شدد عدد من المهتمين والمسؤولين عن الجمعيات الخيرية والمدنية على أهمية مواجهة مخالفة الأبناء لحقوق آبائهم التي بدأت تتفشى في المجتمع؛ نتيجة التمدن والانفتاح على الثقافة الأخرى وذوبان القيم والبعد عن الدين الإسلامي وتعاليمه التي توجب على الأبناء الوفاء بحقوق آبائهم ومساعدتهم والبر بهم ورعايتهم. وأفصحوا ل«عكاظ» عن كثير من الحقوق المنتهكة للآباء من قبل أبنائهم، ومنها هجرانهم وعدم البر بهم، وعدم مساعدتهم ماليا، والتأفف منهم وعدم اصطحابهم في السفر، ورفع الصوت عليهم، وحرمانهم من السكن معهم في منزل واحد، وعدم العناية بهم صحيا واجتماعيا، مرجعين ذلك إلى بعد الأبناء عن تعاليم الدين الإسلامي، وعدم تعويد الأبناء على التربية الصالحة ومكارم الأخلاق منذ الصغر، وانتشار وسائل الاتصال والإعلام الجديد وفقدان البعض للقيم التربوية الإسلامية. وقال الشيخ خالد مشعى آل كله رئيس كتابة عدل محافظة رنية رئيس الجمعية الخيرية: «لا شك أن هناك حقوقا للآباء لا يؤديها الأبناء، وهذه الأمور تعود إلى عدم غرس الآباء مبادئ الأخلاق المحمدية لدى أبنائهم منذ الصغر، فقد قيل (وينشأ ناشئ الفتيان منا .. على ما كان عوده أبوه)، فمتى ما عود الآباء الأبناء على حفظ الحقوق وأداء الواجبات والتمسك بالأخلاق ومكارم الآداب نشأ الشاب على هذه الخصال الحميدة، وبخاصة في التعامل مع الأكبر منا سنا، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي بعث متمما لمكارم الأخلاق قال : (أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) أو كما قال بابي هو وأمي (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا)». وأضاف «من الأمور التي تهدد العلاقة بين الآباء والأبناء، وتتسبب في هدر حقوق الآباء عدم اختيار الأب للرفقة الصالحة لأبنائه وعدم تعويدهم على مجالس الذكر، فمتى ما غابت هذه الأمور نشأت لدينا مشاكل في العلاقة بين الآباء والأبناء، كما أننا لا ننسى كثرة الانشغال بوسائل الترفيه الحالية التي كانت سببا في ابتعاد الأبناء عن آبائهم، فالجوالات والحواسيب جعلت هناك بعدا بين الآباء والأبناء وغابت بينهم لغة التواصل». فرض الآراء الشخصية وبين الشيخ خالد مشعى آل كله «من الظواهر التي انتشرت في المجتمع سب الأبناء لآبائهم، سواء أكان سبا مباشرا أو غير مباشر عبر سب الآخرين، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه). قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: (يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)، كما أن من المظاهر الأخرى العناد وفرض الآراء الشخصية من الأبناء، ولا سيما في مرحلة المراهقة إن لم يحسن الأب نصح ابنه بأسلوب جيد»، وقال: «الواقع محزن، فالناس انشغلت بملذات الحياة وغياب القدوة الصالحة، والحل في الرجوع إلى تعاليم ديننا الحنيف وسنن من قبلنا»، مبينا أن الجمعيات الخيرية تقوم بدورها بشكل فاعل، فتشرع وفق برامجها مع الجهات المختصة لتوعية النشء، كما أن هناك جمعيات تعنى بتدريب وتأهيل الشباب على الزواج وحقوق الأسرة وواجباتها من أجل حياة سعيدة، فالزوجة الصالحة لها أثر كبير في حياة النشء وصلاحه. حق الرعاية المالية بدوره، قال الشيخ خالد العصيمي مدير جمعية البر الخيرية في الطائف: «الملاحظ أن كثيرا من الأبناء لا يراعون حقوق آبائهم، وهذا أمر خطير ينم عن فقدان النشء لقيمة الأب واحترامه وتقديره». وأضاف «يحضر لنا في الجمعية كثير من الآباء يريدون المساعدة، رغم أن أبناءهم مقتدرون وأصحاب وظائف مرموقة، وعند سؤالهم عن دور أبنائهم في مساعدتهم الجميع يتهرب من الإجابة، وهذا ينم عن عدم سؤال الأبناء عن آبائهم ومساعدتهم ومد العون لهم والسؤال عنهم». وبين العصيمي أن هناك كثيرا من الأبناء يهجرون آباءهم ويقطعون الصلة بهم، وهذا يعود إلى الصحبة السيئة وتأثير وسائل الإعلام المختلفة على حياة الناس التي أضعفت أواصر القربى، ولا سيما أن هناك آباء لا يجيدون التواصل الإلكتروني مع أبنائهم، كما أن هناك بعض الأقارب يكون لهم دور سلبي في القطيعة بين الأبناء وآبائهم. وحول دور الجمعيات الخيرية والمدنية في تنبيه الأبناء لحقوق الآباء، قال: «دور الجمعيات كبير جدا، وهناك جمعيات تعنى بهذا الأمر مباشرة، وهناك جمعيات تجعل جزءا من نشاطها لتنمية الأخلاق والقيم»، وأضاف «المجتمع يحتاج من كل الجمعيات ومراكز الأحياء ولجان إصلاح ذات البين المشاركة في تنمية وتعزيز القيم والأخلاق وتذكير الشباب بها»، وزاد «لنا في الجمعية تجربة في تقديم برامج للشباب بعد منتصف الليل، ووجدنا من الشباب تجاوبا في الحضور والتفاعل والأثر البعدي». نزلاء الدور والعقوق أما محمد عبدالرحيم كلنتن عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، مدير جمعية شفاء الخيرية في العاصمة المقدسة، فقال: «لا شك أن حقوق الأبناء على الآباء كثيرة والشارع الحكيم أوضحها وبينها للجميع، ولكن الشباب هذه الأيام يحتاجون إلى التوعية والتذكير في زمن الفضائيات ووسائل الإعلام». وأضاف «من خلال زيارتي لدور الأيتام وجدنا بعض كبار السن من الآباء ليس لديهم أبناء، ويمكث كثير منهم في هذه الدور من أجل العناية ويحظون بزيارات مستمرة من أبنائهم». وزاد «لا أعتقد أن هناك حالة انتهاك أو مخالفات من الأبناء تجاه آبائهم»، وتابع موضحا «صحيح هناك حالات برزت، ولكنها تكون تحت تأثير المخدرات». حملة حقوقية ويتفق مع كلنتن الدكتور فؤاد بوقري نائب رئيس مجلس جمعية الإحسان لرعاية الإنسان الخيرية في منطقة مكةالمكرمة، حيث قال: «انتهاك حقوق الآباء من قبل الأبناء ليست منتشرة بشكل واضح، لكنها بدأت تظهر في المجتمع، وهذا الأمر يعود إلى البعد عن الدين الإسلامي والقيم الأخلاقية». وأضاف «من المظاهر التي بدأت تظهر طرد الآباء من منازل الأبناء، وشعور البعض بالعيب من آبائهم، وعدم مراعاة الجوانب الصحية والاجتماعية للآباء، وتركهم في المنزل عند السفر بالعائلة.. ونحوها». واستطرد «كثير من نزلاء الأربطة التي تشرف عليها الجمعية يشعرون بنكسة نتيجة تعامل أبنائهم معهم»، وبين الدكتور بوقري أن الجمعية تعكف على دراسة هذه الأمور مع المختصين، وتستعد للقيام بحملة لتوعية الأبناء بحقوق آبائهم، بالتعاون مع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. الحاجة للتوعية من جهته، قال يوسف المالكي مشرف لجنة القيم في مدرسة عبدالرحمن الداخل في جدة: «حق الوالدين على الأبناء لا يستطيع أن يحصيه إنسان، فهما سبب وجود الأبناء والبنات بعد الله عز وجل، ولن يستطيع الأبناء أن يحصوا ما لاقاه الأبوان من تعب ونصب وأذى، وسهر وقيام، وقلة راحة وعدم اطمئنان من أجل راحة الأبناء والبنات وفي سبيل رعايتهم، والعناية بهم، فسهر بالليل، ونصب بالنهار، ورعاية واهتمام بالتنظيف في كل وقت وحين، وحماية من الحر والبرد والمرض، وتعهد وتفقد لحالة الأبناء من جوع وشبع وغيرها، فهذه الأمور كلها كثير من الأبناء يقدرها ، لكن الأبناء يحتاجون في هذا العصر إلى التوعية بهذه الحقوق، وهذا دور الجمعيات والمؤسسات التربوية». وبين المالكي أن هناك كثيرا من الشباب انشغل بالحياة ونسي حقوق والديه عليه، وقد نبه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى خطورة هذا، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة)، وقال: «للوالدين على الأبناء حقوق كثيرة لا تعد ولا تحصى مكافأة لما قاما به من مساعٍ حميدة من أجل راحة الأبناء، وتنشئتهم تنشئة إسلامية، منها؛ البر بهما فالبر بالوالدين مقدم على بر غيرهما من الناس، سواء الأولاد أو الزوجة أو الأصدقاء أو الأقرباء.. أو غير أولئك من الناس، فبر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله، ومن برهما الإنفاق عليهما، وإدخال الفرح والسرور عليهما ولو كان ذلك على حساب الأبناء، ومساعدتهما في كل ما يحتاجانه من أعمال، فصلتهم سبب في توسيع الرزق وزيادته وكثرة طرق الخير وأبوابه، وزيادة في العمر وطول الأجل، كما أن من حقوق الآباء على الأبناء الإحسان إليهما فمن الإحسان إليهما عدم تكديرهم بكلام أو فعل لا يرضيانه ورفع الصوت فوق صوتهما، ومخاطبتهما بلطف واختيار الكلام الحسن الطيب المقرون بالاحترام والتواضع لهما ولين الجانب». اللعن والسب وأشار المالكي إلى أن «من انتهاك حقوق الآباء الابتعاد عن الدين والعكوف على الخليع من القنوات والفضائيات والإنترنت، حتى أصبح أولئك الشباب لا يفرقون بين القريب والبعيد، بين الوالدين وغيرهما، فلا يرى الوالدان من الأبناء إلا كل جفاء، ولا يسمعون إلا أصواتا كالرعد القاصف ألفاظا نابية وكلمات حقيرة مدوية، فلعن وسب وشتم وقذف، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا انتهاك لحق طاعة الآباء التي هي من أوجب الواجبات». وحذر المالكي الأبناء من غضب الآباء والدعوة عليهم قائلا: «دعوة الوالدين من الدعوات المستجابة، فكثير من الناس حرموا لذة الحياة الدنيا بسبب عقوق الوالدين وعصيانهما، فهم من نكد إلى نكد، ومن مصيبة إلى أخرى، فكانت عاقبتهم وخيمة، وخاتمتهم سيئة». لا تضطروهم للعقوق أما عبدالعزيز صالح المرضي الغامدي عضو الجمعية السعودية لرعاية الطفولة، رئيس مركز خبراء الاعتمادية، والمستشار في التحقيقات وتحليل أسباب المشكلات في المنطقة الشرقية، فقال: «بعض الدول الغربية تفتخر بأن لديها مأوى للعجزة، أي أن هذا الإنسان إذا تقدمت به السن التحق بهذا المأوى، قد يقدمون له كل شيء، أطيب الطعام، وكل الخدمات الصحية، ولكن لا يستطيعون أبدا أن يقدموا له المحبة، ولا العطف، ربما كانت سعادة الأب أن يمتع نظره بأولاده، فإذا زجوه في مأوى العجزة، وتخلوا عنه، فوالله قد فعلوا في حقه جريمة لا تغتفر». وأضاف «الإسلام يطالب الأبناء بالإحسان إلى آبائهم و إن صدر عنهما خطأ، وشدد في وجوب البر و الإحسان حتى يجعل نظر الحب للوالدين عبادة، كما جاء في الحديث الشريف (نظر الولد إلى والديه حبا عبادة)». وزاد «من البشائر للعاقين لوالديهما إن الأعمال التي يقدمها من أجل أبويه بعد مماتهما تجعله بإذن الله بارا، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك»، وفي الأثر: (من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر الله له وكتب بارا). وحذر الغامدي الأبناء من عقوق آبائهم، وقال: «العقوق جريمة تدل على ذهاب المروءة وانعدام الوفاء وظلمة القلب وبلادة الشعور والإحساس». وأضاف «من آثار العقوق أنه موجب لشقاء العاق، وعدم ارتياحه في الحياة لسخط الوالدين ودعائهما عليه، وقد جاء في الحديث النبوي: (إياكم ودعوة الوالد، فإنها أحد من السيف)، كما أن من آثار العقوق أنه من الذنوب الكبائر التي توعد الله عليها بالنار. ونصح الغامدي الآباء بأخذ الحكمة عند التعامل مع أبنائهم كي لا يضطروهم إلى العقوق والعصيان».