ذات يوم كانت هذه المهنة منبوذة، وينظر إليها بعض أطياف المجتمع بشيء من التندر، بل كان يصنفها بأنها دونية ولا تواكب التطلعات، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصلت في أحيان إلى رفض الأسر تزويج من يعمل في وظيفة حارس أمن دون أن يوجد سبب منطقي للنفور من الوظيفة والعاملين فيها على حد سواء. ومن المفارقات العجيبة أن الشباب في وقت ما كانوا يفضلون البقاء عاطلين في المنزل عن العمل في مهن بسيطة لشعورهم بالعيب وخوفا من نظرات وتعليقات المجتمع ومن بينها الحراسات الأمنية، وبحسب فئات مجتمعية استطلعت رأيها «عكاظ الأسبوعية» فإن مهنة «حارس أمن» أصبحت في الوقت الراهن مرغوبة عند الكثير من الشباب، وأنشئت لمزاولة النشاط شركات خاصة يتم التقديم في بعضها عبر مواقع التواصل والإنترنت وبعضها تجري مقابلات خاصة واختبار قدرات، وبعض الشركات تقوم بتهيئة الشباب وتدريبهم على حراسة الأمن مثلها كأي مهنة أخرى. «عكاظ» استطلعت أصداء وآراء بعض حراس الأمن والأهالي وعدد من ملاك المحال، وأخذت بأسباب تفاوت النظرة في الشاب الذي يعمل في هذا المجال وبحثت معهم عن الأسباب الحقيقية التي تدفع البعض للسخرية من الشاب حارس الأمن. في البداية، تحدث حارس الأمن الذي رمز لاسمه ب(عبد الله. ش) عن بداياته وكيفية انخراطه في المجال قائلا «مللت النوم في المنزل وتعليقات الأهل والأصدقاء والتي كانت جميعها بسبب أنني عاطل، وكنت أسمع كلاما جارحا في حال طلبت الاقتراض من أي أحد مبلغا ماليا، فآثرت أن أخرج من تلك الأجواء وأن أعمل كي يكون لي دخل ثابت». وزاد «تقدمت لإحدى شركات الأمن وانطبقت علي الشروط وبدأت العمل، ولا أنكر أنه في البداية واجهت بعض التعليقات، فالكثيرون كانوا يرونها وظيفة لا تليق ولا ترتقي للشاب السعودي، كما لا يخلوا الأمر من التعليقات والتخويف من المستقبل المظلم وعدم قبول الفتاة بالزواج من حارس أمن، ومع الوقت أصبحت أتوسط لأبناء الحي في الحصول على وظائف، ولكن تقبل المجتمع لم يأت سهلا وسريعا، وتوجد فئات لاتزال تنكر على الشاب العمل في هذا المجال». من ناحيته، ذكر (خالد. م) «صيدلي» أن عددا من الشباب تقدموا للحصول على وظائف حراس أمن للصيدليات أثناء ساعات الليل المتأخرة، مضيفا «تقدم لحراسة الصيدلية شباب مختلفون في التفكير وطريقة العمل، كذلك الطموح والتفكير والأسلوب وحتى الأخلاقيات». وتابع القول «اكتشفت أن البعض مدمنو مخدرات، ووجدت آثار ذلك أمام باب الصيدلية مرات عدة وأبلغت الجهات الأمنية بذلك وقد نصحت أحدهم أكثر من مرة وشرحت له أضرار المخدرات وما ينتج عنها، ولا أعلم هل تاب أم مازال مستمرا في غيه، لأنه ترك حراسة الصدلية ولا أعلم إلى أين ذهب». وأضاف «عمل في حراسة الصيدلية شاب آخر مختلف تماما عن الأول، فكان طيلة الليل ممسكا بالقرآن وكان أمينا جدا ويتعامل مع الزبائن باحترام جم ويساعد كبار السن في حمل أمتعتهم من غير طلب منهم». وأشار إلى أن الشاب أسر إليه أنه عازم على حفظ القرآن بالكامل مستغلا وقت الفراغ الكبير ليلا إضافة لخلو المكان والهدوء الذي يساعده على خطواته الحثيثة لحفظ القرآن. وشكا الصيدلي خالد من نوع ثالث وصفه بأنه غير عامل حيث قال «الشاب الثالث فلم يكن مدمنا ولم يكن حافظا للقرآن، وكان جيدا في حراسة الصيدلية ومهذبا، إلا أنه يقضي وقت فراغه في لعب (البلوت) مع الشباب الذين يحضرون إليه بعد انتهاء عمل الصيدلية يؤنسونه ويسهرون معه، فيسمعون الأغاني ويفترشون الأرض يشربون الشاي والقهوة ويلعبون حتى الصباح». وعلى الجانب الآخر، تحدثت «عكاظ» مع بعض الأهالي حول نظرتهم للشباب العاملين في حراسة الأمن، فيقول «محمد. ن»: «لا عيب في العمل وهؤلاء الشباب مثال للجد والمثابرة، وفي النهاية عملهم في هذا المجال أو غيره أفضل من قعودهم في البيت من غير عمل أو وظيفة، ويجب علينا كآباء دعمهم والعمل على تذليل الصعاب التي تواجههم. وعن رأيه في إمكانية تزويج شاب يعمل في حراسة الأمن قال: «ابنتي طالبة في الطب ويجب على المتقدم لابنتي أن تكون شهادته قريبة من طموحاتها، حتى يكون هناك تقارب في وجهات النظر وفي الفكر، ودعمي للشباب الطموح نفسيا ومعنويا لا يعني ذلك أن أزوجه ابنتي، ولو رغب أحدهم بالزواج من فتاة تقترب منه اجتماعيا وطلب دعمي والحضور معه فلن أتردد». ومن ناحية أخرى، خالفه الرأي (أبو بندر) مؤكدا أنهم شباب طموحون وغيرهم بحاجة لدعم ومساعدة وتوجيه وتشجيع بدلا من إحباطهم حتى أصبح بعض الشباب يفضل البقاء في المنزل عن العمل في وظيفة بسيطة، مضيفا «نحن في أمس الحاجة لخدمات الشباب السعودي، بدلا من ذهاب أموالنا لغيرهم، هم الأولى بها». وزاد «لا أمانع في تزويج ابنتي على شاب يعمل حارس أمن أو طباخ أو موظف استقبال، فالعمل ليس عيبا والعيب الحقيقي في النوم في المنزل أو التجارة في المخدرات أو التسول والسرقة، ومقياسي دائما في الرجل دينه وخلقه تيمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)». فيما نوه (فواز. ب) أحد حراس الأمن بقوله «تغيرت نظرة المجتمع ولم تعد كالسابق، حتى لنا كحراس أمن» مضيفا «كانت نظرة المجتمع لنا دونية وأنها وظيفة من لا وظيفة له ولا مستقبل، لا يلتحق بها إلا المدمنون أو الخارجون من السجن، أما وضع حراس الأمن الحالي على العكس تماما، فأغلبهم على قدر كبير من الخلق والثقافة والدراية». وأضاف «نلاحظ تغير نظرة الناس وتعاملهم معنا وأسلوبهم، حتى إن الكثير من زبائن الصيدلية التي أعمل فيها أصبحنا أصدقاء، يسألون عني وأسأل للاطمئنان على أحوالهم». ونوه إلى وجود حراس أمن شوهوا صورة العاملين أمام الناس، يتعاطون المخدرات ويدخنون السجائر ويتعاملون بشكل غير لائق ولا مهذب مع الآخرين على حد وصفه. وتابع القول «مشكلتنا نحن حراس الأمن ليست في كيفية التعامل مع الآخرين، فقد تغلبنا عليها مع الوقت، ولكن مشكلتنا في الرواتب الضعيفة والسهر لحراسة المحلات إلى آخر الليل، وأيضا فقدان عنصر الإبداع والتفكير في عملنا، فماذا يعني أن تبقى إلى وقت متأخر من الليل على كرسي تراقب المحل الذي تعمل فيه وتحرسه؟». وعن المستقبل قال «حتما سأبحث عن عمل آخر وسأتحين الفرصة للذهاب لعمل آخر أجد فيه إبداعي وأتألق فيه، ولا أعيب حراسة الأمن أو أي مهنة بسيطة فهي بالتأكيد أفضل من الجلوس في المنزل، ولكن ذلك لا يمنع أن أبحث عن الأفضل». وتحدث (سالم. غ) عن افتقاد بعض الشباب لمهارة التعامل مع الآخرين وعدم قدرتهم على امتصاص غضب الناس عند حدوث مشادة كلامية بين أحد الزبائن وموظف الصيدلية أو غير ذلك، فيجب تهيئتهم بشكل مناسب والعمل على إعدادهم نفسيا ومعنويا وتكثيف الجهد لتدريبهم. وأشار إلى أن الظروف السبب الرئيسي في عدم مواصلته الدراسة، ليجد نفسه متنقلا بين شركات الحراسة الأمنية، مضيفا «أعمل لدى شركة للحراسات الأمنية منذ أكثر من عام، ورغم أنها من أكبر الشركات السعودية العاملة في هذا المجال إلا أن راتبي لا يتجاوز 3000 ريال». ونوه سالم إلى أنهم يعملون دون تأمين صحي أو بدلات ولا ترقيات، والراتب لا يتناسب مع طبيعة العمل الشاقة ومخاطرها الكبيرة، مؤكدا أنه يعمل في الحراسات الأمنية دون حوافز أو تطور وظيفي.