لكي نصل إلى طريق النجاح.. والتفوق.. ونسير في الاتجاه الصحيح بكل اقتدار لا بد لنا أن نعترف أولا بسلبياتنا ثم نشرع في تلافيها بوضع منهجية واضحة المعالم. والإعلام الإماراتي من «صحافة وإذاعة وتلفزة» بات اليوم يرسم لوحات تشكيلية بديعة من خلال ما يطرحه في الساحة الرياضية بالذات.. وأصبح يعمل بمهنية عالية قوبلت بالكثير من الإعجاب والتقدير. وقبل ثلاثين عاماً أو ربما أكثر لم يكن كذلك حيث كان آنذاك يعتمد كثيراً على إعلاميين من الأشقاء العرب، وبالتالي لم يتمكنوا من وضع رؤية إعلامية صحيحة. وقد كان لي «موقف محرج» للغاية في إحدى دورات كأس الخليج لكرة القدم ولعله الموقف الوحيد الذي صادفني خلال دورات الخليج التي شاركت في تغطيتها الإعلامية. أذكر أنني كنت ضمن الوفد الإعلامي السعودي المشارك في تغطية فعاليات دورة كأس الخليج السادسة لكرة القدم التي أقيمت قبل أكثر من ثلاثين عاماً في دولة الإمارات العربية المتحدة. وكانت الرئاسة العامة لرعاية الشباب في تلك الفترة تختار موفداً إعلامياً من كل جريدة، وكنت أمثل جريدة الندوة، عندما كان زميلنا العزيز فوزي خياط رئيساً للقسم الرياضي بجريدة الندوة، وهناك في أبو ظبي لاحظت أن معظم من يعمل في وسائل الإعلام وبالذات الإعلام الرياضي والصحافة بالأخص هم من الإخوة العرب واسترعى انتباهي وأنا أتصحف يومياً خلال الدورة كافة الصحف الإماراتية، الكثير من المهاترات الصحافية.. والإثارة الممجوجة، والتصاريح المفبركة، وكان هذا النهج يسيء كثيراً للأشقاء المشاركين في البطولة، ويزعجهم كثيرا، ويخلق جواً غير رياضي على الإطلاق، جوا فيه الكثير من التجاوزات غير المقبولة وبالذات من إحدى الصحف الإماراتية التي كانت تتزعم هذا التوجه وأحتفظ باسمها، وباسم رئيس قسمها الرياضي القادم من دولة عربية أخرى. وركزت.. في رسائلي الصحافية اليومية على كشف هذه الأكاذيب.. وطالبت المسؤولين الإماراتيين في وزارة الاعلام بضرورة الاعتماد على أبناء الإمارات في وسائلها الإعلامية وبالذات في صحافتهم؛ لأنها هي الركيزة الأكثر تأثيراً أنذاك وتفاهمت مع زميلي فوزي خياط بالتركيز على هذا الجانب والهام. وتفاجأت كثيراً.. عندما عرفت أن جريدة الندوة لا تصل كبقية الصحف السعودية.. والخليجية إلى أيدي المسؤولين والرياضيين الإعلاميين بالدورة وإنها تحجز في مطار أبو ظبي، فأخبرت الزميل الخياط بذلك فكلف الزميل أحمد ماهر محررنا في المنطقة الشرقية يرحمه الله بأن يتولى مسؤولية استلام الجريدة من المطار وإيصالها إلى الفندق لكني تفاجأت فيما بعد بأن جريدة الندوة يتم إخفاؤها بمجرد وصولها لفندق أبو ظبي إنتركونتننتال، فما كان مني إلا الإشراف على توزيعها بنفسي على المسؤولين والرياضيين والإعلاميين، وكنت أتصدى لكل معلومة.. أو خبر أشم من خلاله رائحة عدم المصداقية، وبعد التأكد من ذلك أشرع في الرد عبر رسائلي اليومية. وعلى سبيل المثال: ذات يوم تفاجأت وعبر تلك الصحيفة الإماراتية المتزعمة لذلك الشطط بخبر رئيسي في صفحتها الرياضية بعنوان «استقالة الشيخ عيسى بن راشد» فقلت في نفسي (معقولة..!! الشيخ عيسى يقدم استقالته.. والدورة ما زالت في بدايتها..؟) وتوجهت فوراً إلى فندق ابو ظبي إنتركونتننتال، ولحسن حظي وجدت الشيخ عيسى بن راشد يجلس بقاعة الفندق يرتشف من فنجان قهوته الصباحية.. سلمت عليه.. وجلست بجواره ثم سألته (صحيح هذا الخبر المنشور في الجريدة ... الإماراتية يا شيخ عيسى؟) فرد الشيخ عيسى (صدقني ..أنا لم أتفوه بكلمة واحدة بهذا الأمر وليس لدي أي تفكير في الاستقالة وأتحدى الصحيفة التي نشرت الخبر أن تثبت ذلك)، هنا قلت للشيخ عيسى (يعني أنفي الخبر على لسانك طال عمرك ..؟) فرد (توكل على الله.. وإذا ترغب في التسجيل ما عندي مانع)، هنا شغلت جهاز تسجيلي وسجلت تصريحه.. ونشرته في اليوم التالي، وقد فرد له الزميل الخياط مساحة كبيرة وعلى ثمانية أعمدة. وكان لهذا التصريح ردود فعل مدوية في الصحافة الخليجية في اليوم التالي وواصلت فيما بعد التصدي لتلك التصاريح غير الصائبة التي لا تخدم الرياضية الخليجية بتاتاً. بل تساهم في زرع مساحات شاسعة من التنافر، وعدم المصداقية، وأذكر فيما بعد أنه كان هناك مؤتمر صحافي عقد في أبو ظبي، عقدته شخصية إماراتية رفيعة المستوى لا أذكر اسمه لكن صورته ما زالت مرسومة في ذاكرتي المهم في هذا المؤتمر طالبت بضرورة اهتمام دولة الإمارات بالوجوه الإعلامية الإمارتية الواعدة وأنه لا بد من تدريب هؤلاء الإعلاميين من خلال معاهد خاصة لتدريب الصحافيين والمذيعين لتهيئة كادر إعلامي إماراتي في المستقبل، كادر قادر على تولي زمام هذه المهمة.. فهو الأكثر قدرة على تحقيق طموحات الإماراتيين وفي نفس الوقت يحقق الهدف الأسمى الذي من أجله أقيمت دورات الخليج لكرة القدم. نعود إلى الموقف الحرج الذي مرَّ بي بدورة الخليج السادسة بدولة الإمارات العربية المتحدة وهو أنه نما إلى علمي في البداية أن المسؤولين في اتحاد كرة القدم الإماراتي وكان يرأسه آنذاك الشيخ سلطان السويدي قد قدموا ورقة عمل وأنها ستطرح خلال اجتماع رؤساء الوفود الخليجية بالدورة، تنص هذه الورقة على (منع الإعلامي السعودي .. فريد مخلص من المشاركة الرسمية ضمن أية بطولة لكأس الخليج تقام مستقبلا بدولة الإمارات)، في البداية كنت أعتقد أن المسألة لا تتعدى كونها إشاعة أعرف مدى انعكاساتها ولكني تأكدت بعد ذلك ومن مصادري الخاصة أن المعلومة التي وصلتني صحيحة بالفعل، فآثرت الصمت لمعرفة ما ستسفر عنه نتائج ذلك الاجتماع المرتقب. المهم تم الاجتماع وطرحت بالفعل ورقة العمل وتصدى لها سمو الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز رئيس بعثة المملكة، والشيخ فهد الأحمد يرحمه الله رئيس بعثة الكويت، والشيخ عيسى بن راشد رئيس بعثة البحرين. ولا أعرف بالضبط موقف رئيسي بعثة قطر وعمان.. ولقد أكد المعترضون على ضرورة حرية الكلمة لكافة الإعلاميين. وأنه ليس من المعقول أن يتم فرض وصاية على الإعلاميين أبداً.. وإذا كانت هناك تجاوزات من بعض الإعلاميين المشاركين بالدورة تسيء إلى أشخاص معينين.. أو لأي دولة شقيقة فهناك قنوات رسمية تستطيع اتخاذ القرار المناسب وإيقاف كل إعلامي متجاوز عند حده.. وعندما تأكدت من نتائج ذلك الاجتماع، اتصلت بالزميل فوزي خياط وأخبرته بتفاصيل الموضوع، وكانت دهشته كبيرة للغاية وقال لي (يا راجل أنت ايش تقول..؟ معقول تصل الأمور بطلبهم بمنعك من دخول الإمارات في أي بطولة قادمة لكأس الخليج..؟) فقلت له (صدقني هذا ما حصل، وأنا كذلك ما زلت مندهشاً حتى هذه اللحظة من تصاعد الأمر بهذا الشكل البعيد كل البعد عن المنطق.. فالمنطق يقول كان الأولى من المسؤولين الإماراتيين أن يراقبوا ما كان ينشر في صحفهم من إساءات ومن أخبار مغلوطة وغير دقيقة وصلت إلى بعض رؤساء الوفود الخليجية، وأن ينظروا إلى انعكاسات هذا التوجه الإعلامي غير السوي على الساحة الرياضية الخليجية، فلو حدث هذا لما حدث ذلك التصدي المشروع من قبل صحيفة الندوة لوضع الأمور في نصابها، وإيضاح الحقائق أمام قراء دول الخليج، وأمام الخليجيين بشكل عام. ودارت الأيام ومرت الأيام. وأصبح الإعلام الرياضي الإماراتي.. والصحافي بشكل خاص يشكل اليوم حضوراً.. والتزاماً إعلامياً متميزاً، يستحق الشكر كل الشكر والاعتزاز لدولة الإمارات العربية المتحدة.. ولوزارة إعلامها الموقرة، فاليوم بتنا نشاهد أعداداً كبيرة من الإعلاميين الإماراتيين وبالذات الإعلام الرياضي يؤدون عملهم على أكمل وجه، فهناك الكثير من الإعلاميين الذين يعملون في الصحافة الإذاعة والتلفزة بمهنية إعلامية راقية لا أريد أن أطرح أسماء، فالأسماء كثيرة، وبين فترة وأخرى يفاجئنا الإعلام الإماراتي بظهور إعلامي جديد.. ومتمكن. انها استراتيجية تسير وفق منظومة علمية ورؤى واضحة وصحيحة وأيضاً تسير وفق هدف أسمى تسعى إلى تحقيقه هذه الكوكبة الإعلامية فساهمت هذه الرؤى وهذا الهدف في تحقيق بطولة خليجي 21، أقول ساهمت كعامل مساعد ومشارك في تحقيق.. وصنع ذلك الإنجاز. واليوم.. لا يعنيني من قريب أو بعيد، إذا كان صاحب ورقة العمل «إياها» نادماً على هكذا خطوة خاطئة في حقي، ولا أقول في حق الوفد الإعلامي السعودي المشارك في تغطية تلك البطولة.. ما يهمني.. هنا.. هو وصول الإعلام الرياضي بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة اليوم إلى مستوى التطلعات ومستوى المسؤولية، ويكفيني فخراً أن أمنيتي قبل أكثر من ثلاثين عاماً في إيجاد كوادر إعلامية إماراتية قادرة على تحقيق طموحات كل الإماراتيين «قد تحققت». سواء كنت عاملا مساعداً في تحقيق ذلك .. أو لم أكن..!! فدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة (حكومة وشعباً) لها في قلوبنا مساحة الربع الخالي من الحب، والاعتزاز الكبيرين. كما يهمني أن أتمنى اليوم أن يتخلص إعلامنا الرياضي السعودي من تعصبه المقيت ومن شططه الذي يطيح بالرسالة الإعلامية المنوطة به ليخرج إلى نور النزاهة، والعمل الواعي الجاد؛ حتى يسهم بشكل فاعل في البناء الرياضي والوصول إلى المستويات التي نتطلع إليها خاصة أننا نملك الكفاءات الإعلامية الناجحة القادرة على أداء مسؤولياتها وأدوارها متى ما تخلصت من عبث التعصب، والجري اللاهث خلف «النادي» المفضل ليواكب الطفرة الحضارية لبلادنا الحبيبة.