطرهم لإرسال نسائهم للأشياب على أمل أن يخجل الأهالي لوجود النساء حولهم والسماح لهن بالحصول على صهريج، فلكل منزل معاناته، والبيوت أسرار، هناك المقعد وهناك من يكتظ منزله بالأطفال وهناك العاجز وهناك غير ذلك، والكل يحتاج للمياه فهي استهلاك يومي لا غنى عنه، ونطالب بحل عاجل لهذه الأزمة فمن غير المعقول أن نكون في بلد الخير وتنقصنا المياه. وأضاف: في بلدنا ثروات كثيرة وخيرات فكيف نحتاج للمياه بالأيام والأسابيع، المشكلة لم تنته رغم الوعود، وبعض مسؤولي مصلحة المياه عند ذهابنا إليهم كي يشرحوا لنا الوضع الحالي وسبب الأزمة لا يجيبون إلا بكلمة واحدة (صف سرى)، إذهب إلى الطابور حتى تمتلك صهريجا ولا تسأل كثيرا، وكأنها صدقة تمنح لنا وليس حقا من حقوقنا كمواطنين، مشيرا إلى أن الأزمة تطل من فترة لأخرى بلا حلول نهائية وكلها مسكنات لا تنفع مع موسم الصيف وزحام المصطافين. واضاف: لو رأيت فرحة الأهالي في الأشياب عند حصولهم على رقم طلب كبداية للحصول على صهريج لعرفت أن الأزمة كبيرة والمعاناة أكبر. ويستغرب محمد عبدالقادر، عدم الإفصاح للأهالي عن أسباب الأزمة، ومحاولة ما اعتبره «خداع» الأهالي، والادعاء بأنه لا توجد أزمة من الأساس وأن ما يحدث ما هو إلا مشكلة بسيطة حلها سهل وهي على وشك الانتهاء، وقال: بعضهم يخبرك أن المشكلة في العمالة والجوازات والإقامات وخوف العمال من إلقاء القبض عليهم، في محاولة لرمي المشكلة على غيرهم، وبعضهم الآخر يخبرك بأن المشكلة في منع خروج الصهاريج في ساعات الذروة، وهناك من يرمي التهمة إلى وجود أزمة في محطة التحلية نفسها، ولم نعلم كمواطنين أين يكمن الخلل، وأصبح الأمر لا يهمنا كثيرا فكل ما يهم هو حصولنا على صهريج ماء فقط، وندعوهم إلى أن يسهلوا لنا ذلك، وبما أن هناك أزمة حقيقية عليهم تخفيض سعره، خاصة أن السعر المرتفع قصم ظهورنا، فلا يعقل أن ندفع مبلغ 114 ريالا كل يومين. أما أم محمد فروت معاناتها وأسرتها بسبب انقطاع المياه المفاجئ لأكثر من أسبوعين، مبينة أن حضورها للأشياب ما هو إلا اضطرار بسبب عدم وجود عائل يقوم بالمهمة، خاصة أن والدهم طاعن في السن ولا يستطيع الحراك، وبقية من في المنزل نساء «ولو انتظرنا عودة المياه لمنازلنا لأصبح حلما نتمنى تحقيقه واستمراره، وحاولنا الاتصال مرارا وتكرارا على إدارة المياه حتى نتمكن من طلب للحصول على صهريج ولكن لا مجيب، مما اضطرني للحضور بنفسي أزاحم الرجال بغية الحصول على صهريج، فلم تعد قوارير المياه تفي بالغرض، والأزمة مستمرة، ووضعنا المادي ضعيف والمبلغ المرتفع للحصول على صهريج يزيد من معاناتنا. وأضافت أم محمد: نسمع أن بعض العوائل المقتدرة ماديا -على حد قولها- تطلب من إدارة المياه أكثر من صهريج لتعبئة مسابحهم لأجل محاربة الحر هذه الأيام ولا أعلم هل هناك نظام يمنع امتلاكهم لأكثر من صهريج، خاصة عند حدوث مثل هذه الأزمة في جدة، أم تمنح لهم كأي يوم من أيام السنة. مستعدون للصيف أكد العساف استعداد المديرية استقبال فصل الصيف المقبل من خلال ضخ كميات من المياه تتجاوز أكثر من 900 ألف لتر مكعب على أن تصل إلى ما يتجاوز مليون لتر مكعب بنهاية الأسبوع الجاري مما سيخفف الضغط على الأشياب بشكل كبير. أسباب الأزمة من جانبه أرجع مدير عام وحدة أعمال جدة في شركة المياه الوطنية المهندس عبدالله العساف تزاحم المواطنين في أشياب الفيصلية إلى ثلاثة أسباب، أولها التنظيم المروري الجديد الذي يحدد أوقات عمل الصهاريج الذي تم تلافيه لاحقاً باستثناء من قبل محافظ جدة الذي وجه بعمل الصهاريج على مدار اليوم، كما أن عمليات الصيانة في التحلية أدت الى نقص كمية المياه المخصصة للمحافظة من مليون لتر مكعب الى 009 ألف، فضلاً عن تخوف سائقي الصهاريج من الخروج من الأشياب لقيام فرق الجوازات بجولات ميدانية للقبض على المخالفين في أي موقع، والتوقعات من أن تشمل الجولة مديرية المياه في أي وقت أسوة بغيرها من الإدارات الحكومية.